وأوضح ظريف ان العقوبات الأميركية الأخيرة ضد إيران لم تحمل أي جديد وقد بدأنا بتلمس التبعات خلال الأشهر الستة الماضية أي منذ انسحاب أميركا من الاتفاق النووي”، مشيرا إلى ان “واشنطن تسعى لأن يتسبب الحظر بضغط الشارع الإيراني على حكومته لتغيّر سياستها، أو حتى تهديد النظام برمته”.
وقال ظريف إن “هناك حاجة للحفاظ على حياة الاتفاق النووي بهدف جني المكتسبات الاقتصادية بما يصب في مصلحة الإيرانيين”، مضيفا ان “الأوروبيون نفذوا تعهدات أعلنوا عنها أمام المحافل السياسية بجدية، ولم يكونوا يتوقعون موقفهم هذا بسبب العلاقات مع أميركا”.
واضاف “الأوروبيون تعرضوا لعراقيل في ساحة التنفيذ العملي، إلا اننا نعلم أن الحكومات الأوروبية ما زالت غير مستعدة لتنفيذ التعهد السياسي بالتزامن ودفع ثمن اقتصادي، ويرجح هؤلاء أن يحافظوا على الإنجازات دون ثمن أساساً. هذه السياسة لن تصب في مصلحة أوروبا على المدى البعيد، بل ستحمّلها ثمناً أكبر”.
وأكد ظريف ان اقتصاد إيران يمتلك القدرة على الاستمرار في التنمية والتطور، والعلاقات مع الدول الثانية أحد العوامل المسببة لذلك، فنحن لدينا قدرات داخلية، بشرية وطبيعية وعلمية وتقنية، وكلها تؤثر على مستقبل الاقتصاد”، مضيفا ان العلاقات الخارجية مهمة، لكنها ليست المسبب الوحيد لتطوير البنية الاقتصادية، وهذا ما يجعل إيران مختلفة عن دول إقليمية ثانية لا تستطيع الصمود من دون العلاقات مع الآخرين، وهذا لن يساعدنا على مواجهة العقوبات وحسب، بل تجاوزها أيضاً”.
وحول الاستثناءات والإعفاءات النفطية التي منحتها الإدارة الأميركية لثماني دول، قال ظريف إن “أميركا لا تستطيع تصفير عداد الصادرات النفطية الإيرانية، وهذا ما حصل وسيحصل، فلن تستطيع تخفيض معدلها بشكل كبير كذلك”، مؤكدا ان “لدى إيران القدرة على تصدير نفطها، والسوق العالمية تحتاجه، وستثبت البلاد للجميع أنها ستحضر بقوة في هذه السوق مستقبلاً”.
وفي ما يتعلق بمواجهة الضغوط الأميركية عبر وقف تزويد الطائرات الإيرانية بالوقود في لبنان وقبلها في تركيا، شدد ظريف على ان إيران لديها العديد من السبل لكي تستمر رحلاتها الجوية وستستخدمها، وهي التي جربناها سابقاً وسنكررها”، مؤكدا ان الأميركيون ليس لديهم القدرة على وقف رحلات إيران الجوية أو منع الحركة البحرية للناقلات الإيرانية.
وفي سؤال حول إمكانية اللجوء للالتفاف على العقوبات، قال ظريف : “سنلجأ لأساليب كثيرة، وليس فقط الالتفاف”.
ظريف أضاف ان إيران تتقاطع مع أوروبا في بعض الأمور وتختلف في أخرى، وفي الشق الإقليمي نؤمن بكوننا جزءاً من هذه المنطقة، وسياساتنا إزاءها منطقية وواقعية أكثر من تلك الغربية. وقال : ” لو عدنا للتاريخ سنجيب عن أسئلة كثيرة، فمن الذي دافع عن صدام حسين ومن ثم اضطر للوقوف بوجهه؟ من الذي دعم تنظيم “القاعدة” بوجه السوفييت واضطر لمحاربته؟ أي بلدان هي التي اعتبرت حركة “طالبان” جهة رسمية؟ أي دول هي التي قدمت مساعدات لـ”داعش” و”النصرة”؟ من الذي سجن رئيس وزراء بلد ثانٍ؟ وأي دول هي التي حاصرت قطر؟”.
وتابع ان إيران لعبت في المقابل دوراً إيجابياً في كل هذه الملفات، ومنعت السعودية، المدعومة من الغرب، من إنجاح حصار قطر مثلاً”، مؤكدا ان السياسة الإيرانية لم تؤد إلى إشكالات في المنطقة، بل هي سياسات أصدقاء أميركا والغرب”.
