حظي العباس - من بين أبناء أئمة أهل البيت - بمنزلة كبيرة في الوسط الشيعي، وأوردت مصادرهم الكثير من فضائله ومكرماته على لسان أئمة أهل البيت ، فكان هو في تعبيرهم نعم الأخ المواسي للحسين، صاحب المنزلة التي يغبطه عليها جميع الشهداء يوم القيامة، نافذ البصيرة، صُلب الإيمان، العبد الصالح المطيع للهولرسوله ولأمير المؤمنين والحسن والحسين .
كان العباس في واقعة كربلاء صاحب لواء أخيه الحسين ، وقد كسر الحصار يومي السابع والعاشر من محرم بعد أن حُرِم المخيّم من شرب نهر الفرات، فاقتحم صفوف العدوّ، ولم يأبه بحشودهم وهم يُعَدّون بالألوف، فتمكّن من جلب الماء لمعسكر الحسين في المحاولة الأولى فلقّب بالسقّاء، واستشهد في طريق عودته من المحاولة الثانية وهو يأبى أن يشرب دون الحسين ومخيّمه، فقطعت يداه، وأصيبت عينه بسهم، وأريق ماء القربة. ولمنزلته الرفيعة ومقامه السامي خصصوا يوم السابع من المحرم (وفي إيران يوم التاسع) لإحياء ذكراه وإقامة مراسم العزاء له.
النسب
العباس بن علي بن أبي طالب أمّه فاطمة أمّ البنين بنت حزام (حرام) بن خالد بن ربيعة بن الوحيد، وهو: عامر بن كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة، تزوجهاأمير المؤمنين بعد وفاة السيدة فاطمة الزهراء ، فسمّاها أم البنين.
الكنى والألقاب
كناه
يكنى بأبي الفضل وهي أشهر كناه. وعزى الكثير من العلماء والأدباء ذلك إلى ما اتسم به من فضائل كثيرة.
ويكنّى بأبي القاسم، ومن هنا حمل الباحثون والمحققون ما ورد في زيارة الأربعين عليه. قال جابر بن عبد الله الأنصاري: «السلام عليك يا أبا القاسم يا عباس بن علي».
ألقابه
لقب بمجموعة من الألقاب تحكي عظم شخصيته، منها:
قمر بني هاشم.
باب الحوائج.
الطيّار.
الشهيد.
السقّاء؛ وذلك لما قام به من إقدام وبذله من تضحيات في جلب الماء إلى معسكر الإمام الحسين .
العبد الصالح.
صاحب اللواء.
ولادته وشهادته
ولد العباس في الرابع من شعبان سنة 26 هـ في المدينة المنورة، وكانت شهادته في كربلاء يوم العاشر من المحرّم سنة 61 هـ.
الطفولة والفتوة والشباب
مرحلة الطفولة
عاش العباس في كنف أبيه أمير المؤمنين وأخويه الحسن والحسين ينهل من نمير علمهم ويرتوي من زلال رافدهم، ولم تكن كُلِّ البصائر في أبي الفضل اكتسابية، بل كان مجتبلاً من طينة القداسة التي مزيجها النور الإلهي، حتّى تكوّنت في صُلّب من هو مثال الحقّ، ذلك الذي لو كشف عنه الغطاء ما ازداد يقيناً، فلم يصل أبو الفضل إلى عالم الوجود إلاّ وهو معدن الذكاء والفطنة، وأُذن واعية للمعارف الإلهية، ومادة قابلة لصور الفضائل كُلّها، فاحتضنه حجر العلم والعمل، حجر اليقين والإيمان، وعادت أرومته الطيّبة هيكلاً للتوحيد، يغذّيه أبوه بالمعرفة، فتشرق عليه أنوار الملكوت، وأسرار اللاهوت، وتهبّ عليه نسمات الغيب، فيستنشق منها الحقائق.
وقد أشار أمير المؤمنين إلى سمّو مرتبة العباس العلمية بقوله: «إنّ ولدي العبّاس زق العلم زقاً».
