ومع ذلك، فإن اعتمادنا على التكنولوجيا في "رؤية" العالم الاجتماعي من حولنا يمكن أن يشكل عبئاً ثقيلاً علينا بعد فترة؛ حيث أفاد مركز بيو للأبحاث مؤخراً أن حوالي ربع البالغين يقولون إنهم "متاحون دوما" على الإنترنت. ويبدو أن التوتر والإدمان والاكتئاب والقلق المفرط عواقب غير مدهشة لاستخدام المنصات الاجتماعية التي غالبًا ما تكون مصممة لشغلنا بتكرار نفس الإجراءات والأفعال والتصرفات.
ومع ذلك، قد يجد العديد من الناس أن العيش دون اتصال أمر مقلق، أو ببساطة مستحيل. لذا أجرينا دراسة مصغرة مع 50 شخصا بدا وأنهم اعتزلوا التواصل الاجتماعي في بيئة الشاشة الذكية. لم يستخدم أي من هؤلاء وسائل التواصل الاجتماعي ولم يمتلكوا في الأساس هاتفا محمولا، ومعظمهم رفض حتى استخدام بريد إلكتروني
كان الهدف هو فهم الأسباب التي دفعت هؤلاء الأشخاص لإغلاق هواتفهم، وكيف تمكنوا من القيام بالأمر. لكن بدلاً من البحث عن حلول سريعة لفرط استخدام الأجهزة الذكية، آثرنا استكشاف المبادئ والقيم التي دفعت المشاركين إلى العيش بهذه الطريقة. كُتب الكثير بالفعل عن كيفية هجر الهواتف الذكية، إلا أننا لن نحرز تقدما دون الإحساس بعوائد هذه الخطوة.
وإليكم ما تعلّمه المشاركون في الدراسة:
1-قضاء الوقت مع الآخرين
يكمن جزء من مشكلة منصات التواصل الاجتماعي في أننا لا نستخدمها فقط للتواصل، بل أنها تروج لطريقة محددة لأن تكون متصلا وداعما لمن حولك. في النهاية، تجول هذه التفاعلات أرجاء المنصة لخلق البيانات التي تعود في النهاية إلى سماسرة البيانات والمسوقين. كان لدى المشاركين إيمان عميق وتعلق هائل بأساليب مختلفة للتواصل الاجتماعي، يركّز على التعبير والملامسة والمخاطبة ومشاركة المكان جسديا. بالنسبة إليهم، ساعدهم هذا في الحفاظ على الشعور بالترابط الإنساني والتواصل.
على الرغم من أن هذه المعرفة الأبطأ والأعمق للآخرين كانت موضع تقدير خاص لدى المشاركين، إلا أنهم اعتقدوا أيضًا أنها قد تكون مفيدة للمجتمع بشكل أوسع. ونظرًا لطبيعة الشبكات الاجتماعية المحمومة التي تبعث على القلق، يمكننا الاستفادة من التمهل والاستيعاب المتأني في كثير من الأحيان.
بالنسبة للعديد من الناس اليوم، تنبع الرغبة في أن يكونوا "متاحين دومًا" من الحاجة لتحقيق توازن والابتعاد عن مؤرقات الحياة اليومية. أما المشاركون في الدراسة، الذين لم يستخدموا الهواتف الذكية ووسائل التواصل الاجتماعي، ارتبط مفهوم قضاء الوقت مع الآخرين لديهم بشعور من الهدوء والغاية في الحياة.
2- التخلي عن الهاتف الذكي لا يعني تفويت الأحداث المهمة
تساءل المشاركون في دراستنا عن الناحية "الاجتماعية" في وسائل التواصل الاجتماعي: ما الذي يقوم عليه التواصل هناك، وما الذي نجنيه من الطريقة التي تقاس بها الأمور الاجتماعية على منصات الإنترنت - أكانت صداقة أو دعمًا أو تواصلا اجتماعيًا؟ بدل مئات "الأصدقاء" الافتراضيين، اختار هؤلاء دائمًا رؤية الأشخاص وجهاً لوجه ورعاية العلاقات التي ستُحيطهم بالدعم في الأوقات الصعبة.
