وهم التجديد!

الجمعة 11 يناير 2019 - 09:20 بتوقيت مكة
وهم التجديد!

مقالات _ الكوثر: (القسم الثاني) أعود الى كتاب الأستاذ ماجد الغرباوي (حوارات عقدية ساخنة) أو الذي يمكنني ان أسميه بعاصفة أو تسونامي ماجد الغرباوي، ضد كل شيء.. سخط لا يشابهه إلا سخط إبن خالته (أو عمته) الأستاذ غالب الشابندر في كتابه (هكذا خسرت حياتي)..

ولي أن أسجل على كتاب الغرباوي بعض النقاط التالية:

1. الاشكال المنهجي هو ان الاستاذ ماجد لم يعرفنا بمنهجيته في النقد.. مرة تراه علمانيا وأخرى سلفيا تيميا وثالثة قرآنيا ورابعة مصلحا شيعيا ولو بنكهة متطرفة وخامسة.... هو أسبه بمن يمسك معولا ليهدم ما يعتقد أنه قديم فلا فرق عنده بين حائط وشباك وشجرة أو مخزن قديم... 

2. الكتاب يخلوا من مناقشة جادة والحوار مسرحي على طريقة الأمالي، ولا أدري لماذا تذكرت معه أمالي السيد طالب الرفاعي!!

 3. ينطلق الأستاذ ماجد من إشكاليات فكرية وتاريخية مهمة تستحق الوقوف عندها والتأمل فيها، إشكاليات ليست من إكتشافه طبعا، بل هي مطروحة من قبل أكثر من واحد، واحيانا على لسان معارضي المذهب.. هو يؤسر عليها وللاسف يستغلها في نوع من الدعاية (البروباغندا)، اي انه يطرح إشكالية النخبوية ويجيب عليها بطريقة إعلامية أو سطحية لا يبررها حوارية الطرح.

أكثر من هذا تراه أحيانا لا يقدم حلا للاشكالية ويتركها على عواهنها، على طريقة مجدد سابق في فتاواه المستحدثة! لانه لا يملك إجابة عليها أو يخاف من المضي والاسترسال كثيرا في إجاباته!!!


4. رؤيته لحكومة العدل وقضية المنقذ وآخر الزمان سطحية بسيطة، لا تنسجم مع الرؤية القرانية والحديثية التي تجمع عليها الأمة ولا تتعارض مع القرآن، وايصا مع الكتب والأديان السماوية الأخرى... بل تبتعد في منطقيتها حتى مع ما قال به اعلام الفكر الوضعي من كمون شيوعي وآخر زمان ليبرالي ومجتمع آنارشيستي وجودي أو إشتراكي و...الخ.

بل ولا مع عقليته النقدية هو، المشكلة أنه يرد على أصل الأفكار ويرفضها بمناقشة تفاصيلها وتراكماتها المختلف عليها تاريخيا!!!


5. أما افتتانه بالغرب الى  هذا الحد، فهو ما جعلني أستغرب، لأنه يشعرك أنك أمام شخص فقد قدرته على النقد ورؤية العمق، شخص يشعر مع هذا الغرب بعدم الحاجة الى ظهور القائم (عجل الله تعالى فرجه) اي انه فتح عين على الغرب واغمض أخرى:

وعين الرضا عن كل عيب كليلة//// ولكن عين السخط تبدي المساوئا

شيء غريب فاق به أهل الغرب أنفسهم، وان كان هو يرى نفسه غربيا الآن ولكن أصوله عراقية!
 

لا أدري هل حقق الغرب حلم البشرية أم لا؟؟ لأني لم أعش في الغرب وألامس يوميات أهله، ولم أتجول فيه إلا من خلال الميديا والنت، لكنني ونظرا لما جمعته من صورة متعددة المصادر والتوجهات، أشك بذلك، لأنه في مثل هذه الحالة لا يبقى سبب لكل تلك المشاكل العنصرية والأمراض النفسية التي يعاني منها الغرب اليوم.. وفي انتخاب الأميركيين لترامب خير دليل!!

ولم يفصل لنا الأستاذ ماجد هل هذا السلوك الحضاري - العادل الغربي يستند الى فكر وعقيدة، أم أنه مجرد ممارسة مقننة تنتهي بخروج الانسان الغربي من إطار جغرافيته، ليتحول الى وحش في الممالك الأخرى يصل الى حد التبول على جثث قتلاه والتقاط الصور التذكارية مع المعذبين وهم عراة!


