سرّ رحيل عرفات يتوارى عاماً بعد آخر، وسط غياب الأخبار المتعلقة بمجريات التحقيقات، والتي كان آخرها في 10 نوفمبر 2016، حين قال عباس: إن "لجنة التحقيق قطعت شوطاً كبيراً".
لكن، على ما يبدو، "الوقت المحدد" في تقويم عباس لم يَحِن؛ فقد مرّ عامان على اعترافه بمعرفة هوية قاتل الرئيس الراحل، غير أن الباب ما زال موصداً أمام السر الذي دُفن معه قبل 14 عاماً.
عباس، الذي قال في ذكرى رحيل سلفه: "أعرف شخصياً مَن قتل ياسر عرفات (..)، وستندهشون (حين تعرفون) مَن قتله، وهذا سيُعلن في الوقت المحدد". لكن ذلك لم يحدث، ولم يُدهِش أبو مازن أحداً.
وتُوفّي عرفات في 11 نوفمبر 2004، بعد مرضه إثر تناوله وجبة قاء بعدها، وبناء على طلب سُها عرفات، تم استخراج رفاته عام 2012، وفحصه خبراء فرنسيون وسويسريون وروس.
آخر التصريحات جاءت على لسان رئيس لجنة التحقيق، توفيق الطيراوي، الذي قال: إن "مؤتمر الحركة (فتح) السابع، في 29 نوفمبر 2016، سيكشف عن أسماء القتلة".
وأضاف الطيراوي آنذاك، أن لجنة التحقيق الفلسطينية ستقدّم خلال المؤتمر تقريرها النهائي في ملف التحقيق بقتل عرفات، شاملاً أسماء المتورّطين في عملية القتل.
لكن وعود الرجلين، التي مضى عامان عليها، لم تتم، ولم يعلَن عن أي اسم، لا سيما أن محكمة فرنسية طالبت في رسالة وجهتها إلى السلطة، بالتعهّد بعدم الحكم بالإعدام على أي شخص قد يثبت ضلوعه في الجريمة.
إضافة إلى ذلك، فإن مصادر فلسطينية تحدّثت عن أن انضمام فلسطين إلى الشرطة الدولية "الإنتربول" يدخل في هذا الإطار، حيث سيتم طلب تسليم أشخاص بعينهم إلى السلطة.
لكن ذلك لم يحدث أيضاً، على الرغم من قبول "الإنتربول" عضوية فلسطين فيها، بتصويت 75 دولة مع القرار، ليستمر ملف قضية اغتيال عرفات مُغيَّباً، دون أي كشف حقيقي.
ولا تزال الأسباب الحقيقية لوفاة عرفات مبهمة، وشكّلت لغزاً كبيراً للفلسطينيين، خاصة بعد الكشف عن أنه مات "مسموماً"، حسب ما أكده عبد الله البشير، رئيس لجنة التحقيق الطبية.
وقال البشير، في مؤتمر صحفي عُقد سنة 2012، إن التحقيق كشف المادة السمّية التي قُتل بها، وإنه اتصل مع المختبر السويسري الذي كشف وجود مادة "البولونيوم 210" في ملابس أبو عمار.
لكن الخبراء المكلّفين من القضاة الفرنسيين استبعدوا مرّتين فرضية التسمم. وبينما قال الروس إن وفاته "موت طبيعي"، قال السويسريون: إن نتائجهم "تدعم فرضية التسمّم".
سُها عرفات، أرملة الرئيس الراحل، قالت إن وفاته اغتيال سياسي نفّذه شخص قريب منه، دون الإفصاح عن هويته.
لكن خبراء الطب الشرعي الفرنسيين خلصوا في 2013، إلى أنه لم يمُت مسموماً، وقال مكتب ممثل الادعاء: "طلبنا إغلاق القضية".
إغلاق الفرنسيين القضية بعد توصية الادعاء الفرنسي في 2015، دفع أرملة عرفات إلى الاستعانة بفريق آخر للتحقيق، إذ خلصت استشارتهم إلى أن زوجها مات مسموماً.
في مسألة الاتهام، قال الطيراوي: "إنه لا يمكن إلا أن تكون (إسرائيل) وراء تسميم عرفات"، لكنه لم يستبعد ضلوع أيادٍ فلسطينية (لم يحددها) في العملية.
وأضاف: "بدأنا بالحديث عندما ثارت هذه الضجّة الإعلامية (حول وفاة عرفات)، واضطررنا إلى أن نتكلّم بالشكل العام، لكن لا نستطيع أن نتحدث بأي تفاصيل، لأنها ستضرّ بالتحقيق".
من جانبه، أعلن ناصر القدوة، رئيس "مؤسسة ياسر عرفات"، أن عائلته تتهم "إسرائيل" بقتله بمادة "البولونيوم". وقال: "نوجه لها تهمة القتل، ونطالب بمحاكمة ومحاسبة دولية".
وقال: "كنا نشك في أن عرفات تُوفّي نتيجة التدهور المفاجئ بصحته، لكن ما عزّز شكوكنا هو تقرير المستشفى الفرنسي الذي عولج فيه، حيث يقول إن سبب الوفاة ليس الأمراض المعروفة لدينا".
وعلى صعيد آخر، فإن الاتهام الداخلي ينبع من قول الطيراوي، الذي لم يستبعد فيه ضلوع أيادٍ فلسطينية في حادثة اغتيال عرفات، وهو ما عززه تصريح أبو مازن بأنه يعرف اسم القاتل.