ونشرت مجلة "نيوزويك" الأمريكية، السبت، مقابلة لها مع الكاتب السعودي جمال خاشقجي، أجرتها معه الصحفية رلى جبريل، قبل الإعلان عن اختفائه ومقتله لاحقا في قنصلية بلاده بإسطنبول، مشيرة إلى أن تمهلها بنشرها كان خوفا على حياته.
تقول الصحفية رلى جبريل، في تمهيد لكشف ما دار في الحوار مع خاشقجي، إن الأخير أخبرها أنه يخشى على حياته، وإنها تمهلت في نشر المقابلة بعد اختفائه خشية على مصيره؛ لا سيما أنه تحدث عن قضايا حساسة تتعلق ببلاده وولي العهد، محمد بن سلمان.
رلى أوضحت أن جمال خاشقجي في أثناء المقابلة "كان هادئا"، وقال: "أنا لا أرى نفسي كمعارض" للحكومة السعودية، مشيرة إلى أنه قال إنه كان يريد الإصلاح فقط، ويريد "الأفضل للمملكة العربية السعودية".
وأضافت، أن خاشقجي "اعترف كيف أنه حاول، دون جدوى، تقديم المشورة لولي العهد الشاب، محمد بن سلمان"، لكنه يرى في ولي العهد الشاب "زعيما عشائريا قديم الطراز".
وتابعت، إن خاشقجي تحدث حول ولي العهد قائلا: "أنت تتحداهم؛ قد ينتهي بك الأمر في السجن"، في إشارة إلى ولي العهد والحاشية الحاكمة.
وردا على سؤال حول محادثة جرت بين محمد بن سلمان ورئيس أساقفة كانتربري، سأل الأخير، "إذا كنت تريد حقا أن ينظر إليك على أنك إصلاحي فلماذا لا تسمح للأقليات بفتح أماكن العبادة الخاصة بهم، مثل الكنيسة المسيحية أو شيء من هذا؟"، وكان جواب بن سلمان: "لا يمكن أن أسمح بذلك، هذا هو المكان المقدس للإسلام ويجب أن يبقى كذلك".
وعلق خاشقجي، "إذن هذا تناقض مع فكرة أنه لا توجد وهابية؛ لأنه في الإسلام التاريخي نعلم أن هناك أماكن عبادة للآخرين، اليهود سمح لهم بالعبادة، تم السماح للمسيحيين بالعبادة".
وتابع يقول، "أنا متأكد من أن الوهابيين المتشددين ليسوا سعداء بذلك، السينما، الترفيه، الموسيقى، حجاب المرأة، لذا فهو يعالج القضايا المتعلقة بالناس، المستوى الاجتماعي للشعب".
وشدد خاشقجي على أهمية "تنوّع مدرسة فكر الإسلام والقضاء"، مؤكدا أن بن سلمان في حال "فعل هذين الاثنين فهو مصلح حقيقي".
نصائح خاشقجي
وحول سؤال عن اعتقال الأمراء وحبسهم في فندق الريتز كارلتون، ولماذا لم يقدم بن سلمان الأدلة المقنعة للجمهور، ذكر خاشقجي أن الأخير "لا يرى حاجة لذلك"، واصفا إياه بأنه "زعيم قبلي قديم الطراز"، مستطردا بالقول، "انظر إلى القضاء الكويتي الذي يشبه دول الخليج (الفارسي)، المجتمع هناك قريب جدا من المجتمع السعودي، لكن القضاء الكويتي أكثر تقدما وشفافية من القضاء السعودي".
وراح يتساءل، "لماذا لا يرى محمد بن سلمان ذلك الجزء من الإصلاح؟ لأنه سيحد من حكمه الاستبدادي، وهو لا يريد ذلك، لا يرى الحاجة لذلك؛ لذلك أشعر أحيانا أنه يريد الاستمتاع بثمار عالم الحداثة الأولى، ووادي السليكون، ودور السينما، وكل شيء، ولكنه في الوقت نفسه يريد أيضا أن يحكم مثلما حكم جده المملكة العربية السعودية"، مشددا بالقول، "هذا غير ممكن، لا يمكن استخدام الطريقتين في الحكم".
ووفقا لخاشقجي، فإن الأمور في المملكة "تسير على نحو خاطئ"، مبينا أن بن سلمان "مؤمن جدا بنفسه، ولا يؤمن بأي شخص آخر، وليس لديه مستشارون مناسبون".
