افتتح لبنان أمس أسبوعاً «استثنائياً»، لجهة الحركة الدبلوماسية التي بدأت تشهدها بيروت. فليست صدفة أن تتزامن زيارة الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيط مع زيارة وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف الى بيروت، قبل أن يصِلها المستشار في الديوان الملكي السعودي، نزار العلولا، المكلّف بإدارة الملف اللبناني.
وفيما لا يزال لبنان الرسمي يحاذر التجاوب مع العروض الإيرانية للمساعدة في مختلف المجالات، إذ يتذرع فريق لبناني بالعقوبات على ايران للوقوف في وجه أي تعاون، تصبّ زيارة ظريف في إطار سحب الذرائع من أيدي الرافضين لهذا التعاون. فظريف، وخلال لقاءاته بالمسؤولين اللبنانيين، اقترح آلية للعمل المشترك شبيهة بتلك القائمة بين ايران وعدد من الدول الأوروبية بالإضافة الى روسيا وتركيا والصين والهند وغيرها، بحيث تجنّب لبنان مخاطر العقوبات. والاهم من ذلك أن رئيس الدبلوماسية الإيرانية اقترح على المسؤولين اللبنانيين إجراء تعاملات تجارية بالعملة الوطنية، أي بالليرة اللبنانية! هذا الاقتراح الشديد الاهمية يعني، بصورة واضحة، أن التذرع بالعقوبات الأميركية لم يعد كافياً لتبرير عدم فتح آفاق جديدة امام الاقتصاد اللبناني. وبطبيعة الحال، فإن الدولة الإيرانية تريد تحقيق مصلحتها في أي تبادل تجاري مع لبنان، رغم صغر السوق اللبنانية. لكن المهم في الامر أن هذا الاقتراح يحقق مصلحة لبنانية كبرى، يكاد ينتفي معها وجود أي سلبية. ففتح باب الاستيراد بالليرة اللبنانية يؤدي، بالدرجة الاولى، إلى تعزيز قوة هذه العملة، وبالدرجة الثانية، يخفف العبء عن ميزان المدفوعات (الفارق بين العملة الصعبة التي تدخل لبنان وتلك التي تخرج منه ـــ وبدرجة أولى نتيجة تمويل الاستيراد). فلبنان الذي يستورد بنحو 20 مليار دولار سنوياً، بات، نتيجة عدم قدرته على التصدير بأكثر من 3.5 مليارات دولار، مدمناً على التحويلات من الخارج، لتمويل استيراده والحفاظ على سعر الصرف. كذلك فإن باب الاستيراد بالليرة يفتح باباً آخر، وهو التصدير، بسهولة، إلى إيران ذات السوق الكبير. وسبق لروسيا أيضاً أن اقترحت على لبنان تسديد ثمن مشتريات منها بالليرة اللبنانية، لتجنّب العقوبات. لكن الدولة اللبنانية لم تقْدِم حتى اليوم على أي خطوة من شأنها رفع مستوى التبادل التجاري مع دولتين قادرتين على خفض فاتورة الاستيراد بالعملة الصعبة، وتخفيف حدة الازمة المالية والاقتصادية التي يرزح تحتها لبنان (في مجال المحروقات وحده، يستورد لبنان بنحو 5 مليارات دولار، علماً بأن روسيا وإيران من كبار مصدّري النفط والغاز في العالم، وأن الاستيراد بالعملية المحلية كفيل بسد عجز ميزان المدفوعات).
فور وصوله الى بيروت، التقى ظريف في مقر السفارة الإيرانية وفوداً وقادة من تنظيمات فلسطينية بينها «الجهاد الاسلامي» ومن أحزاب لبنانية. ثم جال على الرؤساء الثلاثة بالإضافة الى وزير الخارجية جبران باسيل، والأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرلله، قبل أن يشارك في الاحتفال الذي أقيم في فندق فينيسيا، لمناسبة 40 عاماً على الثورة الإيرانية.
وقد أبلغ ظريف المسؤولين بأن «إيران مستعدّة للتعاون في جميع المجالات، ونحن لا نريد إحراج لبنان في أي أمر، لا داخلياً ولا إقليمياً ولا دولياً»، مؤكدّاً «تفهمنا لحساسية الأوضاع والتوازنات في لبنان». وقال ظريف للمسؤولين اللبنانيين: «يمكنكم أن تختاروا أي مجال لنتعاون فيه، وإذا كنتم لا تريدون التعاون، فنحن نتفهّم قراركم». وأكد وزير الخارجية الإيراني أن «القوانين والقرارات الدولية لا تمنع أي دولة من التعاون مع ايران»، بل على العكس من ذلك، «هناك قرارات صادرة عن مجلس الأمن الدولي تشجّع على التعاون التجاري والإقتصادي». أما الأهم في كلام ظريف فهو تأكيد أنه «يُمكن التعامل مع ايران تجارياً بالعملة الوطنية تماماً كما يجري مع تركيا وروسيا ودول أخرى، وهو أمر له ايجابياته لأنه يعزز العملة الوطنية ويرفع من مستوى الثقة بها».
وكان ظريف قد ثمّن عالياً الموقف اللبناني بما يخص مؤتمر وارسو. واعتبر أن «علينا أن نعمل لتأمين العودة السريعة والآمنة في آن واحد للنازحين الى وطنهم»، مشيراً إلى «اننا نؤكد الكلام الدقيق والقيم لباسيل حول آخر التطورات المتعلقة بالأزمة السورية، ونعمل على مساعدة لبنان في إنهاء أزمة النازحين».