وغادر القس الأمريكي أندرو برانسون مساء أمس الجمعة، 12أكتوبر/ تشرين الأول، العاصمة التركية أنقرة، متوجها إلى ألمانيا عقب إطلاق القضاء التركي سراحه بعد محاكمته بتهم "التجسس وارتكاب جرائم باسم منظمات إرهابية"، تمهيدا لعودته إلى بلاده في غضون يومين.
وأشار الخبير في الشؤون الاستراتيجية والأمنية الدكتور حكيم غريب، إلى أن تركيا تحركت بسرعة للاستفادة من حاجة الولايات المتحدة إلى معلومات بشأن اختفاء الصحفي السعودي جمال خاشقجي، وأطلقت سراح القس أندرو برانسون المحتجز لديها بتهمة الإرهاب، لتضرب عصفورين بحجر واحد، وتعوض خسائرها الاقتصادية التالية لقرار ترامب بفرض عقوبات عليها، وخسائرها المتوقعة من قطع علاقتها الاقتصادية مع السعودية المتوقع خلال الساعات المقبلة، في حال تقديم تركيا دليلا على تورط السعودية في مقتل خاشقجي.
وأوضح المسؤول الأمني السابق لـ"سبوتنيك" أن قرار محكمة الجنايات التركية الصادر أمس الجمعة، بإطلاق سراح برانسون، هو خطوة سياسية، خاصة أن تهمة "دعم منظمة إرهابية" التي وجهها القضاء للقس الأمريكي تصل عقوبتها إلى السجن 35 عاما، خصوصا إذا كان المتهمون من المقربين من الداعية فتح الله غولن الموجود بالولايات المتحدة كما في حالة برانسون، لافتا إلى أن المحكمة التركية اكتفت بفترة السنتين التي قضاها القس في السجن، تحت الإقامة الجبرية، وهو ما من شأنه أن يحل لأردوغان جميع مشاكله الاقتصادية والسياسية الأخيرة، بحسب المسؤول السابق في الأمن الوطني الجزائري.
وحدد غريب فوائد تركيا من الإفراج عن القس الأمريكي؛ في: أولا، استثمار قضية اختفاء الصحفي السعودي خاشقجي في السفارة السعودية بأنقرة، في تأدية دور المحب والمدافع عن حقوق الإنسان، ليس فقط أمام الولايات المتحدة الامريكية، وإنما أمام المجتمع الدولي ككل، لافتا إلى أن جهود تركيا في كشف مصير خاشقجي يعطيها سمعة جيدة ويحسن من صورتها في ملف حقوق الانسان، خصوصا بعد أن تلقت انتقادات حقوقية لاذعة في الفترة الأخيرة، بسبب اتهامات لها بسجن صحفيين، فضلا عن تأثيرها على الداخل التركي في تعزيز انطباع بأن أردوغان منقذ تركيا و حامي المواطن المسلم.
والفائدة الثانية والأبرز لتركيا، بحسب الخبير الاستراتيجي، هي كسب الود الأمريكي، بما يمهد لرفع العقوبات الاقتصادية الأمريكية عن تركيا، مشيرا إلى أن دخول الولايات المتحدة بقوة في قضية اختفاء خاشقجي، وتلويحها بفرض عقوبات على المسؤولين عن عملية الاختفاء، بحسب قانون "ماغنيتسكي" لحقوق الإنسان، يمهد لقطع السعودية وبعض دول الخليج لعلاقتهم الاقتصادية مع تركيا، خصوصا في ظل تأكيد تركيا على كشف جميع ملابسات قضية خاشقجي، ومن ثم فعودة العلاقات التركية الأمريكية هو السبيل الوحيد لأردوغان لإنقاذه اقتصاد بلاده المتعثر، خصوصا في ظل "هشاشة العلاقات التركية مع روسيا"، وتعقد علاقة أنقرة مع الاتحاد الأوروبي من ناحية أخرى.
وأكد الخبير الأمني والاستراتيجي الجزائري أن تركيا ستسعى خلال الأيام المقبلة لكسب الود الأمريكي وتحاشى المزيد من توتر العلاقات مع واشنطن لاعتبارات اقتصادية وعسكرية خصوصا في الملف السوري، لأنها معرضة لخسارة السعودية وهي أكبر المستثمرين، لافتا إلى أن تركيا تعمل الآن على استثمار الغموض المحيط بقضية خاشقجي، وربما تتعمد تأخير كشف ما تحوزه من معطيات عن القضية، انتظارا للحظة المواتية لبيع الملف إلى واشنطن.
المصدر: سبوتنيك