إعلموا أيّها المؤمنون أحسن الله لكم العزاء في مصاب سيِّد شباب أهل الجنة أن مواساة الزهراء البتول(عليها السلام) في ابنها المقتول قرّة عينها سبط الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)حق لها علينا يقتضيها فرض الموالاة والمحبة التي أمر الله بها في محكم كتابه إذ يقول تعالى : {قُلْ لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} ولكنّ هذه الأمة لم ترع حرمة الرسول (صلى الله عليه وآله) في ذرّيّته الطاهرة ، فبقتل الحسين (عليه السلام) فُجع الدين ، وضيِّعت فيه وصية سيِّد المرسلين ، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون ، ولا حول ولا قوة إلاَّ بالله العليِّ العظيم .
روي عن سيِّد العابدين علي بن الحسين(عليهما السلام) أنه قال : ولا يوم كيوم الحسين(عليه السلام) ، ازدلف إليه ثلاثون ألف رجل ، يزعمون أنهم من هذه الأمة ، كل يتقرَّب إلى الله عزَّ وجلَّ بدمه ، وهو بالله يذكِّرهم فلا يتعظون ، حتى قتلوه بغياً وظلماً وعدواناً .
روى الشيخ الصدوق عليه الرحمة عن الإمام علي بن موسى الرضا ، عن آبائه(عليهم السلام) قال : قال رسول الله(صلى الله عليه وآله) : تحشر ابنتي فاطمة(عليها السلام) يوم القيامة ومعها ثياب مصبوغة بالدماء ، تتعلَّق بقائمة من قوائم العرش ، تقول : يا عدل ، احكم بيني وبين قاتل ولدي ، قال علي بن أبي طالب(عليه السلام) : قال رسول الله(صلى الله عليه وآله) : ويحكم الله لابنتي وربِّ الكعبة(2) .
وروى الصدوق عليه الرحمة عن أبان بن عثمان ، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : إذا كان يوم القيامة جمع الله الأولين والآخرين في صعيد واحد ، فينادي مناد : غضّوا أبصاركم ونكِّسوا رؤوسكم حتى تجوز فاطمة بنت محمد(صلى الله عليه وآله) الصراط . قال : فتغضّ الخلائق أبصارهم ، فتأتي فاطمة(عليها السلام) على نجيب من نجب الجنة ، يشيّعُها سبعون ألف ملك ، فتقف موقفاً شريفاً من مواقف القيامة ، ثم تنزل عن نجيبها فتأخذ قميص الحسين بن علي(عليه السلام) بيدها مضمَّخاً بدمه ، وتقول : يا رب ، هذا قميص ولدي وقد علمت ما صنع به ، فيأتيها النداء من قبل الله عزَّ وجلَّ : يا فاطمة ، لك عندي الرضا ، فتقول : يا ربّ ، انتصر لي من قاتله ، فيأمر الله تعالى عنقاً من النار فتخرج من جهنم فتلتقط قتلة الحسين بن علي(عليه السلام) كما يلتقط الطير الحبَّ ، ثم يعود العنق بهم إلى النار ، فيعذَّبون فيها بأنواع العذاب ، ثم تركب فاطمة(عليها السلام) نجيبها حتى تدخل الجنة ومعها الملائكة المشيِّعون لها ، وذريتها بين يديها ، وأولياؤهم من الناس عن يمينها وشمالها(بحار الأنوار ، المجلسي : 43/224 ) .
وروي عن الإمام الصادق(عليه السلام) أنَّه قال : إذا كان يوم القيامة ينصب الله سرادقاً من نور بين يدي رسول الله(صلى الله عليه وآله) ، والخلائق كلّهم حاضرون ، ثمَّ ينادي مناد : يا معشر الناس ، غضّوا أبصاركم ، فإن فاطمة الزهراء بنت محمد المصطفى تريد أن تجوز السرادق ، فيغضّو أبصارهم ، فإذا هي مقبلة ، فإذا وضعت رجلها في السرادق نوديت : يا فاطمة ، فتلتفت فترى ولدها الحسين واقفاً بجانبها من غير رأس ، فتصرخ صرخة لا يبقى ملك مقرَّب ، ولا نبيّ مرسل إلاَّ جثى على ركبتيه وخرّ مغشياً عليه ، ثم إنها تفيق من غشيتها فتجد الحسين يمسح وجهها بيديه ، ورأسه قد عادت إليه ، فعند ذلك تدعو على قاتله ومن أعانه ، فيؤمر بهم إلى جهنم ولا شفيع لهم( نور العين في مشهد الحسين).
وروي عن رسول الله(صلى الله عليه وآله) أنه قال : إذا كان يوم القيامة تقبل فاطمة على ناقة من نياق الجنة وبيدها قميص الحسين ملطَّخ بدمه ، فتصرخ وتزجّ نفسها عن الناقة ، وتخرّ ساجدة لله عز وجل ، وتقول : إلهي وسيدي ومولاي ، احكم بيني وبين من قتل ولدي الحسين ، فيأتيها النداء من قبل الله عزَّ وجلَّ : يا حبيبتي وابنة حبيبي ، ارفعي رأسك ، فوعزتي وجلالي لأنتقمن اليوم ممن ظلمك وظلم ولدك ، ثم يأمر بجميع من حضر قتل الحسين ومن شارك في قتله إلى النار.