وحول سؤال لرلى جبريل عما إذا طلب بن سلمان نصيحته، رد خاشقجي، "سوف أقبل ذلك بالطبع؛ فأنا أريد أن تحقق المملكة العربية السعودية الأفضل دائما، لا أرى نفسي كمعارض، أنا لا أدعو للإطاحة بالنظام؛ لأنني أعرف أنه غير ممكن ومحفوف بالمخاطر، ولا يوجد أحد يدعو للإطاحة بالنظام، أنا فقط أدعو لإصلاح النظام".
وأضاف، "سأقول له أن يتوقف عن التخطيط لمشاريع الفيل الأبيض هذه، وأن ينظر إلى المناطق الفقيرة في جدة والرياض، وأن ينظر إلى الفقراء؛ لأن هؤلاء الناس المساكين يريدون وظائف، يريدون حياة أفضل ولا يمتلكونها".
وتابع، أنه "سيقول لولي العهد بأنه مسؤول عن مصالح هؤلاء الناس الفقراء، وهم الأشخاص الذين سيتحركون ضدك أو الذين سيخرجون إلى الشوارع إذا أخفقت معهم"، "انظر إلى المناطق الفقيرة، انظر إلى الاقتصاد، يجب تغيير المجتمع السعودي إلى مجتمع منتج".
واستطرد قائلا، "ونصيحتي الثانية، الكف عن محاربة الطرق التاريخية لتغيير الشرق الأوسط، الربيع العربي ظاهرة حقيقية يجب احتضانه، واحتضان التطلع إلى حرية شعب مصر وسوريا واليمن".
خاشقجي يعتقد أن السعوديين غير موافقين على ما يجري من إهدار ولي العهد للمال على مشاريع عملاقة وصفها بأنها "خانقة (..) نحن شعب المملكة العربية السعودية لا نملك القوة أو التأثير لنقول، يا صاحب السمو لا تهدروا بلايين الدولارات في هذه المشاريع العملاقة".
وقال، إن بن سلمان "يريد انتصارا في اليمن سيقضي على الحوثي"، لكن بحسب اعتقاد الكاتب السعودي فإنه "من المستحيل فعل ذلك"، مشيرا إلى أن السبب متعلق "بأنه حكم رجل واحد، ولا يمكن لأحد أن يقول له، يا صاحب السمو هذه السياسة خاطئة، عليك أن تجد حلا بديلا لليمن".
الأزمة الخليجية
وحول الأزمة الخليجية وموقف بن سلمان من قطر، بين خاشقجي أن "هناك علامة أساسية في استراتيجيات محمد بن سلمان؛ فبقدر ما هو قلق من إيران فهو قلق من الإسلام السياسي ومن الإخوان المسلمين، ومن قوى الربيع العربي، يرى كلاهما بمنزلة تهديد له".
وذكر أن بن سلمان "ينظر إلى قطر على أنها شريان الحياة للربيع العربي والإسلام السياسي، وهو يريد من القطريين أن ينفصلوا عن دعمهم للربيع العربي والإسلام السياسي في قناة الجزيرة، وفي التمويل، هذا هو ما يريده، إذا أصبحت قطر بحرين أخرى، وتخلت كلية عن الإسلام السياسي والربيع العربي، وانقلبت عليهم، فسيتم الترحيب بهم في بيت محمد بن سلمان".
ويرى أن بن سلمان ومحمد بن زايد (ولي عهد أبوظبي) يعتقدان أنهما خنقا قوى الربيع العربي، والمتنفس الوحيد لهذه القوى هي قطر؛ لذا فهم يريدون إغلاق مساحة التنفس هذه، بحسب ما نقل عن خاشقجي.
وحول المستشارين؛ سعود القحطاني وتركي الشيخ، قال خاشقجي: "إنهم سيئون جدا، الناس يخافون منهم، أنت تتحداهم، قد ينتهي بك الأمر في السجن، وقد حدث ذلك، يتولى تركي آل الشيخ مسؤولية الرياضة، ويقال إن لديه بضعة مليارات تحت تصرفه للإنفاق على الرياضة وإشباع الشباب، جاء تركي، وكان في قوة الشرطة ولا أعرف كيف أصبح قريبا جدا من محمد بن سلمان".
وتابع: "كان القحطاني المسؤول الإعلامي في البلاط الملكي، وقت الملك عبد الله، كان صديقا لي وكنت أعرفه جيدا، كان الوصل بين المحكمة الملكية والإعلام في وقتي، الآن أصبح الرجل الأكثر أهمية في وسائل الإعلام، إنه الشخص الذي يقود ذراع السيطرة السعودية، وهو الشخص الذي يتحكم في العلاقات العامة والإعلام".