منذ اجراء الانتخابات البرلمانية الأخيرة، والعملية السياسية في العراق تشهد استغراق في المقدمات دون رسم خارطة طريق واضحة ومنتجة النتائج المرجوة. فنتائج الانتخابات استهلكت اكثر من ٥ أشهر للقبول بها والتصديق عليها وانعقاد البرلمان بموجبها. الانتخابات لم تفرز عن كتلة انتخابية اكبر ولم تنجح الكتل الانتخابية في تشكيل كتلة نيابية أكبر مما ساهم في تعقيد المشهد السياسي وتكريس حالة التشرذم الحزبي بينما ينتظر المواطن بصيص امل لتجاوز الخلافات الحزبية والاهتمام بتحسين حياته اليومية.
حالة الانسداد السياسي التي كانت ملحوظة، تشتت بمبادرة شجاعة باركتها المرجعية الدينية العليا او ساهمت في إنتاجها. تمثلت هذه المبادرة باقدام كتلتي سائرون (٥٤ مقعدا) والفتح (٤٨ مقعدا) على التوافق على مرشح مستقل هو عادل عبد المهدي وتفويضه اختيار وزرائه بحرية واستقلالية بشرط تحقيق النجاح في الاداء الحكومي يكون سقفه سنة كاملة تنتهي في صيف ٢٠١٩ حيث يشعل لهب الحر نار الغضب والثورة في صدور العراقيين.
يتخوف كثيرون، من ان نجاح عبد المهدي بصفته رئيس وزراء مستقل وحكومة بوجوه جديدة، قد تفسره الأحزاب النافذة بفشل اجندتها ورؤيتها باقتسام السلطة وفق معادلة المحاصصة وبالتالي، ستعمد الى وضع كل ما أوتيت من عصي في دواليب حكومة عبد المهدي لإجباره على الاستقالة لأن الرجل يصرح دائما، بانه بعمل بنصيحة والده بان يضع استقالته في جيبه لتجنب المساومة بفعل اغراءات المنصب او الكرسي.
لكن، هذا التجاذب المتوقع بين احزاب البرلمان وحكومة عبد المهدي قد يتحول الى نظام رقابي نيابي قاسي يعدل مسارات الحكومة ووزرائها ويمنعهم عن الانزلاق في مسارات خاطئة اعتادت عليها مفاصل مهمة في الوزارات ضمن نظام التقاليد والاعراف والموروثات الذي يهيمن عليه الفساد والمحسوبية وتفضيل الولاء الحزبي على التخصص والكفاءة.
هذا التجاذب وما قد يقتضيه من سجالات وصدامات، يتطلب من عبد المهدي المعروف باعتداله وتوازنه تكتيكات، واستراتيجيات ربما، لاحتواء ضغوطات الأحزاب النافذة وامتصاص موجات غضبها دون السماح بتطور المواجهة والمنازلة الى الصدام والانشغال بها عن أولويات حكومته في تعزيز الامن وتوفير الخدمات الاساسية وحل مشكلة المياه، وتحسين الاقتصاد، والقضاء على الفساد وتوفير فرص عمل بشكل متكافئ للمواطنين العراقيين.
حكومة عبد المهدي عبرت المانع الاول بحصولها على ثقة جزئية وستعبر المانع الثاني بالحصول على ثقة كاملة. وبعيدا عن ضغط الملفات الداخلية والمحلية، يتوقع من عبد المهدي من التصرف بحنكة وحكمة في السباحة الآمنة في بحر متلاطم من الأزمات والتدافعات والمحاور تغرق فيه منطقة الشرق الاوسط، وان يحجز للعراق موقعا يمكنه قوة معتدلة ومتوازنة تكسب ثقة القوى المتنافسة فيكون وسيطا لا طرفا، ومحتويا للخلافات لا غارقا فيها، ليكون العراق، بلد الحكمة والوفاق ولا مكان فيه للنفاق او الشقاق.
بقلم: احمد المقدادي