وقد رأت أُمّ البنين في بعض الأيام أنّ أميرَ المؤمنين أجلس أبا الفضل على فخذه، وشمّر عن ساعديه، وقبلهما وبكى، فأدهشها الحال؛ لأنّها لم تكن تعهد صبيّاً بتلك الشمائل العلوية ينظر إليه أبوه ويبكي، من دون سبب، ولمّا أخبرها أمير المؤمنين على ما سيحدث لهذين اليدين من القطع في نصرةالحسين : «بكت وأعولت وشاركها مَن في الدار في الزفرة والحسرة، غير أنّ سيّد الأوصياء بشّرها بمكانة ولدها العزيز عند اللّه جلّ شأنه، وما حباه عن يديه بجناحين يطير بهما مع الملائكة في الجنّة، كما جعل ذلك لجعفر بن أبي طالب».
مرحلة الفتوة والشباب
بذل أمير المؤمنين قصارى جهده في إعداد ولده وتربيته على المثل العليا والأخلاق النبيلة التي دعت إليها الشريعة المحمدية. وقد لازم العباس بن علي (ع) أباه أمير المؤمنين طيلة أربع عشرة سنة يستضيئ بنور علمه، وسار في ركابه إبّان خلافته، ولم يتخلّف عن معركة صفين سنة 37 هـ مع حداثة سنّه، وقد أبلى فيها بلاءً حسناً.
الحضور في صفين
كسر حلقة الحصار وإباحة الماء
انّ معاوية لمّا نزل بجيشه على الفرات إبّان معركة صفين وجعلها في حيِّزه، وبعث عليها أبا الأعور السُّلمي يحميها ويمنعها. وبعث أمير المؤمنين صعصعة بن صوحان إلى معاوية، يسأله أن يخلِّي بين الناس والماء، فرجع صعصعة فأخبره بما كان من إصرار جيش الشام على منعهم الماء!.
فلمَّا سمع عليٌّ ذلك قال: «قاتلوهم على الماء»، فأرسل كتائب من عسكره، فتقاتلوا، واشتدَّ القتال، واستبسل أصحاب الإمام وفيهم الإمامين الحسنوالحسين والعباس بن علي ، أشدَّ شجاعة، حتى خلَّوا بينهم وبين الماء، وصار في أيدي أصحاب عليٍّ .
مقارعة الأبطال
وممّا يروى: أنّه في بعض أيّام صفّين خرج من جيش أمير المؤمنين شاب على وجهه نقاب، تعلوه الهيبة، وتظهر عليه الشجاعة، يقدّر عمره بالسبع عشر سنة، يطلب المبارزة، فهابه الناس، وندب معاوية إليه أبا الشعثاء، فقال: إنّ أهل الشام يعدّونني بألف فارس، ولكن أرسل إليه أحد أولادي، وكانوا سبعة، وكُلّما خرج أحد منهم قتله حتّى أتى عليهم، فساء ذلك أبا الشعثاء وأغضبه، ولمّا برز إليه ألحقه بهم، فهابه الجمع ولم يجرأ أحد على مبارزته، وتعجّب أصحاب أمير المؤمنين من هذه البسالة التي لاتعدو الهاشميين، ولم يعرفوه لمكان نقابه، ولما رجع إلى مقرّه دعا أبوه أمير المؤمنين ، وأزال النقاب عنه، فإذا هو قمر بني هاشم ولده العبّاس .
أسرته
تزوج العباس من لبّابة بنت عبيد اللّه بن العبّاس بن عبد المطلب، وأُمّها أُم حكيم جويرية بنت خالد بن قرظ الكنانية. وهي التي أنجبت له الفضل وعبيد الله. واتفقّ أرباب النسب على انحصار نسل العبّاس ابن أمير المؤمنين في ولده عبيد اللّه. ولعبيد الله ولدان هما عبد الله والحسن. وانحصر نسل عبيد اللّه في ولده الحسن الذي كان لأُم ولد، وعاش سبعاً وستّين سنة، وله خمسةأبناء، هم: الفضل، وحمزة، وإبراهيم، والعبّاس، وعبيد اللّه.