ثم ان فكرة المنقذ مع اختلاف صياغاتها بين السماء والوضع، نجدها في الأفكار الوضعية ايضا، ولماذا يستكثرها الأستاذ ماجد على الشيعة خاصة واختلافها مع الآخرين (السنة بالتحديد) في ولادة القائم وعدم ولادته، وهي قضية ليست معضلة علميا ودينيا.. واظنك تؤمن بالخضر وتؤمن بالمسيح عليهما السلام، وقرأت خبر الجساسة في كتب الصحاح...

أما في ما يتعلق من مخلص (مع قبولنا بتقارب الفكرتين بين المسيحية والإسلام الشيعي وليس تطابقهما) فلو بحثنا الأمر من جانب الشفاعة، ربما وجدنا له بعض التأويلات.

6. ينتهي الاستاذ ماجد من خلال نقد الممارسات الطقوسية الخاطئة التي ندينها ونستهجنها جميعا وإشكالات اداء المؤسسة الدينية في ذلك وبعض التبذير الذي يقع في المأكل بزيارة الأربعين الى القول بان الميت لا يضر ولا ينفع نبيا كان واماما أو شخصا عاديا...

وهذه اسوء قراءة وقياس منطقي سمعت به في حياتي، لانه يقدم شيء ليستنتج شيئا آخر.. ولان هذه الرؤيا تقطع صلة الإنسان بالعالم من خلال انتقاله من دار الى اخرى ويضع الانسان في "حجر صحي" خلال فتره البرزخ، ولا فرق عنده بين الانبياء والشهداء والمجرمين في ذلك، اي أنه يخالف بذلك حتى نص القران.


أترك إنكاره لولادة الامام صاحب الزمان (عجل الله فرجه) الذي كان يقول وهو في قم (مرة كان يتحدث معي وله ان ينكر ذلك) انا اؤمن بولادته فقط لا اكثر ولا اقل.

واترك الهجوم على المؤسسة التي تخرج هو منها وعاش فيها ومارس بعض سلوكياتها..

نعم أترك ذلك كله والإشكال الاساس هو:

7. الاسلوب الدعائي في اثبات القضايا العلمية والخلط بين الواقع السياسي الفاشل والفساد الاداري وتحجر بعض التيارات الدينية لاثبات قضية فلسفية او مناقشة مسألة عقدية!!

مستهدفا عقول الشباب وانصاف المتعلمين والمهوسين مع الموجة العلمانية الليبرالية التي تضرب الشرق الأوسط هذه الأيام، دون ان يدركوا عمقها ومن يمسك بالخيوط التي تحركها والأهداف والأجندات التي تقف وراءها...


علما ان الدعاية في كتاب الاستاذ ماجد تنقسم الى ثلاثة أقسام:

اولا- الدعاية للاستنتاج بغض النظر عن صلاح أو فساد المقدمات.

ثانيا- الدعاية ضد الفكر المقابل باللجوء غالبا الى سلوكيات بعض القائلين به.

ثالثا- دعاية للذات وهذه آفة أصابت كثيرين من دعاة التجديد والاصلاح.


صديقي العزيز الأستاذ ماجد - حفظه الله ورعاه - ومن خلالك وأخاطب جميع الأساتذة والأفاضل الذين يرفعون علم التجديد ويطلقون شعاراته، ان القطيعة والانقلاب والتدمير يختلف كثيرا مع التجديد.. التجديد لا يتم على يد أناس ناقمين على تاريخهم وتراثهم ومجتمعاتهم، بل يحتاج الى روح تمسك بيد هذا الميت لترتقي به مع الاحياء...

لا أريد التقليل من مجهوداتكم والاعمال بالنيات ولكل امرئ مانوى، لكني أعتقد أن تهذيب دعواتكم التجديدية وتجديدها هي، سيكون له أكبر الأثر في رفع مستوى الفكر والسلوك في مجتمعاتنا وعلى جميع الصد وفي كل المجالات: المعرفية والدينية والاخلاقية والسياسية والعقدية، بما يؤمن السكينة للانسان - المخاطب، والتي اعتبرها شخصيا أسمى ما جاء به الفكر الديني ويترتب على الفضائل الاخلاقية وينتج عن الممارسات العبادية... هذا الاطمئنان والهدوء والسكينة التي يفتقدها كثير من النخب اليوم.
انني أتعامل بايجابية حتى مع مقوله ماركس وأفهمها بالنحو التالي خلافا للفهم السياسي والحزبي المطروح: ان الدين يقلل آلام الحياة والشعوب من خلال النظر الى المعاناة بنحو أوسع وفضاء أرحب ومن خلال الاتكال الايجابي على الله وترك بعض القضايا بيد الغيب.

بقلم: علاء الرضائي

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

الجمعة 11 يناير 2019 - 09:12 بتوقيت مكة