لليمنيين مع الرسول الخاتم محمد صلى الله عليه وآله علاقة خاصة وعظيمة فقد كانوا أول من ناصره حين كفره قومه وحاربوه، وخاضوا معه إلى جانب ثلة من آل بيته الكرام وأصحابه الطاهرين معركة بدر الكبرى، وحين فتح مكه موطن رأسه اختار صلى الله عليه وآله وسلم العيش مع الأنصار الذين تتحدر أصولهم إلى اليمن.
وصف الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم الشعب اليمني بشعب الإيمان والحكمة، ووصف مجيئهم إليه مسلمين بالقول جاء نصر الله وجاء أهل اليمن هم أرق قلوبا وألين أفئدة، الإيمان يمان والحكمة يمانية، ونزل في وفادتهم على النبي قوله تعالى إذا جاء نصر الله والفتح .
يسجل التاريخ الإسلامي لليمنيين أنهم كانوا الشعب الوحيد الذي اختصه بمبعوث من آل بيته المشمولين بالكساء هو الإمام علي عليه السلام زوج ابنته فاطمة الزهراء عليها السلام، ولم يخلف اليمنيون ظن الرسول الأعظم فيهم فأمنت القبائل اليمنية بدعوة الإسلام وأضافت باحترام وتقدير كبيرين مبعوثه الإمام علي بن أبي طالب باب مدينة علمه كما وصفه النبي الخاتم.
في صنعاء لايزال المسجد الكبير يحمل عبق النبوة ويتفاخر اليمنيون بأن الرسول الأعظم محمد هو من أمر ببنائه وحدد مكانه، وكان الإمام علي ابن عمه وزوج ابنته هو من باشر البناء بين صخرتين تعرفان إلى اليوم في أعمدة المسجد بالمسمورة والمنقورة.
احتفظ اليمنيون بوفائهم للرسول محمد صلى الله عليه وآله، والتزموا إعلانه بغدير خم في اعتبار الإمام علي بن ابي طالب خليفته من بعده، وهو الموقف المشهود الذي جمع فيه رسول الله محمد أكثر من مائة ألف من المسلمين عقب حجة الوداع مخاطبا إياهم بعبارته المشهوره : " من كنت مولاه فهذا علي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه ".
وحين وقف معاوية متمردا باغيا على خلافة الإمام علي عليه السلام وجمع حوله من أهل الشام حديثي الإسلام استعان الإمام علي بأهل اليمن وفي وفائهم قال الإمام علي ولو كنت بوابا على باب جنة لقلت لهمدان ادخلوا بسلام.
ويسجل التاريخ كذلك أن التيارات والمذاهب المعرضة عن آل البيت الكرام والنهج المحمدي الأصيل لم تجد لها قبولا في اليمن على امتداد التاريخ الإسلامي ورغم امتلاك بعضها سطوة الدولة والمال، ويدلل على ذلك انحصار انتشار المذاهب الإسلامية على ثلاثة مذاهب في اليمن أو اتجاهات دينية هي المذهب الزيدي والمذهب الشافعي والحركة الصوفية وجميعها تتصل ببعضها في حب آل البيت والولاء لهم لما يمثلونه من ارتباط عضوي وفكري بالنهج المحمدي الأصيل الذي لا تشوبه شائبة.
لقد ظلت الاحتفالات المرتبطة بالرسول الأعظم محمد وآل بيته طقوسا شعبية حية وثابتة يحيها الشعب وتحترمها الحكومات رغم تنوعها السياسي فكان الاحتفال بالمولد النبوي الشريف يجري بخطين رسمي وشعبي، ويخلد العام 1978م القاء شاعر اليمن الكبير عبد الله البردوني قصيدته العصماء بشرى النبوة في الاحتفال الرسمي بالمولد النبوي الذي كانت تنظمه وزارة التربية والتعليم وتحضره قيادات الدولة، وقال في مطلعها ..