وأمّا الفضل فكان لسناً متكلّماً فصيحاً، شديد الدّين، عظيم الشجاعة، محتشماً عند الخلفاء، ويقال له: (ابن الهاشمية)؛ وأمّا حمزة وإبراهيم ويُعرف بـ (جردقة) فكانا من الفقهاء الأُدباء والزهّاد؛ وأمّا عبيد اللّه بن الحسن بن عبيد اللّه بن العبّاس السقاء ، ففيه يقول محمّد بن يوسف الجعفري: «ما رأيت أحداً أهيب، ولا أهيأ، ولا أمرأ من عبيد اللّه بن الحسن، تولّى إمارة الحرمين مكة والمدينة والقضاء بهما أيّامالمأمون سنة 204 للهجرة؛ وأما العباس فقد عرف بالفصاحة والبلاغة والخطابة». وكُلّهم أعقبوا أبناء أجلّاّء فضلاء أُدباء، منهم محمد بن علي بن حمزة بن الحسن بن عبيد الله من كبار شخصيات القرن الثالث الهجري.
خصاله ومناقبه
العباس في ركاب الإمام الحسن
لازم العباس بن علي ركاب أخيه الإمام الحسن ، وسار تحت لوائه طيلة حياته، وبذل جهداً كبيراً في الدفاع عن أخيه الحسن ودرء خطر معاويةالذي ما برح محدقاً بالإمام ، وقد عرف في فترة إمامة أخيه الحسن بباب حوائج الشيعة، حيث كان الواسطة في إيصال ما تجود به يد الإمام إلى الفقراء والمحتاجين ويرشد إلى داره الطالبين والمحتاجين.
ولمّا تمادى الأمويون بالشر، وظهرت خفايا نفوسهم المنطوية على الحقد والعداء لآل البيت، وأوعزوا إلى عملائهم برمي جنازة الإمام، فرموها برماحهم وسهامهم، أسرع أبو الفضل العبّاس إلى مناجزة الأمويين، وتمزيقهم، فمنعه أخوه الإمام الحسين من القيام بأي عمل امتثالاً لوصيّة أخيه الحسن .
ومن أفضل الشواهد الدالة على مدى ملازمته لأخيه الحسن ما شهد به الإمام الصادق في زيارته لعمّه العباس التي جاء فيها: «فجزاك الله عن رسوله، وعن أمير المؤمنين، وعن الحسن والحسين صلوات الله عليهم أفضل الجزاء بما صبرت، واحتسبت، وأعنت فنعم عقبى الدار ...».
العباس في كلمات السجاد
قد أثبت الإمام السجاد لعمه العباس منزلة كبرى لم ينلها غيره من الشهداء ساوى بها عمّه الطيار، فقال : «رحم اللّه عمّي العبّاس بن علي، فلقد آثر وأبلى، وفدى أخاه بنفسه حتّى قُطعت يداه، فأبدله اللّه عزّوجلّ جناحين يطير بهما مع الملائكة في الجنّة، كما جعل لجعفر بن أبي طالب، إنّ للعبّاس عند اللّه تبارك وتعالى منزلة يغبطه عليها جميع الشهداء يوم القيامة».
العباس في كلمات الصادق
كان الإمام الصادق وهو العقل المبدع والمفكّر في الإسلام يشيد دوماً بعمّه العبّاس ، ويثني ثناءً عاطراً ونديّاً على مواقفه البطولية يوم الطفّ، وكان مما قاله في حقّه: «كان عمّي العبّاس بن علي نافذ البصيرة، صُلب الإيمان، جاهد مع أخيه الحسين ، وأبلى بلاءً حسناً، ومضى شهيداً.... أشهد، وأُشهد الله أنّك مضيت على ما مضى به البدريون والمجاهدون في سبيل الله، المناصحون له في جهاد أعدائه، المبالغون في نصرة أوليائه، الذابّون عن أحبّائه».
