ويهدد هذا الخوف بقاء لقب "خادم الحرمين الشريفين" الذي يُطلق على الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز، ويعني القائم على خدمة الحرمين الشريفين؛ المسجدين: الحرام في مكة المكرمة، والنبوي بالمدينة المنورة.
وأعرب حزب العدالة والتنمية التركي عن قلقه من عدم شعور المسلمين بالطمأنينة خلال أداء مواسم الحج والعمرة؛ نتيجة اغتيال الصحفي خاشقجي بالثاني من أكتوبر الماضي في قنصلية بلاده بمدينة إسطنبول التركية.
وقال نائب رئيس حزب العدالة والتنمية الحاكم، نعمان كورتلموش، في تصريحات صحفية، السبت (3 نوفمبر): "إن المسلمين سيشعرون بالقلق من التعرض لنفس مصير خاشقجي خلال الحج والعمرة".
وأضاف كورتلموش: "إذا بدأ المسلمون بالشك في أمن الحج فلن تبقى صفة خادم الحرمين (التي يحملها العاهل السعودي)، ولن يتم أداء الشعائر بطمأنينة".
فجريمة اغتيال خاشقجي، كما قال كورتلموش، "سيكون لها عواقب سياسية قد تتسبب بعزل السعودية، ولن تبقى كقضية جنائية".
وفي 20 أكتوبر الماضي أقرّت الرياض بمقتل خاشقجي داخل قنصليتها؛ على أثر ما قالت إنه "شجار"، وأعلنت توقيف 18 سعودياً للتحقيق معهم، لكنها لم تكشف عن مكان الجثة.
وقوبلت الرواية بتشكيك واسع، وتناقضت مع روايات أخرى سعودية غير رسمية تحدثت إحداها عن أن "فريقاً من 15 سعودياً تم إرسالهم للقاء خاشقجي وتخديره وخطفه، قبل أن يقتلوه خنفاً".
وإثر هذه القضية، باتت هناك الكثير من المخاوف، سواء من دخول أي قنصلية أو سفارة تابعة للسعودية في أي بلد، أو حتى من السفر إلى المملكة لأداء المناسك.
وما يعمّق هذه المخاوف غير قضية خاشقجي، حملة الاعتقالات التي شنتها السعودية ضد نشطاء وسياسيين وأمراء معارضين لسياسات ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، فبان من الصعب تخيّل ما يمكن أن يحدث لأي شخص معارض.
تصريح المسؤول التركي يبدو أنه تلويح جديد بتدويل الحج، أو يقترب من كونه كذلك، ما يعود بالذاكرة لسنوات من المطالبات بتدويله، ورفض سعودي كبير لذلك.
وتعود أسباب المطالبات بتدويل الحج لقضايا سياسية أو حقوقية، والفصل بهذه المطالبات يكون مرهوناً بإصرار الدولة التي تطالب بتدويل الحج ومدى متابعتها للقضية، وتمسك السعودية بحقها في إدارته وعدم منح هذا الحق لأحد.
ومن هذه الأسباب مثلاً: تحديد السعودية لأعداد معينة من كل دولة تستقبلهم للحج، وتمنع أحياناً بعض الأشخاص من أداء الفريضة نتيجة آرائهم السياسية أو الفكرية والمذهبية التي تتعارض معها.
فمثلاً منعت السعودية في العام 2012 البحريني علي المتغوي، وهو رجل دين معروف، كما تم منع الداعية الكويتي طارق سويدان بسبب آرائه السياسية وغيرهم كثيرون.
هذه التصرفات أدت لمطالبات بتدويل الحج، من منطلق أن السعودية لا تتيح ممارسة الشعائر الدينية بِحُريّة كما هو منصوص عليه في الشريعة الإسلامية، والمواثيق الملزمة بها.
أسباب أخرى أدت إلى مطالبات تدويل الحج، منها الحادثة التي وقعت في الحج عام 2015، وأودت بحياة المئات من حجاج بيت الله الحرام إثر تدافع الحجاج بمشعر منى، وحينها طالبت إيران بتدويل الحج وحمّلت السعودية مسؤولية مصرع هذا العدد الكبير من الحجاج.
كما طالب مسؤولون إيرانيون مراراً بـ"تولي إدارة إسلامية لائقة للحرمين الشريفين وشؤون الحج والعمرة، تشترك فيها كافة الدول الإسلامية"، منتقدين ما يعتبرونه "سوءاً في إدارة موسم الحج يساعد على تكرار الحوادث".
وفي العام 2018، بعد الأزمة الخليجية التي اندلعت إثر حصار السعودية والإمارات والبحرين ومصر في يونيو 2017، دولة قطر، ومقاطعتها براً وجواً، أثر ذلك على الحجاج أيضاً، إذ عرقلت المملكة حينها استقبال الحجاج القطريين.
واعترفت الرياض حينها بعدم وصول أي حاجٍّ قطري إلى الديار الحجازية، وقالت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية في قطر: إن "تواصلها مع وزارة الحجّ والعمرة بالسعودية، وتوضيحها جميع العراقيل التي تواجه المواطنين القطريين والمقيمين، لم يكن له أيّ أثر ملموس للقضاء عليها".
وجدَّدت الوزارة القطرية دعوتها للسلطات السعودية إلى النأي بالفرائض الدينية عن القرارات السياسية؛ "تعظيماً لشعائر الله وحفظاً لموقعهم الديني (في إدارة شؤون الحرمين والحج)".
ومنذ ذلك الحين حتى اليوم لم يفتح هذا الملف، ليعود إلى الصدارة في ظل استمرار قضية خاشقجي، وعدم معرفة من أمر بقتله وعقابه، ليبقى مصير الكثير من المعارضين مجهولاً في ظل سياسات السعودية.
ومن الأطروحات التي كانت مع تدويل الحج، أن يبقى تنسيق الحج بيد السعودية بشرط أن تتعهد بإصلاح الجانب الحقوقي لديها بما يتناسب مع الاتفاقات الدولية، وأن تبتعد عن تسييس الحج، أو أن يدير الحج لجنة مستقلة، أو دول إسلامية بالتناوب.