سوسن غبريس
هل تقاس نتائج المعارك انتصارًا أو هزيمةً، بموت الأبطال فيها أو ببقائهم أحياء؟ وهل يمكن وفقًا لذلك، اعتبار الحسين(ع) خاسرًا في معركته، بينما ربح يزيد لبقائه حيًّا؟
إنَّ الإنسان محكوم بالموت لا محالة، وليس من إنسانٍ على وجه البسيطة، أيًّا كان، إلّا وسيكون مصيره الموت.
فلا يمكن أن يقال إنَّ الحسين(ع) خسر في معركته لأنّه سقط شهيدًا، ورحل عن الدّنيا، بينما انتصر يزيد لأنّه بقي في قيد الحياة، واستمرّ في الحكم والسّلطة، فيزيد أيضًا مات، ولم يعش سوى سنوات قليلة في الحكم بعد الحسين، والفرق بين النّهايتين، أنّ يزيد حمل معه العار الأبديّ إلى آخرته، وسخط الله وغضبه، ولعنة التّاريخ والأجيال. أمّا الحسين، فعاش شامخًا، ومضى شامخًا، وقد أدّى واجبه أمام الله والأمّة والتّاريخ، وتحوّلت شهادته المباركة إلى درسٍ لكلّ أحرار العالم، وغدا دمه نبراسًا لكلّ الشّرفاء، وقدوةً لكلّ الثّائرين على الظّلم، والحريصين على الحريّة والكرامة الإنسانيّة، وصار اسمه مقرونًا بكلّ معاني الشّهامة والرّفعة والسموّ، ورمزًا للتّضحية في حدّها الأقصى.
وكذلك الأمر في كلّ من وقفوا في معسكر يزيد، وقاتلوا ضدّ الحسين(ع)، ممّن طمعوا في منصبٍ، أو سلطةٍ، أو حفنةٍ من المال، أو ممّن ملأ الحقد قلبهم، فقد ماتوا أيضًا، ولكنّهم خسروا دنياهم وآخرتهم، وتحوَّلوا إلى مثال سوءٍ يُرمَون باللّعنات من كلّ حدبٍ وصوب، بينما من وقفوا مع الحسين(ع)، وقاتلوا معه حتّى الرَّمق الأخير، ربحوا أنفسهم وآخرتهم، وكسبوا صيتًا نقيًّا يفوح منه عطر التّضحية والإيثار، فلا يُذكَر اسم واحد منهم، إلّا مصحوبًا بكلّ آيات الثّناء والاحترام والتّقدير.
أين يزيد اليوم وأين الحسين؟ من الّذي انتصر فعلًا ومن الّذي خسر؟ طالما أنَّ المعارك تقاس بنتائجها، فها هي عاشوراء تتحدَّى الزَّمن، وكلّ محاولات طمسها عبر التّاريخ، وتنتنقل من جيلٍ إلى جيل، تحمل معها كلَّ أهداف الثَّورة ودروسها؛ من الدّعوة إلى الوقوف بوجه الظّلم والطّغيان، والسّعي إلى الإصلاح ومواجهة الفساد، وتحدّي المستكبرين والطّغاة، ونصرة المستضعفين، والمطالبة بالحقوق وعدم الاستهتار بها، وعدم السّكوت على ضيم... ولن تتوقَّف مسيرتها طالما هناك قلبٌ ينبض بحبّ الحسين، وطالما هناك عرقٌ يطمح إلى الحريّة والعيش الكريم.
وفي ظلّ الصّراع المستمرّ بين الحقّ والباطل، ستبقى ثورة الحسين البوصلة الّتي تهدي الثّائرين نحو مراتع النّور، وتمدّهم بالعزيمة والإصرار، وتقودهم نحو مساحات الحريّة، وتمنع عنهم الخوف من الموت، وتلقي في قلوبهم الشّجاعة والإيمان بالانتصار النّهائيّ الحتميّ.
المصدر:موقع بينات