ولطالما تباهت امريكا ايضا، بسياساتها وقراراتها على الصعيدين الداخلي والخارجي، والتي “لم تخطيء” أبدا، وفقا للرواية الأمريكية، لأنها مبنية معلومات ومعطيات، في غاية الدقة، وفرتها هذه الأجهزة لقادة أمريكا، سياسيين وعسكريين.
هذه الصورة التي تقترب من الأسطورة، المرسومة للاجهزة الامنية الامريكية على مدى عقود طويلة، تحولت الى اضحوكة على مستوى العالم أجمع، خلال عامين فقط من رئاسة دونالد ترامب، للادارة الامريكية، فكل تقارير ومعلومات هذه الأجهزة الأمنية، والتي تكلف الخزينة الامريكية مليارات الدولارات، تنتقل الى البيت الابيض ومن هناك الى سلة المهملات، دون أن تؤثر في السياسة الطائشة وغير المسؤولة لترامب والفريق الذي يحيط به.
اذا ما مررنا مرور الكرام أمام تجاهل ترامب للمعلومات التي قدمتها وكالة الاستخبارات الامريكية السي اي ايه، عن تورط ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، في قتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي، بل حتى تخطئة وتشكيك ترامب لهذه المعلومات، على اعتبار ان المصالح الاقتصادية لترامب مع بن سلمان، تجعله يغض الطرف عن القاتل، ترى ماذا يمكن أن يقول ترامب، بعد تأكيد مديرة وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، جينا هاسبل، يوم الثلاثاء 29 كانون الثاني يناير وأمام لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ، على أن إيران مازالت ملتزمة بشروط الاتفاق الاتفاق النووي الذي وقعته امريكا الى جانب القوى الخمس الكبرى في العالم مع ايران عام 2015، رغم انسحاب ترامب منه؟
ترامب الى جانب بولتون وبومبيو، ما انفكوا يكررون تصريحاتهم حول عدم التزام إيران بالاتفاق النووي، وان ايران تكذب على المجتمع الدولي، وان ايران تخفي جوانب من برنامجها النووي وو..، ولكن لا ندري من اين تلقى هذا الثلاثي المتطرف الأهوج هذه المعلومات عن إيران؟ أليست السي اي ايه هي الجهة الوحيدة التي تغذي البيت الأبيض بالمعلومات؟ فإذا كانت تقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، والتي تجاوزت 12 تقريرا منذ التوقيع على الاتفاق، والتي أكدت جميعها على التزام إيران بالاتفاق، لا تعني شيئا لهذا الثلاثي المتطرف، ماذا عن المعلومات التي تقدمها السي اي ايه، وهي معلومات تكلف الخزينة الامريكية أموالا طائلة؟
المشهد الترامبي المضحك، لا ينتهي بهذه المهزلة، ففي نفس اليوم، الثلاثاء 29 كانون الثاني- يناير، كان دان كوتس مدير المخابرات الوطنية وخلال شهادة أمام لجنة الاستخبارات بمجلس الشيوخ، يقدم معلومات تتناقض بالمرة مع سياسة مواقف ترامب ورفيقيه بالرعونة، بولتون وبومبيو، حيث أكد على عدم تخلي كوريا الشمالية عن قدراتها في مجال الأسلحة النووية، وأن بيونغ يانغ ستسعى للاحتفاظ بأسلحة الدمار الشامل، لأن زعماءها يعتبرون في نهاية الأمر الأسلحة النووية مهمة لبقاء النظام ، هذا وبينما يطبل ترامب ورفيقاه ليل نهار على وتر التفاؤل، وأنهم لمسوا، ولا ندري كيف؟ رغبة لدى الجانب الكوري، بالتخلي عن سلاحه النووي.
ولم ينته المشهد المضحك والفاضح للعلاقة بين وكالات أمريكا الاستخبارية وبين رئيس المهرجين ترامب بعد، فدان كوتس اعلن في تلك الجلسة، أن “داعش” لا تزال تمتلك آلاف المقاتلين مما يجعلها قادرة على تشكيل تهديد قوي في منطقة الشرق الأوسط وغيرها ،رغم ان ترامب أعلن مرارا وتكرارا انه قضى على “داعش” نهائيا، وأنه أمر بسحب قواته من سوريا!
رغم أننا، مثلنا مثل باقي ابناء منطقة الشرق الأوسط، نتمنى ان يخرج كل الجنود الأمريكيين من منطقتنا اليوم قبل الغد، لانهم، الى جانب الكيان الصهيوني، السبب الاول والاخير يعود لكل ما تعانيه المنطقة من كوارث وحروب وأزمات، إلا أننا نتناول الموضوع من زاوية المراقب الامريكي، ترى ما فائدة هذه الوكالات، ولتقاريرها ومعلوماتها، عندما تتحول الى قصاصات ورق لا قيمة لها، وعندما لا تؤثر في قرارات ترامب وفريقه المتطرف، المسحور بنتنياهو واليمين الأمريكي المتصهين؟
لهذه الاسباب وغيرها ، تدنت شعبية ترامب إلى الحضيض، فآخر استطلاع للرأي الذي أجرته صحيفة واشنطن بوست وقناة “إي بي إس نيوز”، قبل يوم واحد من شهادتي هاسبل وكوتس، اي يوم الاثنين 28 كانون الثاني يناير ، كشف عن ان 64 بالمائة من الأمريكيين لا يثقون بترامب من حيث اتخاذ القرارات، وأن 48% من الأميركيين ليس لديهم ثقة “على الإطلاق” به، كما تراجعت شعبيته الى مستويات متدنية، حيث أظهر الاستطلاع ان 59 بالمائة من الأمريكيين يرون ان ترامب شخصا غير مرغوب به.
الملفت ان ترامب ورغم كل ذلك، ما زال يرى انه افضل رئيس امريكي، وانه اكثر رئيس امريكي شعبية، وان أمريكا لم تر في تاريخها رئيسا بذكائه وفطنته، ولم يقدم اي رئيس امريكي من خدمات، كما قدمها هو خلال العامين الماضين!