اليوم أعلنَت دولة الإمارات العربيّة المتحدة إعادَة فتح سفارَتها في العاصمة السوريّة، واليوم أيضًا هبطَت طائرة تابِعة للخُطوط الجويّة السوريّة في مَطار المنستير التونسي حامِلةً على ظَهرِها 150 سائِحًا لقضاء عطلة نهاية العام في مُنتَجعاتها، وهِي قطْعًا “سياحَة سياسيّة”، إلى بلدٍ “صَدَّر” أكثَر مِن خمسة آلاف سَلَفي تونسي للقِتال ضِمن جماعات مُتَطرِّفة مُسَلَّحة بدَعمٍ أمريكيٍّ خليجيٍّ لإطاحَة النِّظام.
***
هذا الحَجيج السياسيّ والدبلوماسيّ إلى دِمشق مِن المُتوَقَّع أن يتكثَّف مع بِدء العام المِيلاديّ الجَديد، وسنَرى طائِرات رئاسيّة عربيّة تَحُط في مَطار دِمَشق حامِلةً زُعَماء عرب يَطلُبون الوِد مِن القِيادة السوريّة، ونَجزِم بأنّ الرئيس السودانيّ عمر البشير الذي كانَ أوَّل زعيم عربي يُعانِق الرئيس بشار الأسد بحَرارةٍ على أرضِ المَطار لن يظَل وَحيدًا في هذا المِضْمار.
مُعظَم الزُّعَماء العَرب سلَّموا ببَقاء الرئيس الأسد في السلطة، وأنّ المُعارضة المُسلَّحة التي عَمِلت على مدى سبع سنوات للإطاحةِ بِه بدَعمٍ أمريكيٍّ أوروبيٍّ تركيٍّ خليجيّ في حُكم المُنتَهِية، وجاءَ إعلان الرئيس الأمريكيّ دونالد ترامب قبل أيّام سَحب جميع قُوّاته مِن سورية ليُؤكِّد هَذهِ الحَقيقة، ويفتح الباب على مِصراعَيه أمام عودَة العَرب إليهَا.
لا نَعرِف في هَذهِ الصَّحيفة إذا كانَ التَّطبيع العربيّ مع سورية وقِيادَتها سيَأتِي على حِساب التَّطبيع مع دولة الاحتِلال الإسرائيليّ أمْ تَبْريرًا له، فاللَّافِت أنّ بعض مَن يُعيدون فتح سفاراتهم في دِمشق يُمَثِّلون دُوَلًا تَغَوَّلت في التَّطبيع، واستِقبال وزراء وفرق رياضيّة إسرائيليّة، وسورية هِي مِن الدول العربيّة النادرة التي عارَضت، وما زالَت، كُل أشكال التَّطبيع مع دولة الاحتِلال، ولم تَستقبِل إسرائيليًّا واحِدًا على أرضِهَا.
نَعترِف بأنّ هُناك دُوَلًا خليجيّةً مِثْل سلطنة عُمان لم تُغلِق سفارتها في سورية، وقامَ السيد يوسف بن علوي، وزير خارجيّتها، بزيارة دِمشق قبل سِتَّة أشهُر، كما عَلِمنا مِن مصادِر موثوقة أنّ دولة البحرين تَعتزِم فتْح سفارتها في دِمشق الأُسبوع المُقبِل، وقامَ الشيخ خالد بن خليفة، وزير خارجيّة خارجيّتها بمُعانَقة نظيره السوري وليد المعلم بحَرارةٍ أثناء لقائه في أيلول (سبتمبر) الماضي، أيّ أنّ التقارب الخليجيّ مع سورية بَدَأ مُبْكِرًا، ولكن فتْح سفارة دولة الإمارات مُجَدَّدًا ينْطَوي على أهميّةٍ كَبيرةٍ بحُكم العُلاقة التحالفيّة الوَثيقة بين أبو ظبي والرياض، ولا نَستبعِد أن تتحوَّل الإمارات إلى قناةِ تَواصُل غير مباشر بين العاصِمتين وحُكومتيهما في المُستَقبل المَنظور، ولا نَعتقِد أنّ إقالة عادل الجبير، وزير الخارجيّة السعوديّ مِن مَنصِبِه، وهو الذي كانَ يُكَرِّر دائمًا عبارَته المَشهورة بأنّ الرئيس الأسد يَجِب أن يرحل سِلمًا أو حَربًا، وتَزامُنِه مَع فتح السِّفارة الإماراتيّة جاءَ مِن قبيل الصُّدفَة.
***
باخْتِصارٍ شَديدٍ نقول أن العرب يَعودون إلى سورية نادِمين، لأنّ جيشَها العَربيّ انتَصر على المُؤامَرة، وقِيادَتها صمَدَت ولم تتراجَع رُغم ضَخامَة المُخَطَّط الذي كان يُريد الإطاحةَ بِها.
سورية تَنْتَمِي الآن إلى مِحوَرٍ قويٍّ اسمُه “محور المُقاومة”، يَمْلُك أذْرُعًا ضارِبةً قويّةً، ومَخزون مِن الأسلحة المُتَقدِّمة حَقَّق قُدرَة الرَّدع ولأوّل مرَّة في مُواجَهة الاحتِلال الإسرائيليّ، ويحْظَى بدعم دولة عُظمَى اسمها روسيا خَسِرَت المال والرِّجال لهَزيمةِ الغَطرَسةِ الأمريكيّة، وهذا المِحوَر باتَ يَمْلُك اليَد العُليا في المِنطَقة بعد انسِحاب الدَّور الأمريكيّ مَهزومًا، وتَخَلِّيه عَن حُلفائِه بطَريقةٍ مُهينَةٍ، عَرَبًا كانُوا أمْ أكرادًا.
*عبدالباري عطوان .. رأي اليوم