ولاشك الزيارة تضع الكثير من علامات الاستفهام حول طبيعة التواجد العسكري الأمريكي بعد الانتهاء من داعش والأهداف الحقيقية له وما يمكن ان تشكل هذه الزيارة من تهديد لأمن العراق الذي تحقق بفضل تضحيات ابنائه وتمثل جزء من الخطط التي اعدتها الولايات المتحدة للصراعات الدولية كما هي مع روسيا والصين والاقليمية مثل الجمهورية الاسلامية الايرانية وتركيا بعد فشلها في بناء قواعدها بالجانب السوري مما دفعها الى العودة لما موجود لها من قواعد في العراق واستغلالها لضرب خصومها حتى وان كانت مشتركة، وفي هذه الحالة لايمكن أن يكون انسحاب القوات الأمريكية من سوريا ودخولها الاراضي العراقية مسوغا او مبررا لبقاء القوات الأمريكية فيه وجعله قاعدة لها من قواعدها في منطقة والشرق الاوسط واميركا لديها تسعة قواعد في العراق، خمسة منها معلنة واربعة اخرى سرية، وهذه القواعد تتناسق في خط عرض مع قواعد كان يراد انشائها في الجانب السوري من اجل تكوين خط امان للمجاميع الارهابية وتمنع القوات الامنية الشرعية للدولة من ملاحقة المجاميع الارهابية المختلفة .
السيادة تعني في اللغة : من سود، يقال: فلان سَيِّد قومه إذا أُريد به الحال، ويقال: سادهم سُوداً سُودُداً سِيادةً سَيْدُودة استادهم كسادهم وسوَّدهم هو الـمسُودُ الذي ساده غيره.
وعرفت السيادة اصطلاحاً بأنها: “السلطة العليا التي لا تعرف فيما تنظم من علاقات سلطة عليا أخرى إلى جانبها. السيادة بمفهومها المعاصر فكرة حديثة نسبياً مرت بظروف تاريخية، حيث كان السائد أن الملك أو الحاكم يملك حق السيادة بمفرده، ثم انتقلت إلى رجال الكنيسة فكانت سنداً ودعماً لمطامع البابا في السيطرة على السلطة.
سيادة الدول مطلقة لا يمكن المساس بها والسيادة الخارجية “مرادفة للاستقلال السياسي، ومقتضاها عدم خضوع الدولة صاحبة السيادة لأية دولة أجنبية، والمساواة بين جميع الدول أصحاب السيادة، فتنظيم العلاقات الخارجية يكون على أساس من الاستقلال،
ولنعود الى اصل الموضوع : التصرف الغير مسؤول للرئيس ترامب الذي اغضب اكثر القوى السياسية العراقية رغم علم الحكومة بها وتواصلتْ الانتقاداتُ والتنديداتُ من مختلفِ الاحزاب والقوى السياسية العراقية حيالَ هذه الزيارةِ معتبرينَها انتهاكاً لسيادةِ البلاد وامر مرفوض جملة وتفصيلاً”. لأن السيادة سلطة عليا مطلقة للدولة العراقية فقط ولا يمكن لترامب وغيره العبث بها وأن ارادة الشعب هي أمر واقع تتجسد في السيادة السياسية وهي سلطة دائمة ملازمة للدولة ويجب ان يكون لها دور في مثل هذه الحالات وعن طريق مجلس النواب لان السيادة و الوحدة من اهم القضايا التي يجب التركز عليها من قبل القيادات السياسية الوطنية و تعد لها العُدة اللازمة فتكون دائماً في مقدمة جدول اعمالها فكلما كانت البلاد مستقلة و تتمتع بسيادة كاملة و على كامل أراضيها، كلما كانت موحدة و قادرة على حماية نفسها و حدودها من الاعتداءات الخارجية خاصة، عندما تكون ذات موارد طبيعية هائلة تفوق الخيال تجعلها محط انظار و اطماع الغزاة و المحتلين. كما ان السيادة من الأفكار الأساسية التي أسس عليها صرح وبنيان القانون الدولي المعاصر. وقد مرت نظرية السيادة بمراحل متعددة، فبعد أن كان نطاق سيادة الدولة على شعبها وإقليمها مطلقا، فإن تطور العلاقات الدولية على مر الزمن حمل معه تعديلا على هذا النطاق بصورة تدريجية. اصبحت هي السلطة العليا التي لا تحدها اية سلطة من ايه جهة كانت، حيث تنشأ عنها صلاحيات أو اختصاصات الدولة.
ومن هنا اتجهت آراء الفقهاء القانونيين نحو اعطاء السيادة مفهوماً مطلقاً ونحو جعل صلاحياتها اعلى واسمى من صلاحيات اية مؤسسة أخرى. فالسيادة هي مصدر الصلاحيات التي تستمدها الدولة من القانون الدولي. و السيادة و الاستقلال لا يتم تحقيقهما إلا بوجود المقدمات و السبل الكفيلة في حفظ سيادة الدولة ولعل في مقدمتها وجود القيادة الحرة الحكيمة والقوية النابعة من ارادة الشعب والتي تمتلك كل مقومات النجاح ، و تكون قادرة على إدارة الامور بشكل صحيح وفق سياسات استيراتيجية ثابة ومحكمة تعطي ثمارها في المستقبل و بخلاف ذلك وعندما تبتلي البلاد بقادة فاشلين و قيادات سياسية فاسدة ليست أهلاً للزعامة السياسية هنا تكمن المشكلة، فمن المفروض ان تتفق وتختلف احيانا على القيادة السياسية للدولة والسيادة السياسية إلا أن سيادة الدولة تبقى هي السلطة الواقعية والتي لايمكن الافراط بها.
ورأت القوى السياسية الرافضة لهذه الزيارة ان فيها تقزيما لمكانة هذا البلد و”انتهاكاً” للأعراف الدبلوماسية والسيادة العراقية وتعاملاً ينم عن موقف استعلائي هجين لا يمكن السكوت عنه وسيتوجب من الدولة الاعتماد على المنظمات الدولية او الاقليمية للقيام بتدخل جماعي مدروس ومنظم بعيداً عن الاهواء لوقف مثل هذه الانتهاكات .
ان تدخل المجتمع الدولي من خلال الامم المتحدة يحتاج الى سند من الحكمة والعدالة والتجرد والى تقييم جماعي مدروس للحالات التي تستدعي مثل هذا التدخل. ومما لا شك فيه ان التزام الدول بالمبادئ والقوانين الدولية والانسانية المتعلقة بحقوق الانسان يشكل احدى الوسائل المطلوبة للحيلولة دون استغلال هذه المواضيع بغية التدخل في شوؤن العراق. أن السيادة ترتبط ارتباطا وثيقا من حيث طبيعتها بحقوق الشعوب الحرة والدول ذات الاستقلال. وإن تمسك واشنطن بالحرب على الإرهاب هي سابقة خطيرة في العلاقات الدولية من حيث إنها اعطت لها وحلفائها فرصة ابتداع شرعية دولية جديدة موازية وبديلة عن شرعية الأمم المتحدة، فهذه الشرعية الجديدة المزعومة ستفتح الباب على مصراعيه أمام أي تدخل بدعوى الدفاع عن المبادئ أو المحافظة على المصالح تحت ذريعة محاربة الارهاب ومدى اتساع أو ضيق نطاق تطبيقها بقدرات الدولة وإمكاناتها الذاتية، … ما يثير في النهاية قضية العدالة الدولية على كافة الأصعدة .
شفقنا - عبد الخالق الفلاح