ويؤكد المسؤولون أن العراقيين باتوا يلجأون للعلاج في دول عديدة، أبرزها إيران والهند وتركيا والأردن ولبنان، وينفقون شهرياً ما بين 5 و6 ملايين دولار.
ويبلغ عدد العراقيين الذين يتلقون العلاج في هذه الدول إضافة إلى أوروبا، قرابة الأربعة آلاف عراقي، غالبيتهم يعانون أمراض السرطان والكلى، والتشوهات الولادية التي زادت بالبلاد منذ الاحتلال الأميركي للعراق عام 2003. إضافة إلى عمليات التجميل في لبنان وإيران، والتي تدرج ضمن خانة العلاجات الترفيهية.
كشف مسؤول عراقي رفيع في مكتب المفتش العام بوزارة الصحة ببغداد عن أن الوزارة تعاني من “تعفن كبير”، في إشارة إلى الفساد المالي والإداري الذي يضرب الوزارة منذ سنوات.
ووفقا للمسؤول ذاته فإن أداء المستشفيات في البلاد تراجع بنسبة كبيرة في زمن الوزيرة عديلة حمود التي طالب نواب بالبرلمان العراقي الجديد مؤخراً بمنع سفرها من البلاد لوجود ملفات فساد مالي وإهدار المال العام بحقها.
وأكد أن ارتفاع نسب الوفيات بين المواطنين في المستشفيات هو نتيجة رداءة العلاج، والبيئة غير الصحية وغير المعقمة بالمستشفيات، وتسيب الكوادر الطبية وهجرة الكفاءات منها، ما نزع آخر خيوط الثقة التي كانت بين الوزارة والمواطن ودفعه ذلك إلى البحث عن العلاج بالمستشفيات الخاصة أو خارج البلاد.
وأضاف “حالياً لا يزورنا إلا الفقراء كونهم لا قدرة لديهم على الذهاب للمستشفيات الخاصة أو العلاج خارج العراق”، مشيرا إلى أن التقرير الأخير التخميني الذي أعد بناء على التقارير الطبية التي تم تصديقها من وزارتي الخارجية والصحة، يؤكد أن ما لا يقل عن 4 آلاف عراقي يغادرون البلاد شهرياً للعلاج.
ويستفيد الأردن والهند من أغلب تلك الأموال المحولة من داخل العراق يليهما لبنان وإيران وتركيا.
ولفت المسؤول إلى أن العراق سجل فشلاً كبيراً بمجال محاربة السرطان وكذلك علاج أمراض الكلى والتشوهات الولادية والأمراض العصبية وهو ما زاد من معدل الإنفاق العلاجي خارج العراق، مشيراً إلى أن هذه الأرقام غير التي ترسلها الدولة على نفقتها الخاصة للعلاج كجرحى قوات الجيش والشرطة والحشد الشعبي.
ورغم أن مسؤولين عراقيين آخرين يتحدثون عن أرقام إنفاق أعلى من ذلك بكثير إلا أن مكتب المفتش العام بوزارة الصحة أكد لـ “العربي الجديد”، أن “ما بين 5 و6 ملايين دولار ينفقها العراقيون من أموالهم الخاصة للعلاج بالخارج وهو مبلغ كاف لبناء مستشفى كل ثلاثة أشهر، وبناء ثلاثة مراكز صحية للرعاية الأولية كل شهر بالعراق”.
عضو منظمة أمل لمحاربة السرطان محمد هاشم العقابي، قال لـ “العربي الجديد”، إن “عدد الذين يذهبون للعلاج خارج البلاد زاد إلى ثلاثة اضعاف في السنوات الأربع الماضية، ومعدل الإنفاق لكل مريض لا يقل عن 10 آلاف دولار”، مبينا أن كثيرا من المرضى وذويهم اضطروا لبيع ممتلكاتهم لقاء الذهاب إلى العلاج في الخارج.
وحول تلك الأرقام أكد الدكتور أوس فاضل الكرخي، الاستشاري في مركز علاج بالعاصمة الأردنية عمان، أن أغلب ضحايا السرطان ينفقون أموالهم على علاجات من المفترض ان توفرها أي دولة لمواطنيها. وشرح أن المرضى العراقيين يأتون خصوصاً من البصرة والفلوجة وبغداد إلى الأردن لتلقي العلاج.
وتابع “الأغرب أن العراقيين يسافرون إلى خارج العراق لكي يتعالجوا على يد أطباء عراقيين أيضًا، وهذا ليس غريبا فقط بل محزن كثيرا”.
من جانبه، قال رئيس منظمة الشفافية العراقية، فراس ناصر، في تصريحات صحافية، إن “الفساد ينخر القطاع الصحي العراقي بكل وضوح”. وشرح ان “هناك عمليات فساد كبيرة تبدأ من سرقة الأدوية أو استبدالها بأخرى منتهية الصلاحية، مروراً بسوء الخدمات المقدمة بالمستشفيات الحكومية وتفكك المنظومة الأخلاقية للتعامل مع المرضى، وانتهاءً باستشراء المحسوبية والحزبية في مفاصل الوزارة”.
الخبير الاقتصادي العراقي وعضو لجنة الجودة في سوق العراق للأوراق المالية محمد خميس
الكناني أوضح، أن الإنفاق العراقي الخاص على العلاج خارج البلاد أكثر من هذا الرقم بكثير، لكن لا يوجد إحصاء أو طريقة لدى السلطات المعنية لمعرفة كم يتسرب من العملة الصعبة من العراق إلى الخارج لقاء علاج المواطنين.
وأضاف أنه خلال عام 2017 أنفق العراق نحو 200 مليون دولار على علاج أفراد الجيش والشرطة والحشد الشعبي الذين أصيبوا خلال المعارك، في دول خارج العراق، وأنفق مبلغاً أكبر عام 2016.
أما المواطنون الجرحى ضحايا العمليات الإرهابية والأخطاء العسكرية فتعالجوا على نفقتهم الخاصة. ورأى أن “هذه المبالغ كانت كفيلة بأن تنهض بقطاع الصحة الذي ينخره الفساد المالي بشكل كبير في بغداد والمحافظات”.
وتابع “للعراقي الحق بإخراج 10 آلاف دولار من المطار والمنافذ، وله حق أن يحول 30 ألف دولار أخرى من مكاتب التحويل والبنوك وأعتقد أن هذه طريقة جيدة للبدء بقياس كم تخرج من أموال لقاء العلاج”. واتهم الوزيرة السابقة عديلة حمود بالتسبب في إيصال قطاع الصحة بالعراق إلى مرحلة الانهيار التام.