إنّ موضوع الحوادث الكونية والكرامات'>الحوادث الكونية والكرامات التي وقعت بعد حادثة عاشوراء له أهمية بالغة على عدة مستويات حيث إنّه يعكس رأي السماء وموقفها من تلك الواقعة الأليمة؛ لأنّه عندما تبكي وتمطر السماء دماً، أو عندما يخرج الدم من تحت الأحجار والأشجار، وعندما تحصل التغييرات في الكون من أجل ذبيح كربلاء، وعندما تتعدد تلك الحوادث وتتنوّع الكرامات ، فإنّ هذا يدل على أمور كثيرة، منها: حقانية النهضة الحسينية ومبادئها وقائدها وأهدافها ونتائجها، ومنها: أنّها تدل على بطلان من خالفها بشخصه ومنهجه ومبادئه، وكذا من أيدها أو رضي بها أو لم يخالفها، ومنها: بيان وإظهار عظمة الإمام الحسين علیه السلام الذي تغير الكون لمظلوميته، ومنها: تجلي الغضب الإلهي، ومنها: ظهور وإتمام الحجة على من خالف نهج الحسين علیه السلام.
كثيرون هم الذين رووا هذه الحوادث و الكرامات. في هذه المقالة نستعرض بعضا منهم:
قال ابن سيرين : أُخبرنا أن الحمرة التي مع الشفق لم تكن قبل قتل الحسين(عليه السلام)(2) ، وفي رواية أخرى قال : لم يكن في السماء حمرة حتى قتل الحسين(3) ، إن السماء بكت ، وبكاؤها حمرتها . وقال غيره : احمَّرت آفاق السماء ستة أشهر بعد قتل الحسين (عليه السلام) ، ثمَّ لا زالت الحمرة تُرى بعد ذلك(4).
وروى أبو نعيم وابن عساكر ، عن هشام ، عن محمد قال : لم تُر هذه الحمرة التي في آفاق السماء حتى قُتل الحسين بن علي(عليهما السلام).(5)
قال ابن الجوزي : وحكمته أن غضبنا يؤثِّر حمرة الوجه ، والحق تنزَّه عن الجسمية ، فأظهر تأثير غضبه على من قتل الحسين(عليه السلام) بحمرة الأفق إظهاراً لعظم
الجناية.(6)
وعن خلاّد صاحب السمسم ـ وكان ينزل بني جحدر ـ قال : حدَّثتني أمي ، قالت : كنّا زماناً بعد مقتل الحسين (عليه السلام) ، وإن الشمس تطلع محمَّرة على الحيطان والجدر بالغداة والعشي.(7)
وروى الطبراني بالإسناد عن أبي قبيل ، قال : لما قتل الحسين بن علي(عليه السلام)انكسفت الشمس كسفة حتى بدت الكواكب نصف النهار ، حتى ظننا أنها هي.(8)
وروي عن قرة بن خالد ، قال : ما بكت السماء على أحد إلاَّ على يحيى بن زكريا والحسين بن علي ، وحمرتها بكاؤها.(9)
وروي عن ابن سيرين ، قال : لم تبك السماء على أحد بعد يحيى بن زكريا إلاّ على الحسين بن علي(عليهما السلام).(10)
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن عبيد المكتب ، عن إبراهيم قال : ما بكت السماء منذ كانت الدنيا إلاّ على اثنين ، قلت لعبيد : أليس السماء والأرض تبكي على المؤمن ، قال : ذاك مقامه حيث يصعد عمله ، قال : وتدري ما بكاء السماء؟ قلت : لا ، قال : تحمّر وتصير وردة كالدهان ، إن يحيى بن زكريا عليه الصلاة والسلام لما قُتل احمَّرت السماء وقطرت دماً ، وإن الحسين بن علي(عليهما السلام) لما قُتل احمَّرت السماء(11)وفي ذلك يقول سليمان بن قبة الخزاعي :
وَإِنَّ قَتِيلَ الطفِّ مِنْ آلِ هَاشِم أذلَّ رقاباً من قريش فذلَّتِ
أَلَمْ تر أن الأرضَ أضحت مريضةً لِفَقْدِ حُسين والبلادَ اقشعرَّتِ
