فالحرب الناعمة بين أجهزة الاستخبارات اللبنانية وتلك "الاسرائيلية" تنشط منذ فترة نتيجة التطّور الأمني السريع الذي شهده لبنان في خلال السنوات الأخيرة.
أسفرت عملية سريّة لمديرية المخابرات في الجيش اللبناني عن القاء القبض على أحد العملاء المجنّدين للموساد على الأراضي اللبنانية ويدعى "حسين بتو"، وذلك في مدينة صيدا، وقد ضبط لديه عدد كبير من الأجهزة الالكترونيّة التي زوّده بها جهاز الموساد.
بتو هو أحد الناشطين مع جهاز مخابرات العدوّ منذ سنة 2014. بدأت مخابرات الجيش اللبناني بعملية رصده بعد محاولة الاغتيال الفاشلة للقيادي في حركة حماس محمد حمدان التي نفّذها الموساد "الاسرائيلي" في صيدا منذ حوالي السنة بتاريخ 21 كانون الثاني 2018. يومها فشل "الاسرائيليون" في قتل حمدان الذي انفجرت سيارته قبل أن يدخل اليها. وفي فترة زمنية سريعة تمكّنت شعبة المعلومات من القاء القبض على العميلين اللبنانيّين العضوين في الخلية المنفّذة، وهما محمد الحجّار ومحمد بيتية. وتمكّنت الشعبة من تحديد هوية "ضابطين" من جهاز الموساد كانا دخلا الاراضي اللبنانية ولكنهما غادرا فور حصول التفجير وقبل انكشاف أمرهما.
يومها كان هناك من قام بعمليات الاستطلاع والرّصد لحمدان قبل تكليف ضابطَي الموساد ومعاونيهما من اللبنانيين بتنفيذ العملية. هذا الشخص كان حسين بتو الذي عمل مع الموساد بشكل منفرد من دون أن يكون له ارتباط بالخلية المنفذة، وهذا الاسلوب الاستخباراتي لطالما اعتمده الموساد في تنفيذ العمليات، حيث ينشط العملاء بشكل منفرد منفصلين عن بعضهم وأحياناً من دون معرفة الهدف الاساسي الذي يكمن خلف المهمات المكلفين بها.
استمرّت مخابرات الجيش في رصد الهدف الذي مهّد لمحاولة تصفية حمدان الى أن حددّت هويته. فالرجل أخفى أي دليل كان من الممكن أن يقود المخابرات اليه بعد محاولة الاغتيال الفاشلة. ولكنه، كما ضبّاط الموساد، غادر لبنان في تاريخ 23 كانون الثاني 2018 بعد أن أمره مشغّلوه بذلك. فغاب مدّة ثلاثة أشهر وعاد الى لبنان بناءً على طلبهم.
في الأساس كان حسين بتو هو من كلّف بتجميع المعلومات عن حمدان منذ صيف 2017، فحدّد مكان اقامته ورصد جميع تحركاته والأماكن التي يتردد اليها والسيارات التي يستعملها ونقلها الى مشغّليه. مع العلم بأن محمد بيتية، الذي ألقي القبض عليه بعيد محاولة اغتيال حمدان، كان اعترف بأنّه من اوكل بمراقبة حمدان واستأجر مستودعاً قريباً من منزله في صيدا آنذاك ليراقبه عن كثب. ولكنّ الموساد كما يبدو لا يثق بعميلٍ واحد، وهذا ما يتبّين بعد أن اعترف عند المخابرات بأنه هو من أوكلت له هذه المهمة من دون أن يكون له علم بمن هو محمد حجار او ما هي المهمة المكلّف بها .
وتمّ التواصل مع بتو، في البداية، عبر "فيسبوك" ثم طلبوا منه ملاقاتهم خارج البلاد. فسافر عبر جواز سفره التركي الى جورجيا والتقى بالموساد هناك. أبلغه الجهاز "الاسرائيلي" بأنّه جهاز امني يعمل لصالح حلف شمال الأطلسي ويريده أن يتعاون معه ضدّ حزب الله. فتمّ تكليفه باختراق سنترالات اوجيرو واستلم منهم مبلغاً ماليّاً يبلغ نحو ٧٥٠٠ يورو وملفاً لتصوير طرقات ورصد أبنية وتصويرها. ثم عاد والتقى بمشغليه في اسطنبول وتمّ تدريبه على استعمال الأجهزة الإلكترونية التي زوّدوه بها. بعد فترة على تجنيده قام بإرسال خرائط تتعلق بشبكات الاتصالات اللبنانية الثّابتة والخليوية.