إنها الزيارة السابعة التي يقوم بها الرئيس الصيني شي جينبينغ إلى روسيا منذ توليه منصبه عام 2012، وهو اللقاء الثالث مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين هذا العام، وهذا إن دلّ على شيء، فإنما يدل على أن العلاقات بين البلدين العملاقين في شرق آسيا تتجه أكثر فأكثر نحو منحى الشراكة الكاملة، وإن لم يصفها بعد أي مسؤول في كلتا العاصمتين، بكين وموسكو، بعلاقة تحالف.
وليست أرقام الزيارات وحدها هي اللافتة، بل إن الأرقام الاقتصادية تدفع إلى الاعتقاد بأن البلدين يعوّل أحدهما على الآخر لتجاوز المرحلة الضبابية التي يعيشها العالم في الفترة الأخيرة، ولا سيما مع حالة الهياج التي تعيشها الولايات المتحدة الأميركية، بقيادة رئيسها المغامر دونالد ترامب.
فالتبادل التجاري بين البلدين سيقفز إلى أكثر من مئة مليار دولار هذا العام، وباتت روسيا المصدّر الأول للبترول والغاز إلى الصين، ومن المتوقع أن ترتفع حصة روسيا في سلّة واردات النفط والغاز الصينية أكثر فأكثر مع استكمال تنفيذ العديد من المشاريع المشتركة التي تم تأسيسها في روسيا خلال السنوات الماضية، كما أن الاستثمارات الصينية المباشرة في روسيا زادت بنسبة سبعين بالمئة في العام 2018 عن العام الذي سبقه، إلى غير ذلك من الأرقام التي تدل على تعمّق العلاقات الاقتصادية بشكل غير مسبوق بين الدولتين الجارتين.
هذا في الاقتصاد، أما في السياسة، فإن حالة التناغم بين طروحات البلدين السياسية حول مختلف القضايا الدولية بادية للعيان من خلال التماعة عيني الرئيسين شي وبوتين خلال لقاءاتهما المتعددة، وهي التماعة لا تخفى على المراقبين، الذين يصف بعضهم ما يحصل بين الزعيمين بانه حالة ودّ تفوق تلك الموجودة بين صديقين مقرّبين.
ولا يقتصر الودّ على المشاعر، وإنما يترجم نفسه بشكل عملي في المواقف المشتركة من مختلف القضايا الدولية، حيث تتطابق مواقف موسكو وبكين نحو الكثير من القضايا الدولية، بل وتتحدث العاصمتان بلغة واحدة تجاه العديد من القضايا، وعلى رأسها القضية المركزية على المستوى الدولي الآن، وهي قضية التفرد الأميركي في إدارة العالم، والدعوة إلى التعددية القطبية في العالم.
ففي لقاء فلاديفوستك الأخير بين الزعيمين شي وبوتين، وافق القطبان على القول "إن العلاقات الصينية - الروسية نمت بزخم أقوى خلال هذا العام، ودخلت فترة جديدة من التنمية الأسرع بمستوى أعلى".
وقال رئيسا الدولتين "بصرف النظر عن التغيرات التي طرأت على الوضع الدولي، فإن الصين وروسيا ستقومان بتعزيز علاقاتهما بشكل راسخ، وبحماية السلام والاستقرار على المستوى العالمي".
وفي إشارة إلى "اللغة المشتركة" التي يتحدث بها البلدان في هذه الفترة دعا الرئيس الصيني "الجانبين إلى التمسك الحازم بغايات ميثاق الأمم المتحدة ومبادئه، والمعارضة المشتركة للأحادية والحمائية التجارية، والمضي قدما في بناء نمط جديد من العلاقات الدولية ومجتمع مصير مشترك للبشرية".
أما الرئيس الروسي فقال من جهته "إن روسيا والصين لديهما العديد من الآراء المتشابهة إزاء الوضع الدولي الحالي"، داعيا الدولتين "إلى تعزيز التنسيق والتعاون في الشؤون الدولية والمعارضة الحازمة للأحادية وحماية نظام عالمي عادل ورشيد، وتحقيق تنمية وازدهار على نحو مشترك".
والحديث عن رفض الأحادية لدى الرئيسين ليس ترفاً فكرياً أو مناقشة نظرية تنطلق من رؤية أيديولوجية، وإنما هو نابع من واقع العقوبات والحصار اللذين تفرضهما إدارة ترامب الأميركية على كلا البلدين في آن معاً، ما يجعلهما في موقع الدفاع عن المصالح الجوهرية لكل بلد على حدة، وفي موقع المبادر للمساهمة في إقامة نظام عالمي جديد لا يمكن فيه لدولة واحدة أن تفرض على دول العالم الأخرى كلها رؤيتها الضيقة ومصالحها الأنانية، منتظرةً من الدول الأخرى الخضوع والاستسلام دون أي شكل من أشكال المقاومة.
لقد بنت الصين وروسيا نواة لنظام عالمي جديد بدأ بالتشكّل، ويبدو من تكثيف اللقاءات بين مسؤولي الدولتين أن التوجه هو لتمتين أسس هذا النظام، لأن هذه هي الوسيلة الوحيدة لمنع الهيمنة الأميركية من البقاء سيفاً مصلتاً على مستقبل البشرية، بمن فيها أقوى دولها الآن، أي الصين وروسيا.
بقلم : محمود ريا
31