تحيّد التطورات في الشرق السوري الاهتمام عن باقي تفاصيل المشهد، فيما ينتظر العالم إعلان «نهاية الخلافة» بتوقيع الرئيس الأميركي، دونالد ترامب. هذا الإعلان المنتظر بات شرطاً ميدانياً لازماً لإطلاق عملية الانسحاب الأميركي المرتقبة، التي يسوّق لها مسؤولو «البنتاغون» أنها ستبدأ خلال «أسابيع أو أيام ربّما»، من دون أن تظهر ــ حتى الآن ــ أي تفاهمات واضحة بين واشنطن وأنقرة حول مصير شرقيّ الفرات. وهو ما قاله قائد القيادة العسكرية المركزية الأميركية، جوزيف فوتيل، من دون إغفال ربط الجدول الزمني للانسحاب بالتطورات على الأرض. وبينما أشار فوتيل، خلال حديث نقلته وكالة «رويترز»، إلى أن «نقل الأفراد أسهل من نقل العتاد، لذا ما نحاول فعله الآن هو نقل هذه المواد... هذا العتاد الذي لا نحتاجه»، تشير المعلومات المتوافرة إلى أن القوات الأميركية بدأت نقل بعض المعدات العسكرية من شمال شرق سوريا إلى العراق، ووصلت الدفعة الثانية (خلال الشهر الجاري) من المعدات قبل أيام إلى قاعدة عين الأسد العراقية.
ولم تعكس التطورات في بلدات وادي الفرات التي يسيطر عليها «داعش» ما أُعلن عن «المعركة النهائية» لإنهاء «آخر معاقل الخلافة»، عدا قصف «التحالف الدولي» الجوي الذي استمر في حصد أرواح المدنيين مع عناصر التنظيم. وعلى خلاف ما جرى من معارك على الأرض السورية، تركزت تغطية وسائل الإعلام المرافقة لقوات «التحالف» على عناصر «داعش» وعائلاتهم الخارجين نحو مناطق سيطرة «قوات سوريا الديموقراطية»، من دون التركيز على الضحايا المدنيين داخل الجيب أو النازحين الفاقدين لأهم المواد الإغاثية الأساسية في المخيمات بين ريفَي دير الزور والحسكة. وفي مقابل القصف الجوي المتقطع، أعلن «داعش» استهداف مقاتلين في «قوات سوريا الديموقراطية»، فيما تحدثت أنباء عن وجود مفاوضات لخروج عناصر التنظيم الباقين داخل الجيب من دون قتال، وهو ما لم تؤكده أي جهة رسمية.
الترقب لـ«هزيمة داعش»، والانتقال نحو مرحلة الانحساب الأميركي، لا يقابله تفاؤل تركي معلن بقرب التوصل إلى اتفاق شامل حول منبج و«المنطقة الآمنة». وبعد تصريحات تركية سابقة أشارت إلى «تسريع تنفيذ اتفاق منبج»، نقلت وكالة «الأناضول» التركية عن متحدث باسم حزب «العدالة والتنمية» قوله إن «المباحثات المثمرة مع ترامب لم تنعكس على المستويات الأدنى في إدارته»، مضيفاً أن «هواجس تركيا الأمنية مسألة غير قابلة للتأخير والمماطلة أو المساومة بأي شكل». الإشارة التركية المتكررة إلى عراقيل تشوب المحادثات التقنية مع واشنطن، يرافقها تشديد على أن أجواء التفاهمات مع «البيت الأبيض» إيجابية تماماً.
ولحين ترجمة هذا التناقض على الأرض، تحرص أنقرة على تكثيف محادثاتها مع الجانب الروسي، لضمان صيغة مدروسة للشمال السوري عقب الانسحاب الأميركي المفترض. فمن دون إعلان مسبق، حضر وزير الدفاع الروسي، سيرغي شويغو، إلى أنقرة أمس، بناءً على دعوة نظيره التركي، خلوصي أكار. وتركز البحث وفق المعلن على ملف إدلب، تحضيراً لقمة سوتشي المرتقبة بعد غد، بين رؤساء «الدول الضامنة» على مسار محادثات «أستانا». وعلى حدّ ما أفاد به بيان وزارة الدفاع التركية، فقد جرى التطرق إلى ملفي شرقيّ الفرات ومنبج، و«كان هناك تفاهم مشترك على معالجة مخاوف تركيا الأمنية النابعة من وجود منظمات إرهابية»، وجرى «التشديد على أهمية التعاون ضد جميع أنواع الإرهاب، ضمن إطار السلامة الإقليمية والسياسية لسوريا». كذلك، جرى خلال اللقاء «تقييم الأحداث الأخيرة على أساس مذكرتي التفاهم في أستانا وسوتشي». وأشار البيان إلى أنه «رغم كل الاستفزازات، جرى التأكيد لأهمية التعاون واستمراره بين وحدات الاستخبارات والدفاع... ونقاش الاحتياطات المتعلقة بضمان السلامة في منطقة نزع السلاح».