عبد الباري عطوان: هل سيَأخُذ نِتنياهو بنَصيحَة الحَرس الثَّوريّ؟

الأحد 7 أكتوبر 2018 - 19:19 بتوقيت مكة
عبد الباري عطوان: هل سيَأخُذ نِتنياهو بنَصيحَة الحَرس الثَّوريّ؟

ايران_الكوثر:

يوم الجُمعة، وفي اجتماعٍ تَعبويٍّ لقُوّات الباسيج الإيرانيّة في أصفَهان، وَجَّه الجِنرال حسين سلامي، نائب القائِد العام للحَرس الثوريّ، “نَصيحَةً” إلى بنيامين نِتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيليّ بالإسراعِ بتَعَلُّم السِّباحة في البَحرِ المتوسط، لأنّه قَد يَجِد نفسه مُضْطَرًّا للهَربِ بحْرًا في الأيّامِ المُقبِلة.

هَذهِ “النَّصيحة” المَلغومة فاجَأت الكَثيرين، ونحنُ مِن بينَهُم، رُغمَ أنّها ليسَت جَديدةً، فقد وجّه السيِّد حسن نصر الله، زَعيمُ “حزب الله”، واحِدةً مِثلها قَبلَ بِضعَة أشهُر، ولكن ليس لنِتنياهو وإنّما للإسرائيليين عُمومًا حثّهم فيها للهَرب “عَبرَ البَحر” إلى الدُّوَل التي قَدِمُوا مِنها حِفاظًا على أرواحِهم، لأنّه إذا انطَلقَت صواريخ “حزب الله” لقَصفِ المُدُن الإسرائيليّة فلن يَجِدوا وَقتًا للنَّجاةِ بأرواحِهِم.
الجِنرال سلامي لا يُطلِق “النَّصائِح” مجّانًا، ومِن قَبيل الصُّدفَة، فشَخصٌ في مَكانَتِه يَعرِف ما يَقَول، ويَختار كلامه بعِنايةٍ فائِقةٍ، ويُوجِّه رسائِل إلى جِهاتٍ مُعيّنةٍ، وفِي التَّوقيتِ المُناسِب، وللوُصول إلى النَّتائِج المُبتَغاة، فالمَسألة أكبر مِن حَصرِها في إطارِ الحَربِ النَّفسيّة.
***
القِيادَة الإسرائيليّة بَدَأت في الأسابيعِ الأخيرة التَّلويح بالحَرب، وعلى لُبنان و”حزب الله” تحديدًا، ودَشّن هذا التَّوجُّه الخِطاب الذي أدلَى بِه نِتنياهو مِن على مِنبَر الأُمم المتحدة أواخِر شَهر أيلول (سبتمبر) الماضِي، وعَرضِ صُورًا لمُنشآتٍ نوويّةٍ سِريّةٍ إيرانيّةٍ (تَبيّن لاحِقًا أنّها مصنع للسِّجّاد) وثَلاثَة مخازِن ومصانِع صواريخ، وقال أنّ “حزب الله” أقامَها في الضاحِية الجنوبيّة وقُربَ مَطار بيروت، وكَشَفَت القناة العاشِرة الإسرائيليّة عن إرسالِ آلافِ الرسائِل عبر “الواتس آب” إلى لُبنانيّين في بيروت تُطالِبهم باتِّخاذِ الحِيطةِ والحَذَر، لأنّ أرواحَهم مُهدَّدة لوُجود منازلهم قُربَ هَذهِ المَخازِن.
السيد جبران باسيل، وزير الخارجيّة اللبناني، قادَ وَفْدًا يَضُم 67 سفيرًا ودِبلوماسيًّا مِن بَينِهم السفير الروسي، لزِيارَة الأماكِن التي حدّدها نِتنياهو من بينها ملعب كُرَة القَدم، وآخَر لمدرسة قُربَ السِّفارة الإسبانيّة قُربَ الضاحية الجَنوبيّة، ليتأكّدوا بأنْفُسِهِم كَذِب هَذهِ الادّعاءات، وقالَ باسيل أنّ إسرائيل هِي التي تُهَدِّد أرواح اللُّبنانيّين واخترقَت الأجواء 1417 مَرّة في الأعوامِ الأخيرة.
