السيد صقر خراسان
كانَ ولا يزال ” سفياني الوادي اليابس ” يشغل العلماء والباحثين والعامة والمتابعين منذ عهد رسول الله ( ص ) وإلى يومنا هذا ، آلاف التقارير كُتبت ومثيلاتها من الأبحاث والاستنتاجات نُشرت وتناولت شخصية هذا الشرير ونَسَبه ومهَامه وصفاته وأهدافه وتحركاته ، وأشبعتها دراسات وأبحاث ، كذلك حاولت الكشف عن موقع خروجه وخارطة طريقه وحروبه وخططه وانطلاقته ونهايته . ولم توفِّر هذه الإطروحات أي شاردة وواردة ، ولا حتى أي تفصيل صغير مهما تواضع حجمه في مهمة البحث عن السفياني وعن مكان خروجه . والغريب في الأمر أن الباحث لا يحتاج لوقت طويل أو لجهد وعناء كبيرين حتى يُكوِّن صورة تقريبية أو شبه نهائية عن هذا الشرير المعادي للخط المحمدي المهدوي ، لأن الروايات التي أشارت إليه ودلَّت عليه تكاد لا تُعد ولا تُحصى في كتب ومخطوطات الأديان السماوية الثلاثة ( الاسلام ، النصرانية ، واليهودية ) وحتى على صعيد الدين الواحد مع اختلاف وتفرُع الفرق والمذاهب ، كما هي الحال في كتب ومصادر الشيعة الإمامية وفي كتب ومصادر إخواننا السُنَّة .
فمن حَسَبه إلى نَسَبه إلى مواصفاته ، ومن بداياته وصولاً إلى أهدافه وحتى نهايته ، كلها أموراً جلية ويمكن جمعها وصبُّها في قالب يشبه إلى حد كبير قالب تلك الشخصية ، مع العلم بأن معظم الروايات المتوفرة في عصرنا والتي وصلتنا عبر النُساخ الذين نقلوها عن أسلافهم بعدما تلاعبت بمعظمها أيدي كَتَبة بني أمية وبني العباس وإحبار اليهود ، هي من نسج الخيال ولا تمت للحقيقة بأية صِلة تُذكر .. يقول سماحة السيد حسن نصرالله حفظه المولى : هناك إجماع من المسلمين أن الأحاديث فيها الصحيحة والغير صحيحة والمقبولة والمعتبرة ، وهناك الكثير من الأحاديث الموضوعة والتي أسانيد لها ولا نستطيع البناء عليها ، وغير ذلك فإن الأحاديث المتواترة والصحيحة الأسانيد والمتون يمكننا التعويل عليها ..
وهذا ما استنتجناه حول شخصية السفياني وأوصافه كما ذكرنا أعلاه ، ولكن هل سأل سائل عن سبب خروج السفياني من ناحية الوادي اليابس وليس من ناحية أخرى ؟ بالتأكيد هو سؤال وجيه ومُحِّق ويحمل ما يحمل من الأسرار .. فما هو سر هذا الوادي ؟ لكي نحصل على الإجابة يتوجب علينا أولاً ان نتعرف على جغرافية ومميزات هذا الوادي ، وعلى مسارح الأحداث المحيطة به ، والتي ستشهد على تحركات سفيانيِه ..
التعريف بالوادي
حتى نفهم المقصود من التعريف ، وحتى يسهل على المُتلقي الفهم ، نضع بين أيديهم بعض الشواهد الروائية ..
روي عن أبي عبد الله الصادق صلوات الله وسلامه عليه انه قال : قال أبي صلوات الله وسلامه عليه قال أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه : يخرج ابن آكلة الأكباد من الوادي اليابس وهو رجل ربعة، وحش الوجه، ضخم الهامة، بوجهه أثر جدري إذا رأيته حسبته أعور، اسمه عثمان وأبوه عنبسة، وهو من ولد أبي سفيان .
راجع كمال الدين وتمام النعمة للشيخ الصدوق : ص651 .
بعيداً عن تفسير الرواية بأكملها ، نذهب إلى المقطع الذي يهمنا بتقريرنا أو بحثنا هذا ، ” يخرج إبن آكلة الأكباد ( إشارة لهند والدة معاوية ) من الوادي اليابس ” .