وروي عن النبي(صلى الله عليه وآله) أنه قال : إذا كان يوم القيامة جاءت فاطمة (عليها السلام) في جماعة من نسائها ، فيقال لها : ادخلي الجنة ، فتقول : لا أدخل حتى أعلم ما صنع ولدي الحسين ، فيقال لها : انظري عن يمينك ، فتلتفت فإذا الحسين قائم وليس عليه رأس ، فتصرح صرخة ، فتصرخ النساء لصراخها والملائكة أيضاً ، ثم تنادي : واولداه ، واثمرة فؤاداه ، فعند ذلك يغضب الله ويأمر ناراً قد أوقد عليها ألف عام حتى اسوّدت ولا تدخلها ريح ولا يخرج منها أبداً ، فيقال لها : التقطي من حضر قتل الحسين ، فتلقطهم ، فإذا صاروا في جوفها صهلت بهم وصهلوا بها ، وشهقت بهم وشهقوا بها ، وزفرت بهم وزفروا بها ، ثم ينطقون بألسنة ذلقة ناطقة : يا ربَّنا ، لم أوجبت لنا النار قبل عبدة الأوثان؟ فيأتيهم الجواب عن الله أن من عَلِم ليس كمن لا يعلم(نور العين في مشهد الحسين(ع)).
وروي عن آل البيت(عليهم السلام) عن النبي(صلى الله عليه وآله) أنه قال : إذا كان يوم القيامة تأتي فاطمة الزهراء (عليها السلام) على ناقة من نياق الجنة ، خطامها من لؤلؤ رطب ، وقوائمها من زمرد أخضر ، وذنبها من مسك أذفر ، وعيناها من ياقوت أحمر ، وعليها قبّة من النور ، يرى باطنها من ظاهرها ، داخلها عفو الله ، وخارجها رحمة الله ، وعلى رأسها تاج من النور ، وله سبعون ركناً ، كل ركن مرصَّع بالدر والياقوت ، يضيء كما يضيء الكوكب في أفق السماء ، وعن يمينها سبعون ألف ملك ، وعن يسارها مثلهم ، وجبرئيل آخذ بخطام الناقة وهو ينادي بأعلى صوته : غضّوا أبصاركم حتى تجوز فاطمة ، فيغضّون أبصارهم حتى تجاوز عرش ربها وتزجّ نفسها عن ناقتها ، وتقول : إلهي وسيِّدي ومولاي ، احكم بيني وبين من ظلمني وقتل ولدي ، فإذا النداء من قبل الله تعالى : يا حبيبتي وابنة حبيبتي ، سليني تعطي واشفعي تشعفي ، فوعزّتي وجلالي لا يجاوزني ظلم ظالم ، فتقول : إلهي وسيّدي ومولاي ، ذريّتي وشيعتي وشيعة ذريّتّي ، فإذا النداء من قبل الله تعالى : أين ذرية فاطمة وشيعتها وشيعة ذريتها ومحبّوها ومحبّو ذرّيّتها؟
فيقولون ـ وقد أحاطت بهم ملائكة الرحمن ـ : ها نحن يا ربَّنا ، فتقودهم فاطمة حتى تدخلهم الجنة ، وهي آخذة بقميص الحسين ، وهو ملطَّخ بالدم ، وقد تعلَّقت بقوائم العرش وهي تقول : يا رب ، احكم بيني وبين قاتل ولدي الحسين ، فيؤخذ لها بحقِّها كما قال القائل :
ويلٌ لمن شفعاؤُه خصماؤُه والصورُ في بَعْثِ الخلائقِ يُنْفَخُ
لابدَّ أن تَرِدَ القيامةَ فاطمٌ وقميصُها بدمِ الحسينِ ملطَّخُ
فتقولُ ربِّي إنني لك أشتكي قَتْلَ الحسينِ ابني وها أنا أصرخُ
واللهُ يأمرُ بالجميعِ لنارِهِ ويلٌ لمن قتلوا الحسينَ يؤرَّخُ
وسئل سبط ابن الجوزي في يوم عاشوراء زمن الملك الناصر صاحب حلب أن يذكر للناس شيئاً من مقتل الحسين (عليه السلام) ، فصعد المنبر وجلس طويلا لا يتكلَّم ، ثمَّ وضع المنديل على وجهه وبكى شديداً ، ثمَّ أنشأ يقول وهو يبكي :
ويلٌ لمن شفعاؤُه خصماؤُه والصورُ في نشرِ الخلائقِ ينفخُ
لابدَّ أن تَرِدَ القيامةَ فاطمٌ وقميصها بدم الحسينِ ملطَّخُ
ثمَّ نزل عن المنبر وهو يبكي ، وصعد إلى الصالحية وهو كذلك
ولله درّ ابن العرندس عليه الرحمة إذ يقول :
فويلَ يزيد من عذابِ جهنم إذا أقبلت في الحشرِ فاطمةُ الطهرُ
ملابسُها ثوبٌ من السمِّ أسودٌ وآخرُ قان من دمِ السبطِ محمَرُّ
تنادي وأبصارُ الأنامِ شواخصٌ وفي كلِّ قلب من مَهَابتِها ذُعْرُ
وتشكو إلى اللهِ العليِّ وصوتُها عليٌّ ومولانا عليٌّ لها ظَهْرُ
فلا ينطقُ الطاغي يزيدُ بما جنى وأنّى له عذرٌ ومن شأنِهِ الغدرُ
فيؤخذُ منه بالقصاصِ فيحرمُ الـ نعيمَ ويُخلىَّ في الجحيمِ له قصرُ
ويشدو له الشادي فيطربُهُ الغنا ويُسْكَبُ في الكأسِ النضارِ له خمرُ
فذاك الغنا في البعثِ تصحيفُهُ العنا وتصحيفُ ذاك الخمرِ في قلبِهِ الجمرُ
أيقرُع جهلا ثغرَ سبطِ محمد وصاحبُ ذاك الثِغر يُحمى به الثغر
المصدر:المجالس العاشورية في المآتم الحسينية