نفط خام برينت، الذي يعتمد عليه كمعيار لحساب أسعار النفط في السوق، ارتفع لفترة وجيزة في تشرين الاول ليصل الى 85 دولاراً للبرميل، ما لبث أن استمر سعره بالتدهور منذ ذلك الحين ليصل الى أقل من 55 دولاراً للبرميل، وهذا يعتبر بمثابة كابوس بالنسبة لدولة مثل العراق تشكل عوائد مبيعاتها من صادرات النفط نسبة 95% من أصل ميزانيتها الوطنية .
مسودة مشروع قانون الميزانية تقدر بـ 111.9 مليار دولار أرسلت الى البرلمان في تشرين الاول واعتمد في حسابها معدل صادرات نفط خام تقدربـ 3.8 مليون برميل باليوم وبسعر 56 دولارا للبرميل. مشروع القانون الذي يتضمن زيادة بنسبة 23% في النفقات سيخلف عجزاً بقيمة 22.8 مليار دولار .
كل هذا يحصل ولم يتم بعد حتى البحث في التحدي الهائل أمام جهود إعادة الإعمار بعد سنوات من الحرب. واستناداً إلى الامم المتحدة فإنه ما يزال هناك 1.8 مليون شخص لم يتسنّ لهم الرجوع الى بيوتهم، حيث تقبع الموصل ثاني أكبر مدن العراق تحت وطأة الدمار والخراب في الأبنية والبنى التحتية كما هو الحال مع مدن وقرى كثيرة أخرى كانت مرة خاضعة لحكم داعش .
وزارة التخطيط العراقية تقدر حاجة البلاد لما يقرب من 88 مليار دولار لتنفيذ مشاريع إعادة الإعمار. في شباط من العام الماضي تعهد مانحون في مؤتمر الكويت لإعادة إعمار العراق بتقديم مساعدات بقيمة تقارب 30 مليار دولار على شكل قروض واستثمارات لسد جزء من متطلبات فاتورة إعادة الإعمار، ولكن لم يتحقق أي تقدم في موضوع تنفيذ التعهدات .
في هذه الاثناء وفي مدينة البصرة البعيدة عن الدمار الحاصل جراء المعارك مع داعش فإن الاحتجاجات قد اندلعت فيها خلال الاشهر الاخيرة ضد البطالة وانعدام الخدمات العامة. انقطاعات التيار الكهربائي المستمرة تعتبر مشكلة عاشتها البلاد منذ الغزو الاميركي للبلد عام 2003 وبضمنها البصرة مضافاً إليها عدم توافر مياه صالحة للشرب فيها .
عضو البرلمان حنين القدو، قال في حديث للاسوشييتدبرس “لقد تفاجأنا بتدهور أسعار النفط ووقعنا بمشكلة كبيرة. الحكومة في وضع لا تحسد عليه .”
وانتخب العراقيون برلماناً جديداً، اختار بدوره حكومة جديدة في وقت سابق من عام 2018 تهيمن عليها نفس الاحزاب السياسية المتخاصمة التي حكمت البلاد على مدى 15 عاما.
البرلمانيون رفضوا مشروع قانون الميزانية ودعوا لإعداد مشروع قانون جديد يعتمد على تقديرات أقل لأسعار النفط وتخصيص تمويلات أكثر للاستثمارات العامة .
يقول القدو، إنهم قد لا يتمكنون من المصادقة على ميزانية جديدة لحد فترة ما تقع ضمن الربع الاول من السنة الجديدة. وإلى ذلك الوقت بإمكان الحكومة فقط صرف جزء واحد من 12، من معدل ميزانية العام الماضي المخصصة لكل شهر .
بينما كان الاهتمام الدولي ينصبّ على حالات الدمار في مناطق شمال وغرب العراق والاحتجاجات الدائرة في الجنوب، فإن أزمة الميزانية كان لها وقع كبير أيضا على العراقيين المقيمين في مناطق أكثر استقراراً. فقد تعطلت مشاريع الإعمار عبر مناطق محافظة بغداد على مدى سنوات حيث تحولت هياكل بنايات لم تكتمل بعد الى مكب للنفايات في قسم من أحياء بغداد .كاظم نعمة خضير، صاحب شركة مقاولات استثمارية، وقع في العام 2014 عقودا مع الحكومة لبناء أربع مدارس بقيمة 5 ملايين دولار بحلول العام القادم اكتمل بناء ثلاث مدارس بنسبة 80%، ولكن مخصصات الميزانية العامة تقلصت مع شن الحكومة حربا مكلفة ضد داعش . لم يكتمل إعمار أي من المدارس الاربع، ووقع المستثمر بديون طائلة أجبرته على تسريح أكثر من 500 عامل وبيع بيوت تابعة للعائلة وسيارات .
وقال المستثمر خضير “لا أريد اي فائدة الآن، أنا أريد فقط إعادة راس مالي، بقيت اعاني طوال السنوات الثلاث الماضية. الناس يطرقون باب بيتي للسؤال عن اموالهم .”
سامي الاعرجي، رئيس الهيئة الوطنية للاستثمار، قال خلال مؤتمر اقتصادي عقد في كانون الاول الماضي ان مئات من المشاريع تقدر بحدود 54 مليار دولار قد تم إرجاؤها. ودعا الى تنويع مصادر الاقتصاد في البلاد لتعزيز الاستثمار وتقليل اعتماد البلاد على النفط .وقال الأعرجي “علينا ان نفكر بكل البدائل. لدى البلاد فرص واعدة .”
جهود تنويع مصادر الاقتصاد أحبطت عبر تخاصمات سياسية وفساد مستشرٍ نخر البلاد منذ العام 2003 مولدا دوامات من حروب وعدم استقرار اضرت بالبلاد .يقول خضير “مصيرنا مرتبط بالنفط. عندما تهبط أسعار النفط ضغط دمنا يزداد .”