العباس في كلمات المهدي
أدلى الإمام المصلح العظيم بقيّة الله في الأرض قائم آل محمد بكلمة رائعة في حقّ عمّه العبّاس جاء فيها: «السلام على أبي الفضل العبّاس ابن أمير المؤمنين، المواسي أخاه بنفسه، الآخذ لغده من أمسه، الفادي له، الواقي، الساعي إليه بمائه، المقطوعة يداه، لعن الله قاتليه يزيد بن الرقاد، وحكيم بن الطفيل الطائي..».
معرفته بإمام زمانه وانقياده له
عُرف العباس بن علي بوعيه العميق لنظرية الإمامة وطاعته المطلقة وانقياده التام لإمام زمانه، وهناك دلائل ومؤشرات تكشف عن هذه الخصوصية عنده ، منها:
ما جاء في الزيارة المروية عن الإمام الصادق : «.... المطيع لله ولرسوله ولأميرالمؤمنين والحسن والحسين صلى الله عليهم».
لمّا جاء شمر بن ذي الجوشن بكتاب الأمان عصر التاسع من المحرم ونادى: «أين بنو أُختنا؟ أين العبّاس وإخوته؟ فأعرضوا عنه، فقالالحسين: «أجيبوه ولو كان فاسقاً».
قالوا: «ما شأنك؟ وما تريد؟».
قال: «يا بني أُختي، أنتم آمنون، لا تقتلوا أنفسكم مع الحسين ، وألزموا طاعة أمير المؤمنين يزيد».
فقال له العبّاس : «تبت يداك ولعن ما جئت به من أمانك يا عدو الله! أتامرنا أن نترك أخانا وسيدنا الحسين بن فاطمة ، وندخل في طاعة اللعناء وأولاد اللعناء؟! أتؤمننا وابن رسول الله لا أمان له؟!».
العباس في عاشوراء
السقاية
في اليوم السابع من المحرّم حوصر سيّد الشهداء ومن معه، وسُدّ عنهم باب الورود، ونفذ ما عندهم من الماء، فعاد كُلّ منهم يعالج لهب الأوام، وبطبع الحال كانوا بين أنّة وحنّة، وتضوّر، ونشيج، ومتطلّب للماء إلى متحرّ ما يبلّ غلته، وكُلّ ذلك بعين «أبي علي» والغيارى من آله، والأكارم من صحبه، وما عسى أن يجدوا لهم وبينهم وبين الماء رماح مشرعة وبوارق مرهفة، في جمع كثيف يرأسهم عمرو بن الحجاج.
هناك وكَّلَ الحسين لهذه المهمة أخاه العبّاس ، فأمره أن يستقي للحرائر والصبية، وضمّ إليه ثلاثين فارساً وعشرين راجلاً، وبعث معهم عشرين قربة، وتقدّم أمامهم نافع بن هلال الجملي، فمضوا غير مبالين، ثُمّ صاح نافع بأصحابه: إملأوا قربكم، وشدّ عليهم أصحاب ابن الحجّاج، فكان بعض القوم يملأ القرب وبعض يقاتل، فجاؤوا بالماء وليس في القوم المناوئين من تحدّثه نفسه بالدنوّ منهم، فرقاً من ذلك البطل المغوار.
وقد تكرر ذلك منه يوم العاشر من المحرم حيث كسر الحصار المضروب على نهر العلقمي، واقتحم النهر إلاّ أنّه وفي طريق عودته واجه مقاومة من العدو، وأصيبت القربة وأريق ماؤها.
ممثل الحسين
روى أرباب المقاتل أن عمر بن سعد نهض لحرب الحسين عشية يوم الخميس لتسع مضين من المحرم ونادى «يا خيل الله اركبي وبالجنة أبشري»، فركب العسكر، وزحف نحو الحسين ، فقال العبّاس : «يا أخي، أتاك القوم». فنهض ، وأمر العبّاس بالرّكوب إليهم، وقال: «قل لهم مالكم وما بدا لكم؟» فأتاهم العبّاس في نحو من عشرين فارساً، فقال لهم: «ما بدا لكم، وما تُريدون ؟!» قالوا: «قد جاء أمر الأمير أن نَعْرض عليكم أن تنزلوا على حُكمه أو نناجزكم».