وفي ما يخص الشق العسكري، لفت ظريف إلى أن الموازنات العسكرية، متحدثا عن أرقام صادرة عن مؤسسات دولية، وقال إن “الإمارات اشترت أسلحة بـ22 مليار دولار والسعودية بـ67 مليار دولار ولديها صواريخ بمدى 2500 كيلومتر، في مقابل أن موازنة إيران العسكرية تتراوح بين 12 و16 ملياراً ومدى صواريخها لا يتجاوز الألفي كيلومتر”، واوضح أن أميركا حولت المنطقة إلى مخزن سلاح هو ذاته الموجه ضد اليمنيين، أليس هذا السلاح غربياً؟ من عليه تغيير سياساته هو الغرب وليس إيران”.
وفي ما يتعلق بفشل المشروع الأميركي المتمثل بتأسيس “ناتو عربي” ضد إيران، رأى ظريف ان هذه السياسات لا تصب في مصلحة الإقليم وأمنه، وقدمنا مقترحاتنا سابقاً من قبيل تشكيل مجمع الحوار الإقليمي وإجراء صيغ التعاون بين دول المنطقة”، وقال إن “عددا من الدول تسعى لشراء الأمن، ونحن من جهتنا نؤمن بأن الأمن لا يُشترى، وإنما يُصنع بيد القوى الإقليمية، كما أننا على قناعة بأن أميركا تريد نهب ثروات المنطقة، وثمن هذه السياسات التخريبية تدفعه دول المنطقة نفسها”.
وأضاف ان “أميركا والكيان الصهيوني تبذلان جهوداً منظّمة لإبعاد القضية الفلسطينية عن أنظار الجميع وقلب المعادلات، وهناك دول عربية تشجع على التطبيع اليوم، وتعبّد الطريق لمعاداة إيران، وعلى الأصدقاء في العالم العربي أن يمعنوا النظر جيداً في البوصلة التي يتحركون نحوها”.
وأكد ان “إيران مؤمنة بأن صفقة القرن لن تحصل، لأنها تتجاهل حقوق الفلسطينيين، وكثر هم من حاولوا المساومة على ذلك”.
وحول الموقف الإيراني تجاه زيارة الوفد الإسرائيلي إلى سلطنة عمان، قال ظريف إن “موقفنا واضح وننقله للأطراف العربية المجاورة من دون أي مجاملة وبلا تدخل في قراراتها”، مضيفا ان “الكيان الصهيوني يسعى لفرض سياسات وخلق عداوة بين إيران والدول العربية، ولن يتوقف عن ذلك، وعلى الدول العربية أن تتخذ قراراتها الأنسب”.
وقال : “لقد نقلنا وجهة نظرنا للأصدقاء في مسقط، والدول الجارة تعلم أن إيران غير موافقة على هذه السياسات التي لا تصب في مصلحة المنطقة، مضيفا ان سلطنة عمان بلد جار وشريك جيد واستراتيجي، لكننا لا نتدخل بعلاقاتها الخارجية، وهو ذاته ما ينطبق على تركيا وروسيا، إذ لدى هذين البلدين علاقات مع “إسرائيل” أيضاً.
وأكد ظريف ان “أي تفاوض مع واشنطن سيكون مشروطا باحترام متقابل، لا بالثقة المتبادلة، هذا الاحترام يبدأ من الطرف الآخر ومن التزامه بتعهداته، وفي أي وقت نلحظ فيه أن أميركا لبّت ذلك، ففي حينه من الممكن الحديث عن التفاوض، أما في الوقت الراهن فعلى ماذا سنتحاور؟ لقد تباحثنا لسنوات مع أميركا ووصلنا لنتيجة تلخصت بالاتفاق النووي، إلا أننا لا نضمن اليوم ألا تتخذ واشنطن الخطوة ذاتها وتقرر التخلي عن التزاماتها”.
وختم قائلا : “ليس لدينا أدنى مشكلة في إعادة العلاقات مع السعودية إلى سياق طبيعي، وهذا الأمر يتوقف على الرياض وعلى قراراتها وسلوكها الذي يتوجب عليها مراجعته بما يخفف من التوتر الإقليمي، هذه السياسة الموجهة لإيران ولسوريا وللعراق ولقطر واليمن، كلها تأتي من جهة السعودية وليس من قبلنا”.