الشاهد الثاني : في رواية طويلة ومنسوبة لأمير المؤمنين عليه السلام عن أبي جعفر الباقر عليه السلام يقول فيها …. فَإِذَا كانَ ذَلِكَ، فَانْظُرُوا خَسْفَ قَرْيةٍ مِنْ دِمَشْقَ يُقالُ لَهَا حَرَسْتَا. فإِذا كانَ ذَلِكَ، خَرَجَ ابْنُ آكِلَةِ الاَكْبادِ مِنَ الوادِي اليَابِسِ …
غيبة النعماني: 305 ـ 306، غيبة الطوسي : 277
هنا أيضاً إشارة واضحة تدلنا على الناحية التي يخرج منها ، وعلامة الخروج تكون بوقوع وحدوث خسف في احدى قرى دمشق وتسمى حرستا كما ورد إسمها في روايات أخرى ، فأين يقع هذا الوادي ولماذا سمي باليابس ؟
يقول بعض المدققين من أهل الاختصاص في علم التاريخ القديم والجغرافية بأن الوادي اليابس او وادي الريان يقع شمال مدينة عجلون الاردنية ( التي تبعد حوالي ١٥٠ كم عن العاصمة السورية دمشق ) وإلى جنوب غرب مدينة إربد في شمال المملكة الاردنية الهاشمية ، وتمتد مساحته حتى منطقة حوران عند أذرعات (درعـا) في منطقة الحدود السورية الأردنية ، ويمتاز وادي الريان بتنوع تضاريسه حيث يحتوي على جبالٍ ووديانٍ وسهول وقيعان ، ومن أهم ميزاته غزارة مياهه وانتشار عيون الماء فيه ، ويصفون ذلك الوادي بأنه يوجد فيه العديد من المزارات الدينية ، حيث يقع هناك العديد من أضرحة الصحابة ، كضريح أبو عبيدة عامر بن الجراح وضريح شرحبيل بن حسنة ومعاذ بن جبل وغيرهم ، وأيضاً هناك العديد من الآثار التاريخيّة في المنطقة والتي تعود لعهود قديمة مرت على تلك المنطقة ، وما تزال تلك الآثار ماثلة حتى يومنا وتسرد تاريخ المكان .
اشتهر وادي الريان قديما باسم ( الـ وادي اليابس )، وقيل أن الملك عبدالله الثاني بن الحسين أثناء فترة توليه العهد قام بزيارةٍ لتلك المنطقة ، وبعد أن شاهد ما يتحلى به الوادي من جمال طبيعي وخضرة تنتشر على مد النظر قال بأن المكان يحتاج لتغيير اسمه من وادي اليابس إلى وادي الريّان ، مشيراً إلى الطبيعة الخلابة في المنطقة ، ومنذ ذلك الوقت تحول اسم الوادي اليابس إلى وادي الريان الذي يصف الطبيعة الحقيقية للمكان ، والريان هو باب من أبواب الجنة .
الاستنتاج الاول
نصل وإياكم من خلال المقدمة والروايات المسندة ومن خلال التعريف بالوادي الى استنتاجات مهمة نوجزها كالتالي :
– حتمية خروج السفياني من الوادي اليابس استناداً للروايات المتواترة .
– تحول إسم الوادي في عهد عبدالله من اليابس إلى الريان .
– حدود الوادي تمتد من شمال عجلون في الاْردن حتى الحدود السورية ( درعا ) .
– يمتاز الوادي بطابع ديني وحضاري ويضم مراقد صحابة وآثارات .
– يمتاز الوادي بجباله وتضاريسه وسهوله وقيعانه وبوفرة مياهه .
مسرح الأحداث
إن المتتبع لعلائم الظهور والمختص بأبجديتها ومكنوناتها وأسرارها ، يعلم علم اليقين بأن أحداث أرض الشام في زمن الإرهاصات الكبرى لظهور الامام المهدي ( عج ) تدور رحاها في سوريا ونواحيها ، ويعلم كذلك بأن محور تحركات سفياني الوادي اليابس يكون في الجغرافيا السورية ، قبل أن يتوسع في مراحل لاحقة ويصل الى أقطار اخرى ، فالسفياني يعمل في الشهور الاولى لانطلاقته على قتال اصحاب الرايات المتناحرة كالأبقع والأصهب ، فيقضي عليهما ويعمل على احتلال كور سوريا الخمسة ، الى أن يتمكن من إعتلاء منبر دمشق بعد مبايعة العشائر والقبائل له في المسجد الكبير . ثم يأمر فصيلين من جيشه بالتوجه الى كل من العراق والحجاز ، واثناء توجهه للعراق يمر جيشه بقرقيسياء ويكون دائراً فيها نزاعاً لم يشهد التاريخ مثيلاً له ، فيدخلها وينتصر على أطراف النزاع فيها ويقتل من جباريها ما يقارب المئة الف مقاتل ( ربما يكون العدد رمزي ) وتستغرق رحلته مع هذه الأحداث منذ انطلاقته حوالي الستة أشهر ، قبل أن يتوجه الى العراق قاصداً الكوفة …
إذن نستنتج هنا بأن مُجمل حركته في الشهور الاولى تكون فوق مسرح الأحداث السوري ، وجميعنا يعلم بأن سوريا أرض واسعة جداً ومترامية الأطراف ، تبلغ مساحتها حوالي ١٨٦ الف كم٢ ، وتحدها حالياً خمسة دول هي ، تركيا ، العراق ، لبنان ، الاْردن ، وفلسطين المحتلة . فلماذا يخرج السفياني من الوادي اليابس ناحية الاْردن ولا يخرج من نواحي حدود الدول الأربعة المتبقية ؟؟؟
وحتى نحصل على الإجابة ، علينا دراسة حدود وأوضاع هذه الدول ..
