ان من عجيب العصبية والمكابرة توثيق البعض لعمر بن سعد لعنه الله، بل وتعدى البعض إلى مدحه وإضفاء صفات البطولة والشجاعة عليه، كما قال خير الدين الزركلي في كتابه الأعلام حيث قال: (عمر بن سعد بن أبي وقاص الزهري المدني: أمير، من القادة الشجعان)[1].
وقال عنه العجلي: (عمر بن سعد بن أبي وقاص مدني ثقة كان يروي عن أبيه أحاديث وروى الناس عنه وهو الذي قتل الحسين قلت كان أمير الجيش ولم يباشر قتله)[2].
وقال الذهبي: (عمر بن سعد بن أبي وقاص الزهري. هو في نفسه غير متهم، لكنه باشر قتال الحسين وفعل الأفاعيل)[3].
وقال ابن حجر: (عمر بن سعد بن أبي وقاص المدني نزيل الكوفة صدوق ولكن مقته الناس لكونه كان أميرا على الجيش الذين قتلوا الحسين بن علي من الثانية)[4].
أما ابن خلكان فقد أضحكني حينما قرأت ترحمه على القاتل والمقتول، وعلى الجاني والمجني عليه، قال: (فخرج الحسين إلى الكوفة وأميرها يومئذ عبيد الله بن زياد فلما قرب منها سير إليه جيشا مقدمه عمر بن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه فقتل الحسين رضي الله عنه بالطف وجرى ما جرى)[5].
وقد نقل السيد المرعشي قدس الله روحه عن كتاب تهذيب التهذيب ما نصه: (وعمر ابن سعد بن أبي وقاص الذي قال في تهذيب التهذيب بعد ذكر اسمه ما لفظه: هو تابعي، ثقة ثقة، وهو الذي قتل الحسين، ثم قال سيدنا الشريف محمد بن العقيل العلوي المتقدم ذكره في كتابه المرقوم بعد نقل كلام التهذيب ما لفظه: وأقول: لا حول ولا قوة إلا بالله، بخ بخ بخ، يا له من تابعي! ويا لها من عدالة! ويرحم الله القائل:
إن كان هذا نبيا *** فالكلب لا شك ربي)[6]
وقد فاق القاري جميع الحدود ونزع بدفاعه عن عمر بن سعد ثوب الحياء، حيث جعل قتلة أبناء الأنبياء من المجتهدين وأصحاب الرأي فقال موزورا غير مأجور: (إنه لم يباشر لقتله، ولعل حضوره مع العسكر كان بالرأي والاجتهاد، وربما حسن حاله وطاب مآله، ومن الذي سلم من صدور معصية عنه وظهور زلة منه، فلو فتح الباب أشكل الأمر على ذوي الألباب)[7].
ولم أعثر على سبب حقيقي تحمل عليه هذه التوثيقات غير التعصب الأعمى على حساب الحقيقة، وليس عمر بن سعد وتوثيقهم إياه وروايتهم عنه في مسانيدهم، بأعجب من توثيقهم لعبد الرحمن بن ملجم قاتل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله وسلامه عليه، وعمران بن حطان رأس الخوارج في زمانه والذي جعله البخاري من رجال صحيحه، وقد أخرج العلامة الأميني قدس الله روحه في كتابه العظيم كتاب الغدير ستة عشر موردا تعصب فيه البعض فوثقوا رجالا اشتهر أمرهم وافتضحوا ببغضهم لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله وسلامه عليه وأهل بيته
فيتبين لنا جليا بعد كل ما سبق، ان توثيق عمر بن سعد لعنه الله من قبل البعض، قد جاء ضمن مؤامرة كبيرة كانت ولا تزال قائمة، الهدف منها أوضح من قرص الشمس في رابعة النهار، فالإمام الحسين صلوات الله وسلامه عليه ومن قبله أبوه أمير المؤمنين وأخوه الإمام الحسن وأمه السيدة العظيمة فاطمة الزهراء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين قد قتلوا مرتين، فالأولى كانت بسيوف وأيدي قاتليهم، والقتلة الثانية على أيدي هؤلاء المؤرخين الذين وثقوا قتلتهم وأثنوا على من اهتضمهم، ولم يساووهم ببقية الصحابة مع أنهم صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين خيرتهم وسادتهم وأفضل أهل الأرض بعد النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم.فإنا لله وإنا إليه راجعون.
الهوامش:
(1) الأعلام لخير الدين الزركلي ج 5 ص 47.
(2) معرفة الثقات للعجلي ج 2 ص 166 ــ 167.
(3) ميزان الاعتدال للذهبي ج 3 ص 198 ــ 199.
(4) تقريب التهذيب لابن حجر ج 1 ص 717.
(5) وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان لابن خلكان ج6 ص353.
(6) شرح إحقاق الحق للسيد المرعشي ج 1 ص المقدمة 22.
(7) نفحات الأزهار للسيد علي الميلاني ج15 ص237 نقلا عن كتاب المرقاة كتاب الجنائز الفصل الثاني من باب البكاء على الميت ص391.
المصدر:وكالة أنباء براثا