كنا نغطي سويا وقائع الحرب بين الشمال والجنوب والتي أفضت الى فرض الوحدة على اليمن بقيادة علي عبدالله صالح وهزيمة الحزب الاشتراكي العريق أمام المؤتمر الشعبي العام والتجمع اليمني للإصلاح الإسلامي. أذكر من ذاك اللقاء أمرين:
أولهما أن جمال لم يكن يستطيع الخروج بجلبابه السعودي خشية غضبة اليمنيين، وثانيهما أنه لم يكن يجامل بل كان صادقا ومباشرا في حديثه ذي الصوت الجهوري وكان أقرب الى الإسلاميين منه الى اليسار او العلمانيين.
ثم تواصلنا سويا في السنوات اللاحقة بعض المرات القليلة، والتقينا في مناسبات سياسية وكان بيننا ود واحترام. وكانت آخر مشاركة لنا في برنامج إذاعي عبر إذاعة مونت كارلو الدولية في برنامج خليجي للزميلة الدكتورة ايمان الحمود قبل عامين، وبقي الود قائما بيننا رغم اختلاف الرأيين بشأن مصير سوريا، فهو كان يعتقد بقرب ووجوب سقوط النظام السوري ورحيل الرئيس بشار الأسد، وأنا كنت أرى ان هذا مستحيل لأسباب موضوعية. ثم ان الزميل السعودي رفع أكثر من غيره شعار محاربة إيران و” تقليم أظافرها” كما كان يقول من اليمن الى العراق فسوريا ولبنان.
في ١٥ تشرين الثاني ٢٠١٧، كنت أًعدُّ حلقة من ” لعبة الأمم” حول السعودية وخطة ولي عهدها الأمير محمد بن سلمان، وطلبت من مديرة انتاج البرنامج الزميلة تيما عيسى التواصل مع الزميل جمال خاشقجي كي يكون أحد ضيوفي لشرح ما يريده الأمير من وجهة نظر سعودية، فاعتذر وأجاب برسالة عبر الواتساب تقول: ” أعتذر اختي الكريمة، لا أشارك أبداً في قناة تؤيد بشار الأسد، سلامي للزميل سامي”. فهو بقي حتى الأمس القريب على موقفه حيال سوريا رغم تغيير كل الرياح بما فيها رياح السعودية.
الواقع أن الزميل جمال خاشقجي، قدّم أكثر من مرة قراءاته للعديد من القضايا الخلافية في المنطقة، وكان صريحا ومباشرا في مقاربته، أصاب في بعضها وأخطا في بعضها الآخر. وهو قدم أكثر من مرة أيضا نقدا ذاتيا لنفسه، خصوصا في ما يتعلق بتركيا وبتجربة الإسلاميين في المنطقة الذين دعمهم ثم لامهم، ولم يتوان في الفترة الأخيرة عن توجيه انتقادات مباشرة أو مبطنة للسياسة السعودية الحالية والتضييق على الحريات الإعلامية والسياسية رغم تأييده غير مرة لرؤية محمد بن سلمان للمستقبل، وكانت الصحف الأميركية تنقل عنه او تفتح له صفحاتها للتعبير عن وجهة نظره وتحترمه كأحد أبرز الإعلاميين السعوديين، وهو قال لبعضها أنه مهدد بالقتل وفق ما نقلت عنه الصحفية روبن رايت في دورية نيويوركر.
حين اختفى جمال خاشقجي بعد دخوله الى قنصلية السعودية في تركيا، انتابني شعور بأن ثمة مكروها قد أصابه، وتمنيت أن لا يكون كذلك، وكتبت هذا التمني يوم اختفائه على صفحتي ” تويتر”. ومنذ أيام اتابع كل ما يقال حول هذه القضية، أولا لأني عرفت الرجل عن قرب وانا أكره قتل أي انسان فكيف اذا كان هذا الانسان زميلا اعلاميا، وثانيا لأني بطبعي أشكك بالروايات الأولى وأحاول البحث عن الحقيقة خلف الكلام الاعلامي. وأريد اليوم أن أطرح ٫الأسئلة التالية :
• لماذا جاء جمال خاشقجي الى قنصلية بلاده في تركيا طالما ان ثمة قنصليات سعودية في أميركا حيث يقيم. فهو ليس غبيا لكي يغامر. هل غرر به جهاز مخابرات عالمي او تركي بالتعاون مع السعودية بغض النظر عن رأي الرئيس رجب طيب اردوغان؟
• لماذا اختفى في الفترة نفسها التي أثار ترامب عاصفة هوجاء بتصريحه الوقح الذي قال فيه ان على السعودية ان تدفع المال والا فان الملك لن يبق أكثر من أسبوعين؟ ف خبر جمال طغى على الخبر الأول.
