سأل الملائكة لماذا لم يحترق جسمي دون هؤلاء؟
قالوا له: أتتذكر ذلك اليوم الذي كنت تنتظر زوار الإمام الحسين عليه السلام؟
- قال: نعم، أتذكر. قد نصبت كِميناً لكي أقتلهم، لكن أخذني النوم، ولم أتوفق لذلك.
قالوا له: أتتذكر عندما قمت مِن النوم، وكان قد ترسبت التراب على جسمك؟
- قال: نعم، أتذكر.
قالوا له: عدم إحتراق جسمك بالنار هو ذلك التراب؛ لأنّه كان ذلك تراب من تراب أقدام زوّار الإمام الحسين عليه السلام.
هذا كانت الرؤيا التي رآها الشاعر جمال الدين علي بن عبدالعزيز الخليعي الموصلي الذي كان مِن أبوان ناصبيان يبغضان أهل البيت عليهم السلام، ولم يكن لهما ولد ذكر، فنذرت أمّه، إن وُلد لها ذكر فإنّها سترسله لقتل زوار الإمام الحسين عليه السلام!
وبعد فترة من الزمن رُزقا بولدٍ ذكرٍ وهو الشاعر الخليعي نفسه الذي قامت أمّه تُربيه على بغض أهل البيت عليهم السلام. ولما نشأ، وترعرع في أحضانهما، وبلغ رشده، أرادت الأمّ أن تفي بنذرها، فعرّفت ابنها البُغض والكراهية، وشحنته بغضاً لزوار الحسين عليه السلام وبعثته على ما نذرت من قطع الطريق على زواره عليه السلام وسلبهم، بل وقتلهم! وبالفعل ذهب الولد لكي يفي بنذر أمّه!
توجه إلى الطريق المؤدي الى كربلاء، وبدأ ينتظر قدوم قوافل الزوار، وفي أثناء انتظاره لهم أعياه السفر، وأجهده النظر، حتى جاءه الكرى، واستسلم للنوم في طريق القوافل، فمرت إلى جانبه قافلة كانت تحمل زوار الإمام الحسين عليه السلام، ولكنه لم يستيقظ من نومه، حتى مضت هذه القافلة، وترسب غبارها على وجهه ولحيته وبدنه!
استيقظ الشاعر الخليعي منزعجاً من فوت الفرصة، وعاد أدراجه خائباً؛ لأنّه لم يستطع الوفاء بنذر أمّه في ذلك اليوم، ولكنّه كان عازماً على أن يعود في اليوم التالي لإكمال المهمة! لكن الله شاء أن يهديه ويبصره بطريق الحق ليصبح من أكبر شعراء أهل البيت عليهم السلام الموالين لهم في ذلك العصر.
فقد رأى الشاعر الخليعي في عالم الرؤيا والمنام رؤية قد أهالته ... كأنّ القيامة قد قامت، وجاء دوره للحساب، وأمر به إلى النار؛ لأنّه كان من المبغضين لأهل البيت عليهم السلام ومن الذين أرادوا قطع طريق زيارة سيّد الشهداء عليه السلام، ولكنّ أمراً حال دون أن يدخل النار، ولم يكن الشاعر الخليعي متوقعاً له، إذ رأى أنّ النار لا تحرقه؛ لأنّ على بدنه غبار من الغبار المثار من قافلة زوار سيد الشهداء الحسين (ع)، فكان ذلك بمثابة حاجز يمنع النار من لمس بدنه!!
انتبه الشاعر من رقدته، وإذا به قد دبّت روح الهداية في قلبه وضميره ووجدانه، وأجهش بالبكاء نادماً على ما مضى، وقرّر أن يمتنع عن نيته السيئة التي جاء من أجلها، حيث أدركته الهداية الإلهية ببركة الإمام الحسين عليه السلام وزواره، واهتدى، وعَدَل عمّا كان عليه، وذهب إلى كربلاء خلف الزائرين يعتذر من سيّد الشهداء عليه السلام مؤمناً بولاء عليٍ وأولاده المعصومين النجباء عليهم الصلاة والسلام ..
ثم نظّم مضمون رؤياه في بيتين من الشعر حيث قال:
إذا شئت النجاة فزر حسينا .......... لكي تلقى الإله قرير عين
فإن النار ليس تمس جسماً .......... عليـه غبار زوار الحسين
المصدر:موقع ريحانة