بشرى من الغيب ألقت في فم الغار وحيا و أفضت إلى الدنيا بأسرار
بشرى النبوّة طافت كالشذى سحرا و أعلنت في الربى ميلاد أنوار
إلى أن قال:
يا خاتم الرسل هذا يومك انبعثت ذكراه كالفجر في أحضان أنهار
نحن اليمانين يا " طه " تطير بنا إلى روابي العلا أرواح أنصار
إذا تذكّرت "عمّارا" و مبدأه فافخر بنا: إنّنا أحفاد "عمّار"
مع بداية المد الوهابي في العام 1980م برعاية وتشجيع أمريكي، خضع "نظام آل الأحمر" وكان على رأسه عميلها وفق الوثائق والمراسلات بين السفارة السعودية في صنعاء ووزارة الخارجية في الرياض علي عبد الله صالح ، للرغبة السعودية بالعمل على أضعاف العلاقة القائمة بين الشعب اليمني والإسلام المحمدي وما يتصل بآل البيت الكرام، فقدم الدعم السخي وفتحت المعاهد العلمية واستباحت الوهابية الساحة اليمنية على مصراعيها في محاولة لفض العلاقة الوطيدة بين اليمنيين والإسلام المحمدي الأصيل، وجرى تشويه كثير من الإرث الديني اليمني السمح والمشروع، وإلغاء بعض المحطات الدينية التي اعتاد اليمنيون احيائها كالمولد النبوي الشريف، باعتباره بدعة بدعة، وكان أن غيب الاحتفال رسميا لكنه شعبيا وأن تضاءلت مظاهره لكن الشعب بقي يحن إلى أيام كانت المناطق اليمنية تتزين لمقدمه ويجري تبادل التهاني بين الناس ..
ورسميا منذ العام 1980م اقتصر الاحتفال بالمولد النبوي كل عام على احتفالات مسجدية تقام في عواصم المحافظات انحصرت بمرور السنين في مسجد الشهداء بصنعاء، وإجازة للقطاع العام ألغيت فيما بعد.
مع انبلاج فجر ثورة الواحد والعشرين من سبتمبر في العام 2014م عاد إلى المدن اليمنية زخم الاحتفال والبهجة بالمولد النبوي الشريف، وعاد الشارع اليمني لأرث أجداده، في الاحتفال بميلاد الرسول الأعظم محمد صلى الله عليه وآله، ورغم دخول العدوان السعودي المدعوم أمريكيا على اليمن عامه الرابع، وسائل الاعلام اليمنية تغص بأخبار الاحتفالات النبوية في جميع المناطق.
في المدارس يقيم الأطفال احتفالات طلابية ويعبرون عن حبهم للرسول الأعظم محمد ولعودتهم إلى احياء طقوس دينية متجذرة طالما سمعوها من أجدادهم، وامتلئت نفوسهم غصة حين لم يعد بإمكانهم إحيائها قبيل ثورة 21 سبتمبر بشكل جلي وواضح.
ورغم تعمد العدوان الذي تتصدره السعودية قطع المشتقات النفطية ومادة الغاز عن السوق اليمنية في المحافظات المحررة، فإنه يتوقع أن يملاء ألاف اليمنين ساحات الاحتفال التي جرى الإعلان عنها، ويجددوا صمودهم في مواجهة العدوان على بلدهم، واستمرارهم في الوفاء للوصية المحمدية بالتمسك بالقران والعترة الطاهرة المرتبطان حتى يردا على الحوض كما قال بذلك الرسول محمد وهو لا ينطق عن الهوى.
في العام الماضي امتلاء ميدان السبعين، وسط العاصمة صنعاء بزخم بشري غير مسبوق حمل الإعلام الخضراء إلى جوار ساحتين أخريتين في صعدة والحديدة للاحتفال بالمولد النبوي الشريف، وهذا العام اللجنة المنظمة للاحتفال بالمولد النبوي الشريف تعلن عن افتتاح 8 ساحات لاستقبال الحشود القادمة للاحتفال بميلاد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، ما يعكس بجلاء أن الجهود السعودية على مدى أكثر من ثلاثة عقود لمسخ اليمنيين عن هوياتهم وصونهم للدين المحمدي الذي تخافه دول الاستكبار العالمي قد انهارت تماما، رغم اللجوء إلى البد العسكرية والحصار الاقتصادي المستمر منذ أربع سنوات.