وقال فريد رايان، الناشر والمدير التنفيذي لصحيفة "واشنطن بوست"، إن الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، أرسل رسالة واضحة و"خطيرة للغاية" إلى العالم، وهي أنه بإمكانهم أن يقدّموا الأموال له مقابل السماح لهم بتنفيذ عمليات قتل والإفلات من عواقبها.
وتابع رايان في مقاله بالصحيفة: إن بيان ترامب "غير الدقيق والمتموج بدد عملية القتل الوحشي التي تعرض لها جمال خاشقجي بمبنى قنصلية بلاده في إسطنبول، بالثاني من أكتوبر الماضي، على يد عناصر تابعين للحكومة السعودية"، وذلك في إشارة إلى بيان ترامب، الذي تمسك فيه بالشراكة مع السعودية رغم إقراره بأن "من المحتمل جداً" أن يكون ولي العهد، محمد بن سلمان، كان على علم بالجريمة.
في هذه العملية، يقول رايان، "رمى ترامب رجلاً طيباً وبريئاً بوصف (عدو الدولة)، وهي التسمية التي يطلقها السعوديون على خاشقجي علناً، في الوقت ذاته يعرب ترامب عن عميق علاقته مع ولي العهد السعودي، الذي تشير الأدلة إلى أنه تورط في قتل خاشقجي".
ومهما كانت الاعتراضات التي عبر عنها النقاد فيما يتعلق بغض ترامب الطرف عن جريمة اغتيال خاشقجي، فإن الرئيس رد عليهم بالقول: إنهم "لا يفوقون العوائد المالية التي تتدفق على الولايات المتحدة من صفقات السلاح للسعودية"، بحسب رايان.
بالنسبة للكثير من زملاء خاشقجي في "الواشنطن بوست"، يضيف رايان، "فإن الأمر له جوانب خاصة، فالرجل كان زميلاً محترماً، وعن نفسي شعرت بخسارة كبيرة، لكننا ندرك أيضاً أن مهمتنا هي الخدمة العامة، فعندما يتخلى المسؤولون هنا في واشنطن عن المبادئ التي يُنتخبون لتأييدها، فإن من واجبنا أن ننبه إلى ذلك، وسوف نستمر في بذل كل ما في وسعنا لكشف الحقيقة، من خلال طرح الأسئلة الصعبة ومطاردة الحقائق بلا هوادة، لإلقاء الضوء على الدليل الحاسم".
ويضيف رايان: "طيلة هذه الأزمة، أعلن ترامب أنه يحافظ على المصالح الوطنية، ولكن رد ترامب على جريمة قتل خاشقجي لا يعزز تلك المصالح، لأن ترامب يضع قيم الدولار والصفقات التجارية فوق القيم الأمريكية في الحرية واحترام حقوق الإنسان".
كما اعتبره "يضع العلاقات الشخصية فوق العلاقات الاستراتيجية للولايات المتحدة، فلأكثر من 60 عاماً كانت الشراكة السعودية - الأمريكية مهمة وتقوم على أساس الثقة والاحترام. لكن، يبدو أن ترامب قرر أن الولايات المتحدة لم تعد بحاجة إلى الصدق والقيم المشتركة مع شركائها العالميين".
وركز ترامب على مفهوم الأمن، قائلاً في بيانه إنه مصلحة أمريكية مهمة، "لكننا بهذا التصرف لا نجعل العالم أكثر أمناً؛ فلقد وضعنا معياراً مزدوجاً للدبلوماسية، بتخلي الولايات المتحدة عن قيمها لمن يقْدم على شراء ما يكفي من أسلحتنا"، بحسب رايان.
ويضيف: "إننا لا نجعل العالم أكثر أمناً بالتخلي عن التزاماتنا بالحريات الأساسية وحقوق الإنسان، فالسعودية تحت حكم بن سلمان ارتكبت فظائع، لو ارتكبتها دولة أخرى فإنها ستواجه توبيخاً قوياً من أمريكا".
فقد شنت السعودية حرباً "مدمرة" باليمن، واعتقلت النشطاء والناشطات، وعذبت رجال أعمال، واختطفت رئيس وزراء لبنان سعد الحريري، هذا كله خلال 17 شهراً فقط من صعود بن سلمان وتوليه مناصب قيادية عليا في السعودية.
إن الفشل في المطالبة بالمساءلة بهذه الجرائم لن يجعل الولايات المتحدة أكثر أمناً، كما يرى رايان؛ "فالمجتمعات المستقرة والهادئة التي يحكمها قادة يحترمون حقوق شعبهم، تحتاج إلى صحفيين يستطيعون فضح المخالفات ومحاسبة الأقوياء، وليس من قبيل المصادفة أن العديد من أسوأ منتهكي حرية الصحافة هم أيضاً أكثر الجهات خطورة في العالم".
ويؤكد فريد رايان أن التحقيق الشامل لوكالة الاستخبارات الأمريكية خلص إلى أن ولي العهد السعودي هو مَن أمر بقتل خاشقجي، وإذا كان لدى الرئيس ترامب سبب لتجاهُل نتائج هذا التقييم، فإن عليه أن يعلن فوراً تلك الأدلة، لكن في غيابها فإنه يمكن القول إن ترامب فشل في هذه القضية، والآن يقع على عاتق الكونغرس، في المقام الأول، مهمة الدفاع عن قيم أمريكا ومصالحها الدائمة.