بغض النظر عن الثقة العالية التي يوليها ترامب لادائه وفريقه السياسي، والتي اثارت خلال الدقائق الاولى من خطابه سخرية الحضور، فانه سعى كما هو ديدنه على التمسك باسلوبه المعتاد المتمثل بتهديد المجتمع الدولي والايحاء بانه لا خيار امام العالم سوى التبعية له. ترامب وحسب زعمه حاول الايحاء بان العالم اجمع مرغم على دعمه ومواكبة سياساته، كما تحدث عن آماله فيما يخص مستقبل الشرق الاوسط. وفق رؤية ترامب فان الشرق الاوسط الذي يحلم به هو شرق اوسط بلا ايران المقتدرة وسوريا القوية اولا، ومنطقة يكون فيها كيان تحت عنوان "اسرائيل" في ذروة القوة ثانيا، وبالتالي منطقة تكون فيها دول بلا ارادة مستقلة لا عمل لها سوى تسديد النفقات المالية لتحقيق السياسات الاميركية.
فيما يخص الكيان الاسرائيلي، فان الصورة التي رسمها ترامب عن مستقبل المنطقة توحي بأنه حسم مخطط "صفقة ترامب" بلا اي عائق، وانه لا خيار امام الدول الاقليمية سوى الرضوخ لهذا الخيار. ترامب ومن خلال المقدمة التي قدمها بشان احقية كل بلد لاختيار مكان سفارته في الدول الاخرى، في الحقيقة اعلن بشكل صريح كما فعل سابقا بانه لا يعير اي اهمية للقواعد الدولية. وخير دليل على ان ترامب يتجاهل وبشكل متعمد القواعد الدولية، محاولة تبرير خروج بلاده من مجلس حقوق الانسان حين قال، ان مصير جميع الانظمة الدولية سيكون مثل مجلس حقوق الانسان ما لم تخضع لاميركا او تتحرك في اطار سياساته.
ترامب تحدث عن التزام بلاده بخطة السلام بين "اسرائيل" والفلسطينيين في حين انه عمليا وفي وقت سابق وافق على نقل سفارة بلاده من القدس الى تل ابيب، هذا فضلا عن انه حاول الغاء قضية اساسية لازالت تشكل هاجسا دوليا يعود تاريخها الى 70 عاما الا وهي مسالة "حق العودة" للفلسطينيين، من خلال خفض عددهم من اربعين مليونا الى خمسة ملايين. وبالتالي من خلال اغلاق السفارة الفلسطينية في بلاده وقطع المساعدات المالية لمنطمة "الاونروا" بادر ترامب في الحقيقة الى الاقصاء الكامل لاحد طرفي النزاع اي الفلسطينيين. وفي ضوء هذه الظروف ينكشف بوضوح مدى التزام ترامب بمسالة السلام بين الفلسطينيين والاسرائيليين وكذلك رؤيته المستقبلية لما تعرف بـ"صفقة ترامب" اكثر من اي وقت مضى.
بمنأى عن تكرار تصريحاته بشأن تصعيد الحظر ضد ايران ، فقد تحدث ترامب ايضا عن محاولات بلاده لبلورة ائتلاف استراتيجي مع الدول العربية في الخليج الفارسي تضم مصر والاردن ايضا، الائتلاف الذي ان افترضنا جدلا بانه رأى النور فانه سيلبي تطلعاته لترجمة "صفقة ترامب" على ارض الواقع من جهة، وسيساعده لتحقيق حلمه المتمثل بتشكيل "ناتو عربي" لمواجهة ايران من جهة اخرى. الزيارات المكوكية التي قام بها كل من صهر ترامب وجرينبلات لدول المنطقة خلال الاشهر الاخيرة كانت تهدف لتحقيق هذا الامر ، فضلا عن متابعة الاجراءات الترامبية المناوئة للفلسطينيين والتي تم التنويه اليها آنفا. كما ان تلميح ترامب الى تاسيس مركز جديد لمكافحة الارهاب في السعودية والتاكيد على الاعلان عن موافقة الدول العربية المطلة على الخليج الفارسي هي مؤشر آخر على ان الرئيس الاميركي حصل على ضوء اخضر من بعض هذه الدول للتطبيع مع الكيان الصهيوني ومعادة الجمهورية الاسلامية الايرانية.
ترامب وفي جانب اخر من كلمته نوه وبشكل غير مباشر الى تورط بعض دول المنطقة في الازمة السورية التي دخلت عامها السابع، حين المح الى مساعدة دول مثل الامارات والسعودية وقطر في اعادة اعمار سوريا - وبالطبع اليمن - معلنا بصراحة ان على دول المنطقة ان تقرر مصيرها بنفسها. هذا هو منطوق كلام ترامب ولكن مفهومه هو ان هذه الدول هي اكثر احقية من الدول الاخرى لتسجيل حضورها في ساحة اعادة اعمار سوريا لانها وخلال فرض الحرب الكونية على سوريا كانت من اكبر الداعمين والممولين للجماعات الارهابية في هذا البلد. وفي هذا الاطار ايضا فان ترامب ومن خلال التاكيد على حتمية الرد على المزاعم باستخدام الحكومة السورية للسلاح الكيمياوي، سعى الى عدم اغلاق الطريق امام تدخل بلاده وسائر المعارضين للحكومة الشرعية في سوريا في مستقبل هذا البلد.
ختاما ينبغي القول انه قد يمكن تصور شرق اوسط بمثل هذه الخصائص الوهمية في حقب قصيرة وطبعا عابرة في تاريخ المنطقة، حقب مثل حقب كامب ديفيد، اوسلو وبالتالي حقبة حكومة شاه ايران، ولكن ما ينبغي قوله للرئيس هو "يا سيد ترامب ان الظروف تغيرت كثيرا، راجع كتب التاريخ والسياسة قليلا".
الوقت - ابو رضا صالح