مما يلفت الأنظار ، كلمة النبي(ص) الشهيرة التي كرّس فيها ابنته الزهراء سيدةً لنساء العالمين، أو نساء المؤمنين أو نساء أهل الجنة، على اختلاف الرواية في ذلك، مع أنّه لا منافاة بين الروايات، فسيدة نساء المؤمنين هي سيدة نساء العالمين، وهي بطبيعة الحال ستكون سيدة نساء أهل الجنة. والحق يقال: إنّ هذا الوسام هو أعلى وسام يمنحه الرسول (ص) لإمرأة، وتلك الكلمة هي أعظم كلمةٍ يقولها (ص) في حق امرأة من النساء، فسيادة نساء العالمين، ليست أمراً بسيطاً أو عادياً، ولا سيما عندما يطلقها النبي (ص) وهو الذي لا يلقي الكلام على عواهنه، ولا ينطلق في ذلك من موقع عاطفة أو عصبية، ولا يعطي الألقاب جزافاً ولا يمنحها لغير أهلها ..
إنّ تكريس فاطمة(ع) سيّدةً لنساء العالمين يعني أنّها اختزنت في شخصيتها من عناصر الكمال الروحي والأخلاقي ما جعلها قدوة وسيّدة نساء العالمين، وهذا الأمر يحمّل كافة المسلمين من أتباع رسول الله (ص) والأوفياء لنهجه مسؤوليّة كبيرة في العمل على اكتشاف فاطمة(ع) ومعالم القدوة في شخصيتها، ومن ثمّ التعريف بشخصيتها الرساليّة للعالمين جميعاً، وذلك من خلال الأساليب التي يفهمها الجيل المعاصر، وتؤثر فيه؛ لأنّنا على يقين بأنّ من تكون سيدة نساء العالمين بتعيين رسول الله (ص)، لا تكون مجرد امرأة عادية، بل لا بدّ من أن تكون امرأة ملهمة ومعلّمة ومؤدبة ومثلاً أعلى يحتذى به على مرّ العصور. والسؤال الذي يطرح نفسه: إذن لماذا لا نعرف الكثير عن فاطمة؟ ولماذا يجهل الكثيرون حقيقتها ومعالم شخصيتها؟ ولماذا لم يهتم كتبة التاريخ بالإضاءة بما فيه الكفاية على مواقفها وكلماتها وخصائص شخصيتها؟ ولماذا يحرص البعض - في المقابل - على أن يحوطها
من الأسرار والغيبيات التي تبعدها عن حياة الناس وواقعهم، ويجعلها مجرد أيقونة يقدّسها وليس نموذجاً يحتذى، أو أن يحبسها في أسر المظلومية التي تعرضّت لها بعد رحيل والدها رسول الله (ص)؟! إننا لا ننكر أن فاطمة امرأة ذات قدسية خاصة، وأنّها تعرّضت للكثير من المظالم بعد رحيل والدها رسول الله (ص)، بيد أنّ ذلك لا يجب أن ينسينا سائر مواقفها والصفحات المشرقة في كتابها الكبير.
والواقع أنّ التعامل الغيبي مع شخصيّة فاطمة الزهراء (ع) سيشكّل عائقاً ليس أمام الاقتداء بها فحسب، بل وعائقاً أمام فهم شخصيتها وهو ما يعدّ إحدى مظاهر المظلومية التي لا تزال تتعرض لها ابنة محمد (ص) بأن تكون مجهولة إلى هذا الحدّ.
لكن ورغم الحصار الذي تعرضت له سيدة النساء(ع)، فقد بلغنا عنها (ع) شيءٌ من عطائها الفكري والرسالي، وهو وإن كان عطاءً يسيراً ولكنّه عظيم الفائدة، وكفيل بأن يملأ الخافقين بالهدى والنور، لو أحسنا تمثله وتظهيره، ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكارهون.
المصدر:موقع الكاتب