الحدود السورية مع دول الجوار :
تبلغ مساحة الحدود بين سوريا وتركيا حوالي 822 كم ، وتبلغ مساحة حدودها مع العراق 605 كم ، ومع فلسطين المحتلة 76 كم ، ومع الأردن 375 كم ، ومع لبنان 375 كم .. فلماذا يختار سفياني الوادي اليابس الحدود الاردنية دون غيرها ؟
قبل شهر مارس ( آذار ) من العام ٢٠١١ ميلادي كانت الأمور تبدو هادئة وكأنها طبيعية جداً في أرض الشام ، ولم يكن أحداً من الباحثين ( اللهم إلا القليل ) كان يتوقع بأن مسرح الأحداث قد تحضر وتجهَّز فوق التراب السوري ، وبأن أحداثا دامية ستندلع هناك ، وبأنها ستحصد ارواح مئات الآلاف من البشر ، وكذلك لم يكن مُتوقعاً بأن سوريا ستشغل العالم وتشد أنظاره إليها ، وبأن دولاً وجيوشاً ومقاتلين تابعين لأكثر من مئة دولة تقريباً سيحضرون على مسرح هذه الأحداث ، وبعد هذا التاريخ عرف العالم بأسره كيف انطلقت شرارة الحرب ، ولكنه عجز عن معرفة نهايتها والتي لا تبدو أنها قريبة .. شغلت سوريا العالم بأسره وملئت أخبارها وسائل الاعلام المرئية والمسموعة والمقروئة وتحولت أزمتها الى مادة دسمة على موائد العهر والكفر الدولية ، وانتقلت نيرانها الى دول الجوار بنِسَب متفاوتة ، ووصلت سُحِب دخانها وآثارها الى القارة العجوز والى العديد من الأقطار والبلاد النائية ، وانتشرت شرقاً وغرباً حتى وصلت إلى أرض الزانية الكبرى والبعيدة والتي تتحمل مسؤولية احداث سوريا ومآسيها ..
منذ خمسة أعوام ونيف وحتى ساعة كتابة هذه السطور لا تزال الأزمة السورية أو فتنة الشام التي بدت للمراقب وكأنها لعب الصبيان ، تشكل اللغز الذي عجز العالم عن حله وتفكيك شيفرته ، وعجزت الامم مجتمعة عن حياكة حل الأزمة التي كلما رُتقت من جهة فُتقت من جهة اخرى ..
روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال : الفتنة الرابعة عمياء مظلمة تمور مور البحر، لا يبقى بيت من العرب والعجم الا ملأته ذُلاً وخوفاً، تطيفُ بالشام وتعشى بالعراق وتخبط بالجزيرة بيدها ورجلها، تُعركُ الأمة فيها عرك الاديم ويشتد بها البلاء حتى يُنكر فيها المعروف ويُعرف فيها المنكر لا يستطيع احدٌ يقول : مه مه ، ولا يرقعونها من ناحيةٍ الا تفتقت من ناحية يصبحُ الرجل فيها مؤمن ويُمسي كافراً، ولا ينجو منها الا من دعا كدُعاءِ الغرقِ في البحر ، تدوم اثني عشر عاما، تنجلي حين تنجلي، وقد أحسرت الفرات عن جبل من ذهب فيقتل عليه من كل تسعة سبعة (وفي موضع آخر ، فيقتل من كل عشرة تسعة \ أو فيقتل من كل مائة تسعة وتسعون ويبقى واحدا).
معجم أحاديث الامام المهدي ج1: ص 429 الحديث 295 (65 مصدر).