وقد أَعْوَلَتْ تبكي السماءُ لِفَقْدِهِ وأَنْجُمُها ناحت عليه وصلَّتِ
وعن الريان بن شبيب في حديث له عن الإمام الرضا(عليه السلام) أنه قال له : يا ابن شبيب ، لقد حدَّثني أبي ، عن أبيه ، عن جدّه أنه لما قُتل جدي الحسين أمطرت السماء دماً وتراباً أحمر.(12)
وروي عن أم سلمة رضي الله تعالى عنها ، قالت : لما قتل الحسين(عليه السلام) مطرنا دماً(13) وفي رواية ابن حمدون قال : قال سليم القاص : لما قتل الحسين بن علي(عليهما السلام)مطرت السماء دماً عبيطاً.(14)
ومن الآيات التي وقعت بعد مقتل الحسين(عليه السلام) ظهور الكواكب في النهار ، قال عيسى بن الحارث الكندي : لما قتل الحسين(عليه السلام) مكثنا سبعة أيام إذا صلّينا العصر نظرنا إلى الشمس على أطراف الحيطان كأنها الملاحف المعصفرة ، ونظرنا إلى الكواكب يضرب بعضها بعضاً(15) ، وعن خلف بن خليفة ، عن أبيه قال : لما قتل الحسين(عليه السلام) اسودَّت السماء ، وظهرت الكواكب نهاراً حتى رأيت الجوزاء عند العصر ، وسقط التراب الأحمر.(16)
وحدَّث عبد الملك بن كردوس ، عن حاجب عبيدالله بن زياد ، قال : دخلت معه القصر حين قتل الحسين(عليه السلام) ، قال : فاضطرم في وجهه ناراً أو كلمة نحوها ، فقال هكذا بكمِّه على وجهه ، وقال : لا تحدّثن بهذا أحداً.(17)
ومن الآيات التي وقعت أنه ما رُفع حجر إلاَّ وتحته دم عبيط ، فقد حدَّث خلاد صاحب السمسم عن أمه في مقتل الحسين(عليه السلام) قالت : وكانوا لا يرفعون حجراً إلاّ وجد تحته دم.(18)
وعن محمد بن عمر بن علي ، عن أبيه ، قال : أرسل عبد الملك إلى ابن رأس الجالوت ، فقال : هل كان في قتل الحسين(عليه السلام) علامة؟ قال ابن رأس الجالوت : ما كُشف يومئذ حجر إلاَّ وجد تحته دم عبيط.(19)
وعن الزهري قال : قال لي عبد الملك بن مروان : أيُّ واحد أنت إن أخبرتني
أيَّ علامة كانت يوم قتل الحسين بن علي (عليه السلام) ؟ قال : قلت : لم تُرفع حصاة ببيت المقدس إلاّ وجد تحتها دم عبيط ، فقال عبد الملك : إني وإياك في هذا الحديث لقرينان.(20)
ومما جاء وظهر من كرامات الرأس الشريف حينما حمله القوم إلى الكوفة ما رواه أبو مخنف ، قال : فسرّح برأسه(عليه السلام) من يومه ذلك مع خولي بن يزيد ، وحميد بن مسلم الأزدي إلى عبيدالله بن زياد ، فأقبل به خولي ، فأراد القصر فوجد باب القصر مغلقاً ، فأتى منزله فوضعه تحت إجانة في منزله ، وله امرأتان : امرأة من بني أسد ، والأخرى من الحضرميين يقال لها : النوار ابنة مالك بن عقرب ، وكانت تلك الليلة ليلة الحضرمية .
قال هشام : فحدَّثني أبي عن النوار بنت مالك ، قالت : أقبل خولي برأس الحسين(عليه السلام) ، فوضعه تحت إجانة في الدار ، ثمَّ دخل البيت فأوى إلى فراشه ، فقلت له : ما الخبر؟ ما عندك؟ قال : جئتك بغنى الدهر ، هذا رأس الحسين معك في الدار ، قالت : فقلت : ويلك ، جاء الناس بالذهب والفضة ، وجئت برأس ابن رسول الله(صلى الله عليه وآله)؟ لا والله لا يجمع رأسي ورأسك بيت أبداً .