• اذا ما صحت عملية قتله داخل القنصلية، فهل قُتل عمدا أم حصل شيء ما في خلال التحقيق ؟
• لماذا يصمت الرئيس الأميركي حتى الآن عن القضية وهو المعروف بسرعة وكثرة تعليقاته على تويتر، فهذه قضية كان يمكنه استخدامها لرفع مستوى ابتزاز السعودية؟ هل ثمة جهاز أميركي وافق على اقناع الخاشقجي بالذهاب الى تركيا، أم ان ترامب ينتظر لحظة الانقضاض؟
• هل تحتاج السعودية فعلا لأن تقتل جمال الخاشقجي في قنصليتها في تركيا وهي التي تدرك ان ألرئيس رجب طيب أردوغان الذي لا تربطه علاقة ود معها سيستغل هذه القضية الى أقصاها للضغط بغية كشف ما حصل.
• من هي فعلا السيدة التي قيل انها خطيبة جمال الخاشقجي الباحثة في الشأن العماني، لماذا يقال انها ليست خطيبته وان لها دورا ما ؟
• كل الفرضيات والتحليلات تقول اليوم ان جمال اختفى في القنصلية وانه على الأرجح قُتل فيها، اذا كان قد قُتل عمدا من قبل جهاز سعودي كما يتردد فهذه ستكون أغبى عملية قتل ترتكبها دولة بحق أحد مواطنيها في لحظة تسليط كل الأضواء عليها، وهي بدلا من أن تُخيف معارضين آخرين، فانها ستفتح أبواب جهنم الانتقادات عليها، وقد بدأت أصوات كثيرة في الكونغرس الاميركي من الحزبين الجمهوري والديمقراطي تطالب باتخاذ مواقف حازمة ووقف تصدير السلاح ومعاقبة الرياض …. لعل قتل جمال اذا تأكد سيكون أخطر قضية ستواجه الأمير محمد بن سلمان قبل وصوله الى العرش..
• وهنا أريد أن أطرح بضع أسئلة اخرى ؟
ـ هل احتمال عدم قتل جمال خاشقجي لا يزال واردا وقد تحصل مفاجأة؟
– هل كان ان قتل جمال خاشقجي ( في حال تأكد) كان بسبب معارضته وبعض مواقفه مؤخرا أم لأنه يملك معلومات دقيقة أخرى كان سيفصح عنها؟
– لماذا لم يطلب اللجوء السياسي طالما أنه مهدد بدل تسليم رقبته للسعودية ؟
– عن أي طريق تم تهريب جثته اذا كان قد قُتل، وهل تعاون جهاز ما في المنطقة مع السعودية أم لا ؟
– هل يحق لنا أن نفكر باحتمال آخر غير ان السعودية قتلته. وان يكون جهاز ما ورطها ؟؟
– اذا كانت السعودية قتلته، هل سيأتي من يطالب بمحكمة عدل دولية على غرار ما حصل بعد اغتيال رئيس الحكومة اللبنانية رفيق الحريري؟
– هل أن الذين يقفون اليوم رافضين لهذا الاغتيال ( في حال حصوله) ذكروا مرة واحدة اغتيالات أخرى نفذها حلفاؤهم ضد اعلاميين مرموقين، أم أن المواقف تنطلق ايضا من محسوبيات شخصية وتبعيات عمياء .
– هل علينا نحن الإعلاميين، أن نصمت أو نفرح أو نغضب انطلاقا من علاقتنا بجمال خاشقجي، أم أنه حان الوقت للقفز فوق خلافاتنا البغيضة وفوق دواعش الاعلام، والقول ان في الأمر اغتيال زميل صحافي وان هذا مرفوض رفضا تاما بغض النظر عن توافقنا او خلافنا معه؟ فبغير ذلك نكون نحن أيضا نساهم باغتيال المهنة وليس فقط باغتيال ذكرى اعلامي معروف.
هذه مجرد أسئلة، في سياق الحفاظ على أخلاق المهنة قبل كل شيء ….واذا كان جمال خاشقجي قد قُتل فرحمة الله عليه، وسوف يحزنني الأمر حتى ولو أني خالفته أكثر من مرة بالرأي .