كما بدأ تأثير هذا الأمر يتغلغل بين صفوف جنود الاحتلال لتخرج دراسات جديدة توضح انتشار ظاهرة جديدة تمثلت في تراجع نسبة الشباب الإسرائيليّ المنخرطين بالوحدات القتاليّة، وتفضيلهم الخدمة في وحدات غير قتاليّة، ويبدو أن هذه الظاهرة في ارتفاعٍ مُستمرٍ، وأنّ الجيش لا يُمكنه فعل أي شيء.
المؤسسات الأمنية الإسرائيلية
هذا الوضع الذي مررنا عليه في المقدمة ظهر بشكل واضح في مطلع العام 2011 وفقاً لمصادر رفيعة جداً في المؤسسة الأمنيّة بتل أبيب والتي وجّهت انتقادات لاذعة جداً لقائد هيئة الأركان العامّة في الجيش الإسرائيليّ، الجنرال غادي آيزنكوت، علاوةً على ذلك، حذّرت المصادر عينها من أنّ هبوط المعنويات بشكلٍ خطيرٍ للغاية لدى الشباب الإسرائيليّ، الذي يتّم تجنيده للجيش ببلوغه الـ18 من عمره، وفق قانون التجنيد الإلزاميّ، هي المشكلة أوْ المعضلة الرئيسيّة والمفصليّة، التي يجب أنْ تؤرِق صنّاع القرار في كيان الاحتلال وتقُضّ مضاجعهم، مُشدّدّةً في الوقت عينه على أنّ علاج هبوط المعنويات بالخدمة في الجيش يُعتبر اليوم التحدّي المركزيّ الماثِل أمام "إسرائيل"، كما نقل مُراسِل الشؤون العسكريّة عن المصادر ذاتها في تل أبيب.
بالإضافة إلى ذلك، لفتت المصادر إلى أنّه في كلمات التلخيص لخطاب قائد الأركان آيزنكوت أول أمس في المركز المُتعدّد المجالات في هرتسليا تحدّث بشكلٍ واضحٍ عن خشيته العميقة من تراجع المعنويات ونكوص الروح القتاليّة في الجيش الإسرائيليّ، الأمر الذي يجِد تأكيداً له في انخفاض نسبة المُجنّدين للوحدات القتاليّة، بالإضافة إلى رفض الجنود مواصلة الخدمة في الجيش بعد انتهاء الفترة الإلزاميّة التي تستمّر ثلاثة أعوامٍ، إذْ إنّ نسبة الجنود الذين انخرطوا في الوحدات القتاليّة انخفض من 79 بالمئة إلى 67 بالمئة فقط.
كما أشارت المصادر إلى أنّ الضباط في الجيش يقومون بترك الجيش خلال فترةٍ قصيرةٍ، خلافاً للماضي، كاشفةً النقاب عن أنّه خلال الاجتماعات الدوريّة التي تجري في هيئة الأركان العامّة تُسمَع الصرخات من قبل جنرالات الجيش الذين يُحذّرون بشكلٍ سريٍّ عن خطورة الوضع في الجيش الإسرائيليّ، وفقاً لما أكّدته المصادر.
الأسباب والتداعيات
يمكننا العودة في هذا الحال الذي وصل إليه الجنود الإسرائيليون إلى حرب تموز 2006 وحرب غزة، فبعد حرب تموز اكتسب المقاومون في المنطقة روحاً معنوية وقتالية تكاد لا تصدق، إذ كان الشارع العربي برمته تواقاً لحصول مثل هذا الانتصار الذي حصل في هذه الحروب، والذي جعل المؤسسات العسكرية الإسرائيلية والأمنية تراجع حساباتها جيداً وتقدّم إغراءات وميّزات للجنود لكي لا يفروا من جبهات القتال، حيث غيّرت الحروب الأخيرة موازين القوى وجعلتها في مصلحة أصحاب الأرض، إذ يشكّل اليوم الجندي العربي المقاوم رعباً حقيقياً لا يمكن تجاهله من أحد وهذا ما كان بحاجته كل عربي حر.
على سبيل المثال وفي خطوة لافتة ونادرة تدُلّ على مدى الهلع والفزع والتوجّس في "إسرائيل" من الفلسطينيين، يقول زئيف عوديد مناحم، وهو أخصائيّ علم اجتماع تربويّ إسرائيلي إن القناة العاشرة في التلفزيون الإسرائيليّ عرضت تقريراً عن حياة عائلة يهودية أرجنتينية تسكن في مستوطنات غلاف غزة، وحين سألوا الطفل الذي يبلغ من العمر 10 سنوات: ممّ تخاف بشكلٍ عامٍّ؟ كان جوابه: أنْ يخرج عربي من النفق ويأخذني أثناء نومي، على حدّ تعبيره.
وتابع الاختصاصيّ في علم الاجتماع: لا ننسى الحياة في الملاجئ وصوت صفارات الإنذار وبكاء الأمهات حين الهرب إلى الملاجئ، كلّ هذه الصور تجعلنا نبدو ضعفاء أمام الجيل القادم في حين تتكّون صورة في اللاوعي عند هؤلاء الأطفال أنّ تنظيم حماس هو "عدو وحشيّ قويّ لا يرحم" وأننا مهزومون، مُشدّداً على أنّ هؤلاء الأطفال سيصبحون جنوداً بعد ثمانية سنوات وأنا أتساءل: أيّ جيلٍ هذا الذي سيُدافِع عن دولة "إسرائيل" وقد تربي على الرعب من أعدائنا؟، على حدّ وصفه.
فشل يتلوه فشل
حاول رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مؤخراً جذب الأنظار نحو "إسرائيل" وتحقيق نصر وهمي علّه يرفع الروح المعنوية للجنود الإسرائيليين وينقذه من ورطاته المتراكمة فيما يخصّ ملفات الفساد التي تلاحقه، وربما يستطيع تحريض المجتمع الدولي على إدانة "حزب الله" أو اتخاذ قرار جمعي ضد الحزب، كل هذا كان يريده نتنياهو من خلال عملية "درع الشمال" ومن سوء حظ نتنياهو أنه لم يصدقه أحد وأن هذه العملية تحوّلت درعاً لـ"حزب الله" وليس لـ "إسرائيل".
العملية كان هدفها تدمير أنفاق لـ"حزب الله" التي رأي فيها نتنياهو خطراً على كيان العدو لكن مصادر أمنية إسرائيلية ذكّرت نتنياهو بأن "إسرائيل" كانت على علمٍ بهذه الأنفاق منذ أربع سنواتٍ ولم تفعل شيئاً، وأضافت إنّ الوزير أفيغدور ليبرمان وزعيم حزب (يوجد مُستقبل)، النائب يائير لابيد، كانا على حقٍّ، عندما رفضا البدء بالعملية في الشمال على حساب أمن وأمان المُستوطنين فيما يُسّمى بمُستوطنات غلاف غزّة، كما كشفت النقاب بأنّ الأنفاق في الشمال، التابعة لحزب الله، وفق الرواية الإسرائيليّ، لم تصِل إلى درجة النُضج، كما هو حال الأنفاق في غزّة، وبالتالي من المُمكِن للجيش مُعالجة هذه المُشكلة في وقتٍ آخرٍ، ولكن على ما يبدو، فإنّ صُنّاع القرار في تل أبيب من المُستويين الأمنيّ والسياسيّ باتوا مُغرمين في زرع الذعر والهلع لدى المستوطنين الصهاينة، كما أكّدت المصادر للصحيفة العبريّة "يديعوت أحرنوت".