قد يؤدي التوقف عن استخدام الهاتف الذكي في البداية إلى بعض القلق. لكن التخلي عن الهاتف الذكي أمر وتفويت ما يهم أمر آخر. عند إيقاف الاستعمال لأول مرة، قد تقضي المزيد من الوقت بصحبة نفسك. ومن هذه اللحظات قد يأتي إدراكك للمدى الذي يستهلكك به الحفاظ على المعارف عبر الإنترنت، ومدى سطوة هذا التبادل اللانهائي للمعلومات التافهة.
أولئك الذين يختارون الابتعاد لا يشعرون بالحزن أو الإقصاء. فبعد أن تخلصوا من الشاشة، فرّوا من التدفقات الهائلة من المعلومات والمهام، أصبح شعورهم العميق بالارتباط بالعالم، وأحبائهم، واضحا للعيان.
3-أن تكون لا أن تفعل
التدخل البصري من الشاشة المضيئة بعيد كل البعد عن الاسترخاء، إنه يقلل فرصك في النوم العميق.
كثير من أولئك الذين تخلوا عن الهاتف الذكي استمتعوا بحياة حيوية جديدة، لأنهم وجدوا وقتًا للاتصال بالعالم هنا والآن. وهذا أمر ضروري في المساعدة على الاسترخاء والانطلاق من جديد، لنكون أكثر استعدادا للأوقات العصيبة القادمة.
الوقت الذي نقضيه في الانتقال من محتوى لآخر عبر الشاشة قد يبدو خفيف الوطأة على الجسم والعقل. لكن التدخل البصري من الشاشة المضيئة بعيد كل البعد عن الاسترخاء. إنه يقلل فرصك في النوم العميق، سواء كان بجانبك أو كنت تمسكه لكي تغفو أثناء التصفح. وبما أن التأمل الواعي أصبح أكثر شعبية مؤخرا، فإن أفكاره الأساسية غالباً ما تكون محاصرة بالتكنولوجيا. على إنستغرام، مثلا، يتباهي المؤثرون الناجحون بقدراتهم في ممارسة اليوغا وتعزيز الجوانب الروحية. فتتحول تطبيقات تتبع اللياقة البدنية والبيانات الصحية وتطبيقات اليوغا دائمًا بين أفضل التطبيقات التي تم تنزيلها بواسطة مستخدمي الهواتف الذكية.
أخبرنا المشاركون في الدراسة أن علينا أن نكون أكثر حزما في استخدامنا للتطبيقات والبدء بترك هواتفنا. إن كان التأمل الواعي حالة تركيزٍ على الحاضر - توجيه الأفكار، والأحاسيس وهي تتسرب إلينا- إذًا ما حاجتنا إلى الشاشات؟ وإذا كان المطلوب هو التركيز على الحاضر - وتوجيه الأفكار والمشاعر والأحاسيس أثناء تدفقها من خلالنا - فما الفائدة من الشاشة؟ للمفارقة، فإن الاتصال المستمر ينجم عنه وقت راحة أقل، والفترات التي نتمكن فيها من التفكير بتدفق متواصل دون انقطاع تمنحنا ملاذا نفيسًا من متطلبات الحياة اليومية.
أولئك الذين اختاروا نمط الحياة هذا لم يفعلوا ذلك مناهضة للتواصل الاجتماعي. وإنما للتحكّم بمتى وكيف وأين يتصلون بالناس. ربما يصبحون جزءا من طليعة تفتح طرقا جديدة ليكون الناس أكثر سعادة، وأكثر راحة، بل واجتماعيين أكثر كذلك. بعد عشر سنوات من الآن، قد ننظر إلى الوراء إلى ظهور وسائل الإعلام الاجتماعية باعتبارها جزءا من نمو البشرية - زمن خلقت فيه الانقسامات الاجتماعية والقلق والأرق، وألحقت الضرر بصحة الكثيرين وسلامتهم النفسية - وحتى ذلك الحين، ربما يكون من الأفضل لنا أن نترك هواتفنا الذكية، أو على الأقل إيقاف تشغيلها المفرط.