وفي مقال نشرته مجلة نيوزويك الأميركية، سلط أستاذ علم الفلك الرصدي في جامعة ليستر الإنجليزية أندرو بلاين الضوء على ظاهرة فلكية نادرة الحدوث تتمثل في التهام مجرة "دبليو 2246" التي تبعد عنا مليارات السنوات الضوئية لمجرات مجاورة لها لتشكل أكثر الأجرام السماوية سطوعا في الكون.
وأوضح الكاتب أن سطوع هذه المجرة ناجم عن دخول كميات هائلة من الطاقة إلى قلب الثقب الأسود الضخم الواقع في مركزها، الذي يولِّد قدرا هائلا من الجاذبية لجذب المواد الصلبة والغازات من المجرات الثلاث المجاورة، واستنزاف مواردها.
وأوضح الباحث البريطاني أن هذه المجرة اكتُشفت للمرة الأولى خلال المسح الشامل الذي أجراه مستكشف الأشعة تحت الحمراء عريض المجال "تلسكوب وايز الفضائي"، الذي تمكن من رصد كميات الضوء الهائلة الصادرة عن هذه المجرة التي تبعد عنا 12.4 مليار سنة ضوئية.
ونظرا لأن الضوء الصادر عن هذه المجرة يستغرق وقتا طويلا قبل الوصول إلينا، فإن الصور التي نشاهدها تعتبر قديمة للغاية، وهي في الواقع تبين ما حصل عندما كان الكون في بداياته، أي عندما كان يبلغ 8% فقط من عمره الحالي.
وأفاد الدكتور بلاين بأن هذه المجرة تحمل الرقم القياسي لأكثر جسم مضيء في الكون، إذ إن الضوء الصادر عنها يبلغ عشرة آلاف ضعف الضوء الذي تُصدره مجرتنا درب التبانة. وتصدر النسبة الأكبر من الضوء في هذه المجرة المضيئة من مركزها، أو الجزء المحيط بالثقب الأسود، الذي يعرف باسم "النجم الزائف".
ويعزى سبب الإشعاع الشديد لهذه المجرة إلى تركيز الغازات والمواد الصلبة داخل مركزها صغير الحجم نسبيا، حيث إنه أصغر من مجرتنا بمرات عدة، إضافة لاحتوائه على سحب ضخمة من الغاز المضغوط والساخن التي يُنتج تفاعلها مع بعضها بعضا انفجارات هائلة تصدر هذا الضوء الساطع.
أرصاد جديدة
أشار بلاين إلى أبحاث زميله الدكتور تانيو دياز سانتوس، الذي عمل على مراقبة المجرة الساطعة باعتماد مصفوف مرصد أتاكاما المليمتري الكبير ومصفوف المرصد العظيم في كل من تشيلي ونيو مكسيكو، والتي أفضت إلى أن مكونات السحابة المحيطة بمركز مجرة "دبليو2246" فريدة من نوعها.
أوضح كاتب المقال أن المجرات الثلاث التي تقع على مقربة من المجرة المضيئة على وشك أن تُجذب بصفة كلية وتُسحق داخل ثقبها الأسود عالي الجاذبية. وتعد جسور الغبار الكوني التي يمكن ملاحظتها بين هذه المجرات ومركز المجرة المضيئة خير دليل على اقتراب حدوث ذلك.
وبيّن الكاتب أن الغبار الكوني للمجرات المجاورة يشكل خلال انجذابه نحو مركز المجرة المضيئة جسورا شبيهة بالسخام الصادر عن الوقود. وتمثل هذه الجسور المسار الذي تسلكه الغازات والمواد الصلبة خلال تعرضها للجذب من طرف الثقب الأسود.
ويعتبر هذا الغبار عاملا مهما للغاية في سبيل إصدار الضوء شديد السطوع الذي تمتاز به هذه المجرة، وهو ناتج عن التفاعلات النووية داخل النجوم العملاقة، كما أنه ينتشر في الكون بمجرد انفجار هذه النجوم وتحولها إلى مستعر أعظم. ومن هذا المنطلق، يمكن القول إن الغازات المحيطة بالمجرة المضيئة قد تكون نشأت من خلال بعض التفاعلات النجمية في الماضي، قبل أن يبدأ نشاط المجرة المضيئة على نحو مكثف بجذب هذه المواد نحوها.
أورد الكاتب أن مدة التفاعل الحالية داخل المجرة المضيئة تبلغ حوالي 200 مليون سنة، لكن العلماء الذين يعملون على احتساب كتلة المجرة المضيئة لا يزالون عاجزين عن رؤية التفاعلات التي تحدث داخل الثقب الأسود، وهو ما يستوجب القيام بقياسات أكثر دقة في المستقبل.
هل اقتربت النهاية؟
يرى بلاين أن العلماء لا يريدون التوقف عند هذا الحد، بل يسعون لإجراء عمليات مراقبة إضافية للمجرة المضيئة ابتداء من سنة 2021، بالاعتماد على مرصد أتاكاما المليمتري الكبير ومنظار (تلسكوب) جيمس ويب الفضائي المقرر إطلاقه عام 2020.
ويطمح العلماء الفلكيون إلى بيان الطريقة التي ينتقل خلالها الغاز والغبار داخل المجرة المضيئة، ومعرفة كيفية دوران هذه الغازات حول المجرات الصغرى خلال انجذابها إلى الثقب الأسود وتحولها إلى وقود يستهلكه ويطيل مدة حياته.
والجدير بالذكر أن عمليات المراقبة الإضافية لن توفر نظرة ثاقبة حول هذه المجرة فحسب، بل ستساعدنا على فهم الطرق التي تتكون من خلالها المجرات العادية، فضلا عن الظروف التي يتطلبها وصول المجرة إلى أحد أكثر مراحلها إضاءة على الإطلاق.
وخلص العالم البريطاني إلى أنه على الرغم من استمتاعنا بمشاهدة استعار المجرة المضيئة، فإن ثقبها الأسود الذي يلتهم المجرات المجاورة سيكون قد أنهى مهمته خلال 100 مليون سنة من الآن. وهو ما يعني أن هذه المجرة ستفقد بريقها ليُسند لقب المجرة الأكثر إضاءة ولمعانا في الكون إلى مجرة أخرى.
المصدر : نيوزويك