قبل حوالي شهرين ، تصدرت النشرات الخبرية والاعلامية ، انباء عن تعرض المراكز الدبلوماسية الاميركية في العراق لهجمات. وبما ان هذه الهجمات لم تسفر عن اي اضرار فقد راى البعض ان الهدف منها توجيه تحذير الى الجانب الاميركي ليكف عن التدخل في الشأن العراقي. طبعا كما هو الحال والمتعارف عليه فقد تم توجيه اصابع الاتهام لايران في هذه الهجمات . في غضون ذلك تعرضت القنصلية الايرانية في البصرة الى هجمات مماثلة بل اشد قسوة اسفر عن اضرار كبيرة، الا انه تم ترميمها بمساعدة ابناء الشعب العراقي. ولكن ان تقوم اميركا باغلاق قنصليتها في البصرة بعد مضي اكثر من شهر على تلك الاحداث فهذا امر يثير الكثير من التساؤلات.
النقطة الاولى في هذا المجال، يبدو انها تتجه نحو الوتيرة المتسارعة لاعادة هيكلة العراق لمؤسساته القانونية والحكومية.
نظرة خاطفة على اوضاع العراق بعد الانتخابات تشير الى ان اميركا كانت تشعر بقلق شديد حيال نتائج الانتخابات، ولذلك فانها كانت تسعى من خلال عرقلة مشروع اعادة "ترتيب البيت السياسي" في العراق الى التأثير على عملية تشكيل البرلمان وبالتالي حسم مسألة تشكيل الحكومة واختيار رئيس الجمهورية لصالحها. تحميل عملية اعادة فرز الاصوات على العراقيين واستغلال الاضطرابات في جنوب العراق لاسيما مسالة البصرة وبالتالي العمل على تقديم الشخصيات السياسة الموالية لها باعتبارهم النخبة، هي بعض الخطوات التي قامت بها اميركا في اطار هذا السيناريو. الجميع يتذكر بان مساعد وزير الخارجية الاميركي استقر في العراق وبذل ما بوسعه ليرسم الصورة السياسية المستقبلية للعراق وفق هواه، تلك المحاولات التي باءت بالفشل في اولى مراحلها اي اختيار رئيس البرلمان.
النقطة الثانية في هذا المجال هي انه وفي حين الظروف تشير بحسب تكهنات المحللين الى حسم مسالة رئاستي الجمهورية والوزراء وانه سيتم في اجتماع يوم الثلاثاء المقبل حسم الامر نهائيا، يبدو ان اميركا باتت تشعر باليأس حيال مستقبل العراق او على اقل تقدير خلال الاعوام الاربعة المقبلة، ولذلك فانها ومن خلال اغلاق قنصليتها في البصرة تحاول توجيه رسالة مفادها انها تشعر بالاستياء مما يجري في العراق. يشار الى انه رغم ان العراق في الوقت الراهن لا يخضع للاحتلال الاميركي الا ان هذا الامر لا يعني خروجه من العقيدة الاستراتيجية الاميركية.
النقطة الثالثة هي ان الاطماع الاميركية في العراق لا زالت قائمة رغم ان الشعب العراقي صدمها بـ"لا" كبيرة في الانتخابات من خلال الاقبال على شخصيتين مناوئتين لاميركا اي السيد مقتدى الصدر وهادي العامري. الاخذ بنظر الاعتبار لهذه الحقيقية الى جانب فشل واشنطن في ادارة عراق ما بعد الانتخابات ادت بها الى اظهار اخر ما في جعبتها وفق السيناريو الذي وضعته للعراق الا وهو تقديم نفسها على انها الضحية المظلومة وان ايران وانصارها هم الذين يزعزعون امن العراق، في خطوة منها لكسب ود المجتمع الدولي لدعمها وتعبئة سائر الدول الاخرى ومواكبتها للاحتجاج على التواجد الايراني في العراق.
النقطة الرابعة والاخيرة في هذا المجال هي ان اعلان اغلاق القنصلية الاميركية في العراق جاء مباشرة بعد المواجهة بين ترامب وروحاني في الامم المتحدة. كما ان هذا الاعلان واكب تشكيل الجلسة التمهيدية الاولى لتشكيل "الناتو العربي" المعادي لايران في نيويورك والذي عقد بحضور بومبيو ونظرائه في الدول العربية المطلة على الخليج الفارسي الى جانب وزيري خارجية الاردن
ومصر تحت عنوان " الائتلاف الاستراتيجي في الشرق الاوسط". واخيرا ومن جهة ثالثة فان هذا الاعلان يأتي في الظروف التي لازالت ايران ترفض الرضوخ للعقوبات الاميركية.
جميع هذه الامور الى جانب الهزيمة في سوريا ولبنان واليمن في ظل التوجهات الدبلوماسية تشير الى ان الهدف من اغلاق القنصلية هو ممارسة الضغط على الشعب العراقي بسبب انتخابه. وطبعا على الجماهير الموالية لمحور المقاومة وكما هو شأن الدول الاخرى ان تستعد لانه في حال المضي قدما في هذا المسير ومعارضة التطلعات الاميركية ستختبر اوضاعا مماثلة. عرقلة عملية تشكيل الحكومة في لبنان، استمرار العداء رغم بلورة عملية سياسية لتسوية قضية ادلب في سوريا وبالتالي الدعم المفتوح لتحالف العدوان السعواماراتي في اليمن، جميعها امثلة واضحة على هذا التوجه.
ابو رضا صالح