صحيح أن ولي العهد الجديد، محمد بن سلمان، تمكّن في الأشهر التي أعقبت تسلّمه منصبه، من تحقيق التفاف إعلامي عالمي حول «قيادته الفذّة» و«رؤيته الإصلاحية»، إلا أن استحقاقات متتالية جاءت لتكشف هشاشة الهيكل الذي أسّس له. هشاشة بلغت أقصى درجات انفضاحها مع توالي فصول «أزمة خاشقجي»، حتى أضحى الرجل الذي لا يقبل ولو انتقاداً من داخل المنظومة أو مجرّد «نصيحة من مُحبّ»، يبحث عمّن يتبرّع له باستقبال في هذا الظرف الحرج.
قد لا يكون من المبالغة القول إن ردود الفعل الصادرة من المغرب العربي على الجولة الخارجية لابن سلمان تشير إلى انقلاب حقيقي في صورة السعودية التي لطالما ملأ الحديث عن «مكانتها» الآفاق. من تونس إلى الجزائر وموريتانيا، تعلو الأصوات المُندّدة بـ«مجرم الحرب»، والداعية إلى عدم استقباله. يذهب تونسيون وجزائريون إلى أبعد من ذلك برفضهم «تدنيس أرض الثورة» وبلد «المليون شهيد»، فيما تتصاعد في نواكشوط ـــ التي أدخلها محمد ولد عبد العزيز في المعسكر السعودي ـــ المطالبات بعدم منح «خادم الصهاينة» فرصة تبييض صورته. أما المغرب، الذي امتنع إلى الآن عن إصدار أي تعليق داعم للسعودية بشأن مقتل خاشقجي، فيغيب عن مشهدية الزيارات المحتملة، في استثناء لا يخلو من دلالات، فيما تستقبل مصر، «مأمونة الجانب» بالنسبة إلى ابن سلمان، الأخير على خَفَر، ويلتزم الأردن الصمت كأن «على رأسه الطير». حتى الحليف الأقرب للأمير الشاب، ولي عهد أبو ظبي، لم يُخرج رأسه من الرمال إلا بعد أن قدّم الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، خلاصته النهائية حول حادثة القنصلية.
قبل تلك الأزمة، كان ابن سلمان يعتقد أن رفع صوره في ملاعب البصرة سيفتح له أبواب إعلاء كلمته في العراق، لتأتي استحقاقات ما بعد الانتخابات النيابية وتثبت أن أسلوب «وان واي تيكت» أصبح من الزمن الغابر. في اليمن، لم يعد ثمة شكّ في أن السعودية باتت المكروه الأول هناك، حتى من قِبَل من كانوا يوماً ما في صفّ حلفائها، فيما تكاد «الجارة المتمرّدة» ـــ أي قطر ـــ لا تأخد نَفَساً في «حربها» على قائد مقاطعتها. تساندها في ذلك تركيا، التي لا يبدو أنها تريد طيّ القضية قبل أخذ «ثأرها» مَمّن أطلق حرباً ضد معسكر «الإخوان»، وأراد احتكار الوكالة الأميركية لنفسه. على المقلب الغربي، لا يبدي الأوروبيون ـــ باستثناء فرنسا ـــ حماسة كبيرة لـ«حفظ رأس» ولي العهد السعودي، في وقت تتّسع فيه دائرة الرفض الأميركي الداخلي للتعامل مع نجل الملك وكأنّ شيئاً لم يكن. وحده دونالد ترامب يرفع لواء الذود عن ابن سلمان، اعتقاداً منه بأن الأخير «لُقْية» لا تُعوّض، لكن هذا الدفاع المستميت يبدو اليوم محاطاً بموجة من ضغوط «الدولة العميقة»، التي قد تؤدي إلى إبطال مفعوله، وتضييع آمال العهد «السلماني».