السُّؤال المَطروح: إذا كانَ نِتنياهو واثِقًا مِن مَعلوماتِه حول المُفاعِل النَّووي السِّرّي الإيراني، ومصانِع الصواريخ التابِعة لحزب الله، فلماذا لا يَقوم بقَصفِها مِثلَما شن أكثَر مِن 200 غارة لقَصفِ أهدافٍ إيرانيّةٍ على الأرض السوريّة في أقل مِن 18 شَهرًا، وقبلها بسَنوات عِندما دمّرت طائِراته ما قِيل أنّه مُنشآت نَوويّة قَيد التَّأسيس بمُساعَدة خُبَراء من كوريا الشماليّة في دير الزور شَرق سورية عام 2007؟
الإجابَة على هذا السُّؤال يُمكِن اختصارها بالقَول أنّ “الرُّعب” مِن “حزب الله” وصواريخه هو الذي يَجْعَل نِتنياهو يُفَكِّر مِليون مرّة قبل إعطاء الأمر لطائِراتِه بقَصفِ لبنان وتَدمير ضاحِيّته الجنوبيّة ومُدُن وقُرى الجَنوب، مِثلَما فَعَل في مَرّاتٍ سابِقَةٍ.
الجِنرال سلامي قال بالحَرفِ الواحِد في الخِطاب المَذكورِ آنِفًا “أنّ حزب الله اللبناني، حَليف إيران، قادِرُ وحده على تَدمير إسرائيل، وإنّ الإسرائيليين لا يَصِلون إلى مُستَوى تَشكيلِ تَهديدٍ لنا، حزب الله يَكفِي لتَدميرِهم”.
نَشْرَح أكثَر ونقول أن “الحِزب” لا يحتاج إلى صواريخ بعيدة المَدى أي 800 إلى 2000 كيلومتر للقِيام بمُهِمَّة تدمير الدَّولة العبريّة، وإنّما صواريخ قَصيرَة المَدى في حُدود 300 كيلومتر، وهُوَ يَمْلُك عَشَرات الآلافِ مِنها بِرؤوسٍ أكثَر دِقّة وأكبَر تدميرًا، علاوةً على آلافِ الطائرات المُسيّرة (بُدونِ طيّار).
جاءَ الإعلان عَن إكمال تَسليم الجيش السوري لبَطّاريّات صواريخ “إس 300” الروسيّة المُضادّة للطَّيَران والصَّواريخ ليَجعَل أي مُحاولة إسرائيليّة لضَربِ لُبنان في قمّة الصُّعوبة، لأنّ هَذهِ الصَّواريخ التي تَصِل مَداها إلى 250 كيلومترًا قادِرةٌ على ضَربِ أيِّ طائِراتٍ إسرائيليّة مُغيرة على لُبنان قبل أن تَدخُل الأجواء اللبنانيّة.
جِنرالات إسرائيليّون مُتقاعِدون حذّروا أكثَر من مرّة من أنّ القُبب الحَديديّة الإسرائيليّة لن تَسْتطَيع مُواجَهة ألف صاروخ يُمكِن أن يُطْلِقها “حزب الله” دُفعَةً واحِدةً على حيفا ويافا وتَل أبيب ونهاريا، ولا نَنْسَى عكّا وإيلات وديمونا.
***
نَخْتِم بالقَول، أنّه في ظِل توازُن الرُّعب الذي حقّقه “حزب الله” والقُوّة الاستراتيجيّة الصاروخيّة الإيرانيّة، وتعافِي الجيش العربي السوري واستعادَة سيطرتِه على أكثَر مِن 90 بالمِئة مِن الأراضِي السوريّة، واكتسابِ خِبرَةٍ قتاليّةٍ جبّارة، ننصَح نِتنياهو بأخْذِ نصيحة الجِنرال سلامي بكُل الجَديّة، فهذا الرَّجُل لا يَمزَح، وزَمَن الغطرسة الإسرائيليّة يَقْترِب مِن نَهايته.. وإذا كان يَعتقِد بغَيرِ ذَلِك فعَليه أن يُجَرِّب حظّه، والأجواء اللبنانيّة مَفتوحةُ أمامه.. وهذا المَيدان يا حميدان.. ومِن يَضْحَك أخيرًا يَضْحَك كثيرًا.. والأيّام بَيْنَنَا.

المصدر: رأي اليوم - عبد الباري عطوان

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

الأحد 7 أكتوبر 2018 - 19:18 بتوقيت مكة