قالت : فقمت من فراشي ، فخرجت إلى الدار ، فدعا الأسدية فأدخلها إليه ، وجلست أنظر ، قالت : فوالله ما زلت أنظر إلى نور يسطع مثل العمود من السماء إلى الإجانة ، ورأيت طيراً بيضاً ترفرف حولها ، قال : فلما أصبح غدا بالرأس إلى عبيدالله بن زياد لعنة الله .(21)
وعن المنهال بن عمرو قال : أنا ـ والله ـ رأيت رأس الحسين بن علي(عليه السلام)حين حمل وأنا بدمشق ، وبين يدي الرأس رجل يقرأ سورة الكهف حتى بلغ قوله تعالى : {أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَباً}.(22)
قال : فأنطق الله الرأس بلسان ذرب ، فقال : أعجب من أصحاب الكهف قتلي وحملي.(23)
وعن سلمة بن كهيل قال : رأيت رأس الحسين بن علي(عليه السلام) على القنا وهو يقول : {فَسَيَكْفِيكَهُمْ اللهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}
ولله درّ بعضهم إذ يقول :
جاؤوا برأسِكَ يا ابنَ بنتِ محمَّد مترمِّلا بدِمَائِهِ ترميلا
وكأنَّما بِكَ يا ابنَ بنتِ محمَّد قَتَلُوا جِهَاراً عامدين رسولا
قتلوك عَطْشَاناً ولم يترقَّبوا في قَتْلِكَ التنزيلَ والتأويلا
ويكبِّرون بأَنْ قُتِلْتَ وأنَّما قَتَلُوا بك التكبيرَ والتهليلا
الهوامش:
1-ينابيع المودة ، القندوزي الحنفي : 3/20 ـ 21 ح 36 ، تاريخ دمشق ، ابن عساكر : 14/228 .
2-المعجم الكبير الطبراني : 3/114 ح 2840 ، مجمع الزوائد ، الهيثمي : 9/197 .
3-ينابيع المودة ، القندوزي الحنفي : 3/20 ـ 21 ح 36 .
4-حلية الأولياء ، أبو نعيم : 2/276 ، تاريخ مدينة دمشق ، ابن عساكر : 93/493 .
5-الصواعق المحرقة ، ابن حجر : 295 ، نظم درر السمطين ، الزرندي : 222 .
6-تاريخ مدينة دمشق ، ابن عساكر : 14/226 .
7-المعجم الكبير ، الطبراني : 3/114 ح 2838 ، تهذيب التهذيب ، ابن حجر : 6/433 .
8-تفسير القرطبي : 10/220 و16/141 ، تاريخ دمشق ، ابن عساكر : 64/217 .
9-تاريخ مدينة دمشق ، ابن عساكر : 14/225 ، سير أعلام النبلاء ، الذهبي : 3/312 .
10-تفسير ابن كثير: 4/154 ، الدر المنثور ، السيوطي: 6/31.
11-أسد الغابة ، ابن الأثير : 2/21 ، سير أعلام النبلاء ، الذهبي : 3/314 ـ 315 .
12-بحار الأنوار ، المجلسي : 44/285 ح 23 عن عيون أخبار الإمام الرضا(عليه السلام).
13-ذخائر العقبى ، الطبري : 145 ، سبل الهدى والرشاد ، الشامي : 11/80 .
14-التذكرة الحمدونية ، ابن حمدون : 9/245 ، رقم : 479 .
15-المعجم الكبير ،الطبراني : 3/114 ح 2839 سير أعلام النبلاء ، الذهبي : 3/312 .
16-تهذيب الكمال ، المزي : 6/432 ، تاريخ مدينة دمشق ، ابن عساكر : 14/226 .
17-تاريخ دمشق ، ابن عساكر : 37/451 ، المعجم الكبير ، الطبراني : 3/112 ح 2831 .
18-تاريخ دمشق ، ابن عساكر : 14/226 ، ترجمة الإمام الحسين(عليه السلام) من كتاب بغية الطلب في تأريخ حلب ، ابن العديم : 173 ح 151 .
19-تاريخ مدينة دمشق ، ابن عساكر : 14/230 ، ترجمة الإمام الحسين(عليه السلام) من كتاب بغية الطلب في تأريخ حلب ، ابن العديم : 173 ح 150 .
20-المعجم الكبير ، الطبراني : 3/119 ح 2856 .
21-تاريخ الطبري : 4/384 ، البداية والنهاية ، ابن كثير : 8/206 .
22-سورة الكهف ، الآية : 9 .
23-تاريخ مدينة دمشق ، ابن عساكر : 60/369 ـ 370 ، الخصائص الكبرى ، السيوطي : 2/127 .
المصدر: من مواقع مختلفة بتصرف