تجهد القوى المحلية الموالية لتحالف العدوان في وضع العراقيل أمام مساعي المبعوث الأممي، مارتن غريفيث، لاستئناف المفاوضات السياسية. هذه القوى، المتوزّعة على معسكرين («الشرعية» ومناوئوها) تختلف على كل القضايا، لكنها تجتمع على رفض إنهاء الحرب، كلّ لمصالحه وحساباته. إذ إن الحرب توفّر لهم سبل البقاء وحتى الوجود، وبالتالي ليس مستغرباً أن يرفضوا علناً التسوية، من دون أن يغلّفوا رفضهم بمبرّرات سياسية أو يأخذوا في الحسبان المزاج العام. وفي هذا الإطار، يأتي إعلان وزير الإعلام في حكومة «الشرعية»، معمر الإرياني، أنه لا يمكن القبول بأي صيغة لإدارة ميناء الحديدة لا تضمن «عودته والمدينة للسلطة الشرعية»، علماً أن حكومته تعجز عن ممارسة سلطتها في الموانئ «المحرّرة» الخاضعة إمّا للسعودية وإمّا للإمارات. وفي الإطار نفسه أيضاً، يأتي انتقاد وزير الدولة ومستشار عبد ربه منصور هادي، محمد العامري، تصرفات المبعوث الأممي، ووصفه إياها بأنها «غير مفهومة»، واتهامه غريفيث بـ«الإفراط في الليونة خلال تعامله مع الميليشيات الحوثية».
لقد نجح تحالف العدوان في حشد منظومة كبيرة من الأحزاب وزعماء القبائل والشخصيات السياسية والإعلامية خلفه. كذلك صنع قيادات مغمورة لم تكن معروفة من قبل، وأصعدها إلى قمة الهرم، مُشرِكاً إياها في عملية الاستثمار في الحرب، وتوظيف مآسيها للتربّح غير المشروع، واحتكار التجارة، وامتلاك حصرية الاستيراد، والبسط على الأراضي العامة، وتسهيل عمل عصابات القتل وتجار المخدرات. وليس رجالات هذه المنظومة من الفئة الثانية أو الثالثة أو الرابعة فقط، بل يشملون أيضاً رئيس الوزراء والوزراء والوكلاء وموظفي الدرجة الأولى، وجميعهم متّهمون بالفساد، والتصرّف بالأموال العامة لمصالحهم الشخصية، وتوظيف أقاربهم في مناصب رفيعة في الدولة من دون الرجوع إلى أصول التوظيف أو اعتماد السلّم الوظيفي في الترقّي والترفيع.
قد يكون الرئيس المنتهية ولايته من بين أكثر رؤساء العالم نشاطاً في قرارات التعيين والترفيع والإقالة. وهي قرارات تخدم، في مجملها، منظومة الفساد المتحكّمة بما يسمى «الشرعية». إذ ليس المطلوب لتنال الحظوة والثقة إلا إعلان مواقف مؤيدة للعدوان والدول التي تشارك فيه، واتخاذ مواقف حادة ضد «أنصار الله»، وربط الحركة من خلال التصريحات والخطب السياسية بـ«المشروع الفارسي». وكلما كانت اللهجة أكثر حدّة، أو ابتكر المحظيّون أفكاراً جديدة، زادت الثقة بهم، وحُجزت لهم أجنحة في الفنادق الفخمة في الرياض، بالإضافة إلى كمّ هائل من المزايا والمحفّزات المالية وغيرها.
هذه النماذج تعجّ بها وسائل الإعلام التابعة لـ«التحالف» يومياً، وهي لا همّ لها سوى هجاء خصومها بعيداً عن الديبلوماسية أو أدب التخاصم أو حتى منطق الإقناع. نموذج من ذلك، على سبيل المثال لا الحصر، ما توصّلت إليه المخيّلة الخصبة لوزير خارجية «الشرعية» خالد اليماني، الذي كان مغموراً قبل تعيينه، من أن الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي ينصاعان لـ«حزب الله». إذ قال، في معرض تعليقه على تقارير الأمم المتحدة التي تندّد بالهمجية السعودية تجاه الشعب اليمني، إن «مجمل التقارير التي تدعمها بعض دول الاتحاد الأوروبي يكتبها عناصر مشبوهون، وتؤثر بمسارها قيادات (من حزب الله) تعمل مع منظمات الأمم المتحدة، وتتحرّك بشكل لافت في أروقتها».
بعد قرار التعيين من قِبَل هادي، وإثبات الولاء الكامل، تُباح الوزارة لجيش من الأقارب والأنسباء، يتوزعون على الملحقيات والسفارات والمناصب العسكرية والأمنية وغيرها، في تعيينات لا تمتّ إلى الكفاءة بصلة، ولا تقيم لردّة فعل الناس أي اعتبار، وليس في حسبانها سوى المصالح الشخصية. وفي إحصائية قام بها عدد من النشطاء، تبيّن أن المناصب التي مُنحت للأقارب هي الأرفع، من قبيل مدير عام وما فوق، كوكيل مساعد ووكيل وزارة، بالإضافة إلى مختلف الدرجات الدبلوماسية، من سكرتير إداري إلى قنصل إلى وزير مفوض. كذلك تبيّن أن أغلب تلك القرارات مخالفة للقانون والأعراف ومعايير شغل الوظيفة العامة. أما مَن لم تستطع سلطة هادي استيعابهم، أو ليسوا محظوظين لدى الرئيس المستقيل أو لدى بطانته، فهذا ليس آخر المطاف بالنسبة إليهم. إذ إن هؤلاء، وهم مِمَّن يجيدون القيام بأدوار الشتم والتهجّم على أكمل وجه، مكانهم محفوظ في الرياض وأبو ظبي، اللتين تعجّان بشخصيات من هذا النوع، وتجودان عليها ما دامت منضوية تحت لوائهما.