وستواجه الحكومة العراقية المقبلة إرثاً معقّداً خلفته الحكومات السابقة، وستكون في شرنقة المشكلات السابقة والراهنة والقادمة، لافتاً إلى أن أولى خطوات إخراج البلاد من عنق الزجاجة هو مكافحة الفساد الذي يعد أخطر وأكبر خطراً من الإرهاب.
ويتفق محلّلون أن القضاء على الفساد في العراق سيقضي على جميع المشكلات المعقدة الأخرى، مشددين على ضرورة أن تكون خطوات الحكومة المقبلة لإنجاز هذا الهدف، مبتكرة ومستفيدة من الخبرات الدولية، ومن أهمها أن تخضع الرؤوس الكبيرة لسلطة القانون، وأن تتخلى الكتل الكبيرة والأحزاب عمن ينتمي لها بعد أن تثبت إدانته بالفساد.
وهو الأمر الذي يتطلب وجود رئيس وزراء قوي مدعوم من الداخل والخارج على حد سواء، فضلاً عن ضرورة تطوير البنية القيمية للمجتمع ونظرته للفساد.
ووفق المحللين، فإنّ من الضروري الشروع بمنهج حكومي جديد يختلف كلياً، وحال أمكن استخدام هذا المنهج، فإن مهمة إخراج العراق من عنق الزجاجة سيكون ممكناً.
والمباحثات مستمرة لرئيس الوزراء العراقي المكلف عادل عبد المهدي مع الأطراف السياسية لتشكيل الحكومة المقبلة، وسط تساؤلات عن طبيعة تدخل الأحزاب الحاكمة في اختياراته، وفرض مرشحين معينين عليه لتسلّم حقائب وزارية.
ويسعى عادل عبد المهدي إلى تشكيل حكومة من خارج الأحزاب السياسية وعدم الرضوخ لضغوطها، ورفض أي مرشح تقدمه تلك الأحزاب، والاعتماد على كفاءات من خارج المنظومة السياسية.
واستطاع عبد المهدي الذي قدم استقالاته من عدة مناصب سابقة، ان يجعل تلك العملية ورقة ضغط على السياسيين، فيمكنه تقديم استقالته بكل سهولة في حال تعرّضه لضغوط شديدة من الأحزاب، بقبول مرشحيها لتسلم وزارات معيَّنة، وهو ما يجعل ذلك نقطة قوة لدى عبد المهدي، ونقطة ضعف للكتل السياسية، التي ستبحث عن مرشح توافقي تتوافر فيه صفات عبد المهدي، وهو صعب في ظل الوقت الراهن.
ويطالب العراقيون على الدوام عبر مواقع التواصل الاجتماعي والمنتديات العامة والتظاهرات الاحتجاجية بتعيين شخصيات مستقلة على رأس الوزارات، والابتعاد عن مرشحي الأحزاب الذين غالباً ما يخضعون لسطوتها وهيمنتها.
ويرى متابعون للشأن العراقي أن إعطاء الكتل السياسية الكبيرة تخويلاً لرئيس الوزراء المكلف عادل عبدالمهدي بتشكيل «حكومة تكنوقراط» من دون أي تدخل لا يعدو كونه، تمويهاً إعلامياً.
وأن الكتل كلها تسعى للحصول على حصتها من «الغنيمة» الوزارية، فيما نقلت مصادر برلمانية مقرّبة من غرفة عمليات عبدالمهدي أن الأخير سيقدم تشكيلته الوزارية يوم الثلاثاء المقبل، مشدّدة على ضرورة التزام رئيس الوزراء المكلف بالتوقيتات الدستورية لتشكيل الحكومة.
وفي السياق، توقعت النائبة زهرة البجاري أن يتم تقديم التشكيلة الوزارية من قِبل عبدالمهدي إلى البرلمان يوم الثلاثاء المقبل، كما توقع النائب والضابط السابق في الجيش العراقي كامل الدليمي أن يحصل مرشحو «نافذة عبدالمهدي» الإلكترونية على تصويت البرلمان.
وقال: «ربما سيقدم عبدالمهدي تشكيلة الصدمة إلى مجلس النواب، وإذا رفضتها الكتل فستتحمل المسؤولية أمام الشعب»، مبيناً أن الترشيح من خلال الكتل والأحزاب، يفرض على المرشح العمل تحت ظل الحزب وليس تحت ظل العراق ويتحول إلى «شخص فاسد».
إلا أن المرشح المستقل «التكنوقراط» سيواجه بالرفض من الكتل، التي تواصل مشاوراتها مع رئيس الوزراء المكلف، لكي تقدم هي مرشحين مهنيين، باعتبارهم «مستقلين»، ويختار هو من بينهم، ما يراه الأفضل، وهذا ما يرفضه عبدالمهدي، وكذلك الشارع العراقي، الذي فقد الثقة بخيارات الأحزاب، التي هيمنت على الساحة السياسية طيلة السنوات الـ15 الماضية.
ولحلّ إشكالية «السياسة والتكنوقراط» تذهب القوى الفائزة في الانتخابات إلى اقتراح آلية جديدة لتشكيل الحكومة لم تحدث سابقاً، وتضم بحسب القيادي في تيار الحكمة عبدالله الزيدي «ثلاث طرق لاختيار الوزراء، من ضمنها طريقة عبدالمهدي (النافذة الإلكترونية)، بالإضافة إلى مرشحي الكتل، والثالثة اختيار عبدالمهدي لشخصيات خارج النافذة يعتقد بأنهم صالحون للمهمة».
وتتحايل معظم القوى السياسية الآن للالتفاف على مشروع أن تكون الحكومة الجديدة حكومة كفاءات نزيهة وذات خبرة، فهي تضغط على رئيس الوزراء المكلّف للقبول بمرشحين عنها، وهذه ليست تسريبات وإنما معلومات تدعمها تصريحات ممثلين لبعض هذه القوى يردّدون كلمة حق يُراد بها باطل بشأن «التكنوقراط السياسي» الواجب ضمّه إلى حكومة عادل عبدالمهدي.
ويشير المحلل السياسي عدنان حسين إلى أن أفضل أسلوب يمكن أن ينتهجه عبدالمهدي مع الأحزاب ومرشحيها إلى الوزارات هو أن يُخضعهم للمعايير والمقاييس ذاتها التي سيختار على أساسها أعضاء حكومته من غير الحزبيين ممّن يعرفهم هو شخصياً.
ويطمئن إلى جدارتهم لتولي مناصب في حكومته، وسواهم من الذين تقدموا عبر النافذة الإلكترونية، أي أن يجمع مَنْ يعرفهم هو ومَنْ ترشحهم الأحزاب والمرشحين المُنتخبين من النافذة الإلكترونية في سلّة واحدة ثم تجري المقارنات والمفاضلات من أجل اختيار الأكفأ والأنزه والأكثر خبرة، بصرف النظر عمّا إذا كان حزبياً أو غير حزبي، وبهذا الأسلوب يستطيع أن يدافع عن اختياراته عندما يتقدم بتشكيلته الوزارية إلى البرلمان، وبذا يمكنه أن يُلقي بالكرة في مرمى الأحزاب بدلاً من أن يكون هو مرمى لكُرات الأحزاب.