فقد ورد أن المتوكل العباسي أشخصه من المدينة المنورة إلى بغداد سنة 234هـ[1]، ثم من بغداد إلى سر من رأى، فأقام بها عشرين سنة وتسعة أشهر[2]، ليكون تحت رقابته، بعدما بلغه من ميل الناس إليه فخاف منه[3].
يقول يحيى بن هرثمة، وهو الذي ذهب إلى المدينة وأشخصه منها إلى المتوكل، قال: فذهبت إلى المدينة، فلما دخلتها ضج أهلها ضجيجا عظيما ما سمع الناس مثله، خوفا على علي، وقامت الدنيا على ساق، لأنه كان محسنا إليهم، ملازما للمسجد، لم يكن عنده ميل إلى الدنيا.
قال يحيى: فجعلت أسكنهم وأحلف لهم أني لم أؤمر فيه بمكروه، وأنه لا بأس عليه. ثم فتشت منزله، فلم أجد فيه إلا مصاحف، وأدعية، وكتب العلم، فعظم في عيني، وتوليت خدمته بنفسي، وأحسنت عشرته[4].
وهذه القصة، إن دلت على شيء، فإنما تدل على مدى قدرة الإمام (عليه السلام) على التأثير في النفوس، بحيث كان اعتراض أهل المدينة أشبه بثورة ضد السلطة الحاكمة، حتى اضطر يحيى إلى أن يحلف الأيمان لهم بأنه لا يريد به شرا.
وقد حصلت هذه الحادثة، والإمام (عليه السلام) في العشرين من عمره الشريف، أو دون ذلك بقليل، إذ أنها حصلت في سنة 234هـ كما تقدم، وأما ولادته فكانت سنة 214هـ، فاضطر المتوكل أن يظهر التأسف على ذلك، والمبالغة في إكرامه.
ولكن ذلك لم يكن نهاية المطاف، في ظلم المتوكل له ولأصحابه، فإنه بعدما فرض عليه الإقامة في سامراء، ووضعه تحت الرقابة المشددة، كثيرا ما كان يرسل شرطته وجلاوزته ليفتشوا منزله بحثا عن أموال أو سلاح، أو عن أي دليل يمكنه منه، ولكنهم يرجعون خائبين، ويخرج الإمام (عليه السلام) منها ظافرًا.
سماحة الشيخ حاتم اسماعيل
---------------
[1] تاريخ الطبري، ج9، ص83 طبعة عز الدين
[2] تذكرة الخواص، سبط ابن الجوزي، ص359
[3] نفس المصدر السابق
[4] نفس المصدر السابق، ص 360
شبكة المعارف الاسلامية