خلافٌ تتعدَّد رواياته من الجانبين. القاسم المشترك بينها هو العتب. يقول المستقبليون إن جنبلاط يتخطّى الحريري، ويعتبر الاشتراكيون أن «هناك أزمة ثقة في إدارة الحريري لمُجمل الملفات».
يوماً بعدَ آخر يتأكّد وجود توتّر في العلاقة بين رئيس الحكومة المكلّف سعد الحريري ورئيس الحزب الاشتراكي وليد جنبلاط. صفحة الخلافات التي فُتِحت منذ تأييد الأول قانون النسبية، وامتدّت الى مُفاوضات تأليف الحكومة، تبدو عصّية على الطيّ. المُناوشات المُتبادلة بينَ الرجلين مباشرة أو عبرَ وسطاء مادة يرويها مقرّبون من الطرفين، في إشارة إلى عُمق الأزمة.
من جهة يعتَب الحريري على جنبلاط متّهماً إياه بتخطّي الرئاسة الثالثة في ملف تأليف الحكومة. ومن جهة أخرى يُبادل الاشتراكيون هذه التهمة بتهمة أكبر: «الحريري صاحب وعود كاذبة، ما أنتج تراجعاً في الثقة بإدارته لكلّ الملفات».
وتكتمِل الرواية التي تؤكّد سلبية التعاطي. لم يعُد هناك وحدة حال حريريّة ـــ جنبلاطية. لا اتفاقات مُسبقة ولا تنسيق في الخطوات. بل تصلّب وإصرار على ما يعتبرِه كلّ منهما حقوقاً مشروعة في الحكومة. السيرة طويلة، بدأت حينَ عارضَ جنبلاط قانون النسبية الذي أجريت على أساسه الانتخابات النيابية الأخيرة. يذكُر الاشتراكيون كيفَ علا صوت «الزعيم» عشية الاستحقاق سائلاً من الشوف «سعد الحريري لوين رايِح»؟ حينها أراد النائب السابق لفت نظر رئيس تيار المُستقبل الى الخسارة المدوّية التي يسير اليها بقدميه، ويسير بجنبلاط إليها أيضاً، علماً بأن الأخير كان يعتبرها «معركة وجودية». عدم اكتراث الحريري لـ«صراخ» زعيم المختارة، لم يثن الأخير عن تسميته لرئاسة الحكومة الجديدة. جنبلاط براغماتي. يريد أن «يسيسِر أموره فلا يغرّد خارج سرب التسوية». «على الحامي» طالبَ جنبلاط بالمقاعد الدرزية الوزارية الثلاثة، وحقيبتي الصحّة والزراعة. كان الحريري مؤيداً وداعماً، ومُلتزماً بقوة ومدافعاً عمّا يريده «حليفه». لكنه بعد أسبوعين عاد وتراجع عن وعده بحجّة أن «حزب الله يريد وزارة الصحةمن حصّته، فأبلغ الوزير وائل أبو فاعور بذلك». قال له بالحرف «إذا كنتم تريدونها اذهبوا وتحدثوا الى الحزب». استشعر جنبلاط خطر فقدانه «الصحّة»، فأرسل ابنه تيمور والوزير السابق غازي العريضي الى رئيس مجلس النواب نبيه برّي الذي أكد أمام ضيفيه أن «الحزب ليسَ بوارد التخلّي عنها، نظراً إلى الحالة الشعبية، لا سيما في البقاع، وحرص الحزب على توليه وزارة خدماتية وازنة». عدم إمكانية التنازل عن «الصحة» من قبل حزب الله، دفعَ بجنبلاط مكرهاً إلى البحث عن بدائل، لا سيما أنه أحسّ بأن الحريري يُريد توريطه بمشكل مع الحزب هو في غنى عنه.
الرجل «محروق» يبحَث حقيبة خدماتية. البديل هو وزارتا التربية والزراعة. وصلت الرسالة مجدداً الى رئيس الحكومة عبر أبو فاعور. لم يُعارض ولم يسجّل أيّ ملاحظة. ثم وبعدَ أقل من أسبوع، استدعى الحريري النائب الاشتراكي من جديد. وقبلَ أن يعاود أبو فاعور المُطالبة بهاتين الحقيبتين، عاجله الحريري بالقول إنه «في حلّ من أي التزام مع حزب الله بشأن وزارة الصحة، لأن الأميركيين يضغطون عليّ». لم يأكل جنبلاط الطُّعم. رفض الحقيبة، لكنه فوجئ بنكسة أخرى: «رئيس الحكومة يُفاوض حزب القوات على التربية، ويبحث في إمكانية إعطاء الزراعة الى حزب الله أو التيار الوطني الحرّ، لأن وزير الخارجية يُريدها».
أخذ جنبلاط يرمي تغريداته الهجومية عن الحكومة. «الخطر يكبُر». توزير طلال أرسلان من جديد يعني خسارة كبيرة، لا يعوّضها سوى حقائب وازنة. لم يكُن يفهم على أي موجة سيحطّ، وبدا خائفاً على ثقل حضوره في الحكومة، فكان باب عين التينة هو الخيار من جديد. ذهب الى الرئيس برّي في زيارة سريعة، «اتفق معه خلالها على إدارة المعركة». ما إن سمع الحريري بالزيارة حتى انفجر غيظه راغباً في معرفة ما حصل. على ذمّة الاشتراكيين، «اتصل رئيس الحكومة بجنبلاط عارضاً أن يتناول العشاء عنده في كليمنصو، لكن البيك رفض». رفضٌ لحقه اجتماع بين الحريري وأبو فاعور «حصلت خلاله مناوشات، إذ رأى الحريري أن ما يُطلب منه غير محق»، وكرّر «سالفة وزارة الصحة والاستغناء عن التربية». على إثر اللقاء، بعث جنبلاط برسالة نصيّة الى الحريري عبر واتساب، «وصّف من خلالها الواقع كما هو، مؤكداً مطلبه بالحصول على وزارتي التربية والزراعة».