هنا لا بد لنا من الإجابة على الاستفسار التالي : ما الذي يثبت لنا علمياً بأن احداث الشام الحالية هي نفسها الفتنة الرابعة ؟
حتى نحصل على الإجابة عن هذا السؤال ، يتوجب علينا أولاً أن نجيب على السؤال الذي يسبقه أيضاً : هل أصبحنا في زمن هذه الإرهاصات ؟
ولكي نحصل على الأجوبة يتوجب علينا مراقبة ومقاربة الأحداث الآنية والحالية ومطابقتها مع الروايات الشريفة ، وعلينا مراجعة ودراسة ظروفها الزمانية والمكانية ، وتاريخها وجغرافيتها وتحديد العلامات والاحداث التي توازيها والتي تسبقها والتي تليها .. حالياً هناك حرب وفتنة في العراق ، وحرب وفتنة في مصر ( ليبيا ) ، وحرب وفتنة في اليمن وقد ألقت بظلالها على شبه الجيرة العربية او بلاد نجد والحجاز ، وهناك فتن وحروب وثورات متفرقة في فلسطين المحتلة والبحرين ولبنان وتركيا وفي دول اخرى ، وشهدنا من الكوارث والمآسي ومن المشاهد المرعبة والمقززة ما يندى لاجله الجبين وتبلغ بسببه القلوب مستوى الحناجر ، فمشاهد النحر والذبح وتقطيع الأشلاء والاغتصاب والحرق والتقطيع باسم الاسلام وبنداء الله اكبر ، جعل الصورة مأساوية ومخجلة حتى عُركت فيها الأمة عرك الأديم ، وهناك أيضاً هرج غربي غير مسبوق ، وتسابق ملحوظ بين دول العالم على الحشد واستعراض القوى والإمكانات العسكرية وسباق التسلّح ، حتى أصبحت شواطيء المتوسط مليئة بالقطع البحرية والبوارج والمدمرات والغواصات ، واجواء سوريا يحلق فيها ما هب ودَب من انواع الطائرات الاستطلاعية والمناورة والحربية ويدور في فضائها آلاف الأقمار التلصلصية والتجسسية ، والبر السوري تحول الى ارض مقدسة عسكرياً تحج اليه الجيوش والجنود والمرتزقة من معظم دول العالم . وهناك مفاوضات أُحبطت ومحادثات فشلت ، واتفاقات على وقف الاعمال الحربية أُنتهكت ، والى يومنا هذا لم تهدأ العواصف المدمرة ، ولم تتوقف سيول الدماء المسفوكة ، فهل كل هذا الذي يحصل مجرد صدفة ؟
الروايات الشريفة تُخبر كذلك عن شذاذ للآفاق في فلسطين ، وعن إخوان للترك ومارقة للكرد ، وعن مارقة الروم ونزولهم الرملة ، وجياشة الترك ونزولهم الجزيرة ، وعن رايات سوداء وصفراء وعن فتنة تبدأ في الشام وكأنها لعب الصبيان ، وعن اختلاف رمحين فوق ارض الشام ، وعن ولادة رايات ابقعية واصهبية ، واُخرى يمانية وخُراسانية ، وعن خروج قرن شيصباني في العراق وقرن شيطاني من نجد وقرن سفياني من الاْردن ، وعن نوازل وقواصف في اليمن ، ووقعات في البحرين ونيران في الحجاز ، وعن وصول قوات غربية الى مصر ، وعن شهب تحمل سموماً وتطير شرقاً وغرباً فتحصد أرواحاً وزرعاً ، وتجهز على البشر والشجر والحجر ، وعن طيور ترمي بأجنحتها وفِيلة ترمي بخراطيمها ، وعن ثورات علمية واتصالات عملية وازمات اقتصادية وامراض مستعصية وأوبئة منتشرة وزلازل مدمرة … فهل اجتمعت هذه الروايات صدفة أيضاً ؟
إذن ...لماذا الوادي اليابس؟
بعد أن توضحت الصورة من خلال التعريف بالحدود السورية وبأحداث الشام ، وبعد أن وصلنا لاستنتاجات علمية كثيرة تشير بوضوح الى اننا أصبحنا في عصر الظهور الشريف استناداً لما ذكرناه أعلاه وفي منشورات سابقة ، بقي علينا أن نبحث عن اجابة على هذا السؤال الكبير ، لماذا يختار السفياني الحدود الاردنية دون غيرها ؟؟
الى اللقاء في الجزء الثاني …
المصدر:الممهدون في الأرض