ومن حظنا نحن، أهل المقاومة، أن نقف مباشرة أمام هذه المجموعة القذرة، وأن نواجههم بلا وكلاء، فيصل السهم مباشرة إلى قلوبهم السوداء. وحيث نكون في قلب المعركة التي تخوضها شعوب العالم ضد ما بقي من هذه الديكتاتورية، وهي نفسها المعركة التي لا يزال حكام بريطانيا يشحذون فيها السكاكين، ولو صاروا مع الوقت، مجرد أدوات عند المعلم الأكبر في أميركا.
ثمة أسباب كثيرة خلف قرار حكومة صاحبة الجلالة باعتبار المقاومة في لبنان حركة إرهابية. بينها الداخلي لمواجهة تعاظم تيار الزعيم العمالي جيريمي كوربين، والذي تجند الجميع ضده. لم يبق أحد في «الدولة العميقة» يقف على الحياد، من الملكة إلى الاستخبارات إلى النواة الصلبة للمسيطرين على اقتصاد السوق، إلى المحافظين بكل تلاوينهم، إلى الميديا البريطانية وقوى النفوذ الخارجية، المتصلة تحديداً بالمصالح الأميركية - الإسرائيلية. كل هؤلاء، لا شغل لهم سوى منع كوربين من الوصول إلى قلب الطاولة على الحكام الحاليين، وسيقومون بكل شيء لإضعافه: تمزيق حزبه، وترهيب الجمهور من حوله. وفي قرار الحكومة بالأمس، بعده الداخلي، المتصل بمنع كوربين وفريقه من التعبير عن الرغبة في بناء سياسة خارجية جديدة، تقوم على مناصرة أصحاب الحقوق في منطقتنا، حيث القهر يأتي حصراً من إسرائيل والسعودية.
لكن مهلاً، ألا يتطلب الأمر السؤال عما نحن فاعلون للرد؟
سيكون من الصعب إقناع الناس بأن بريطانيا هذه، التي تمثل الشر بعينه، تقف اليوم مجدداً على رأس أعداء العرب. وإذا كان بيننا من يريد تجاهل هذا الحدث، والتصرف معه على أنه جزء من «الأمر الواقع العالمي الذي لا مجال لمقاومته»، فهذا يعيدنا من جديد إلى السؤال عن معنى انتظار الإجماع الوطني للدفاع عن أشرف ظاهرة عرفها لبنان منذ إعلانه كياناً.
لم تطل إقامة مستعمر في لبنان، ولم يخرج جيش غاز إلا وسبقته النعوش!
وهذا يعني أن على ممثلي حكومة صاحبة الجلالة في لبنان، التصرف على أساس أنهم باتوا في أرض معادية. وجودهم غير مرحّب فيه. وأن من يعتقدونه صديقاً يعاونهم، لن يكون حاله أفضل من حال مرتزقتهم في سوريا والعراق واليمن وفلسطين. ومن الضروري لفت انتباه من يهمه الأمر إلى أن حكومة بريطانيا ترعى نشاطاً متنوعاً عندنا، هدفه الوحيد العبث بأمن لبنان ومحيطه.
وما على الحكومة اللبنانية إلا التصرف وفق قاعدة جديدة، عنوانها أن حكومة بريطانيا، ومن تلقاء نفسها، ومن دون أي مبررات قانونية أو إنسانية، أعلنت الحرب على قسم كبير من اللبنانيين، وأنها دخلت في مواجهة مع قسم غير قليل من الشعب العربي. وفي هذه الحالة، لا يمكن حكومة لبنان أن تقف مكتوفة الأيدي، وأن تتجاهل حقيقة أن في بيروت اليوم مؤسسات منخرطة في برامج تعاون ذات بُعد أمني وعسكري مع حكومة لندن، وهي برامج تتزامن مع رفع مستوى النشاط الأمني للاستخبارات البريطانية في لبنان، واستخدام بيروت منصة للعمل ضد سوريا والعراق وضد قوى المقاومة في فلسطين.
وللتذكير، وعلى سبيل المثال لا الحصر، فإن البريطانيين هم من قرروا ومولوا مشروع نشر أبراج المراقبة على الحدود الشرقية للبنان، على رغم انتفاء الخطر الأمني من الجهتين الشرقية والشمالية، في سياق محاولة لتأبيد العداء بين لبنان وسوريا، والسعي إلى جعل السيطرة على الحدود «أممية» الطابع، ربطاً بالمدى الاستراتيجي للمقاومة في سوريا. ويسعى البريطانيون إلى تحصيل نفوذ كبير داخل الجيش، في إطار سعيهم إلى تغيير عقيدته القتالية مستقبلاً. ويوم 4 تشرين الأول 2018، أعلن السفير البريطاني كريس رامبلينغ أن بريطانيا أتمّت تدريب 10 آلاف جندي لبناني، قائلاً إنهم يشكلون «ثلث القوة المقاتلة في الجيش». واللافت أنه سمح لنفسه بإعلان هذا الرقم الذي لا تعلنه المؤسسة العسكرية. كما أن رجال الاستخبارات البريطانية يتولون إنشاء فرع لـ«إدارة المصادر البشرية» (تجنيد المخبرين وإدارة عملهم) في استخبارات الجيش، وهو سيصبح مستقبلاً الفرع الأكثر أهمية في المديرية. ويتولى ضباط بريطانيون وضع هيكليته وتدريب ضباطه وعناصره... وهذا غيض من فيض العمل الآخر المستمر على بناء منظمات تعمل باسم «المجتمع المدني» وتنتشر كالفطريات في جسم لبنان...
أيها المغفلون، تذكروا جيداً: لم تطل إقامة مستعمر في لبنان، ولم يخرج جيش غاز إلا وسبقته النعوش!
* ابراهيم الأمين/ الأخبار