قال: «فلا تعجلوا حتّى أرجع إلى أبي عبدالله فأعرضَ عليه ما ذَكَرْتُم». فأقبل العبّاس إلى الحسين ، فأخبره بما قال القوم، قال: «إرْجِعْ إليهم، فإن استطعتَ أَنْ تؤخّرهم وتدفعهم عنّا هذه العشيّة لعلّنا نُصلّي لربّنا اللّيلة وندعوه ونستغفره» فمضى العبّاس إلى القوم، وسألهم ذلك. فأمر ابن سعد مُناديه فنادى: «قد أجّلنا حسيناً وأصحابه يومهم وليلتهم».
الحفاظ على المخيم
مع أن العباس كان قد أخذ من القوم عهداً بتأجيل المعركة إلى الغد إلاّ أنّه بقي تلك الليلة يحرس الخيام، ويدور في وسطها. وقام زهير بن القين إلى العبّاس فحدّثه بحديث، قال فيه: «إنّ أباك أمير المؤمنين طلب من أخيه عقيل - وكان عارفاً بأنساب العرب وأخبارها - أن يختار له امرأة ولدتها الفحولة من العرب، وذوو الشجاعة منهم، ليتزوّجها؛ فتلد غلاماً فارساً شجاعاً، ينصر الحسين بطفّ كربلاء، وقد ادّخرك أبوك لمثل هذا اليوم، فلا تقصّر عن نصرة أخيك وحماية إخوتك».
فغضب العبّاس ، وقال: «يا زهير، تشجّعني هذا اليوم، فواللّه لأرينّك شيئاً ما رأيته».
صاحب اللواء
لمّا أصبح الحسين في يوم عاشوراء، وفرغ من عبادته عبأ أصحابه، وكان معه اثنان وثلاثون فارساً وأربعون راجلاً، فجعل على ميمنته زهير بن القين، وعلى ميسرته حبيب بن مظاهر، ودفع اللواء إلى أخيه العباس بن علي ، وثبت مع أهل بيته في القلب.
كسر حلقة الحصار
قال الطبري في معرض حديثه عن وقائع يوم عاشوراء: «فأمّا عمرو بن خالد الصيداوي، وجابر بن الحارث السلماني، وسعد مولى عمرو بن خالد، ومجمّع بن عبد اللّه العائذي، فإنّهم قاتلوا في أوّل القتال، فشدّوا مقدمين بأسيافهم على الناس، فلمّا وغلوا عطف عليهم الناس فأخذوا يحوزونهم، وقطعوهم من أصحابهم غير بعيد، فحمل عليهم العبّاس بن عليّ فاستنقذهم».
حفر الآبار
ولما اشتدّ العطش قال الإمام الحسين لأخيه العباس : «لأجمع أهل بيتك، واحفروا بئراً» ففعلوا ذلك، فوجدوا فيها صخرة، ثم حفروا أخرى، فوجدوها كذلك، ثم قال له: «امض إلى الفرات، وآتينا الماء»، فقال: «سمعاً وطاعة»، فضّم إليه الرجال، فمنعهم جيش عمر بن سعد، فحمل عليهم العباس ، فقتل رجالاً من الأعداء حتى كشفهم عن المشرعة، ودفعهم عنها.
تقديم أخوته للقتال
لقد كان من نفوذ بصيرة العبّاس أنّه لم تقنعه هاتيك التضحية المشهودة منه، والجهاد البالغ حدّه، حتّى راقه أن يفوز بتجهيز المجاهدين في ذلك المأزق الحرج، والدعوة إلى السعادة الخالدة في رضوان اللّه الأكبر، وأن يحظى بأُجور الصابرين، على ما يَلمّ به من المصاب بفقد الأحبة، فدعا أُخوته من أُمه وأبيه وهم عبد اللّه، وجعفر، وعثمان وقال لهم: «تقدّموا حتّى أراكم قد نصحتم للّه ولرسوله. فكانوا كما شاء ظنّه الحسن بهم، حيث لم يألوا جهداً في الذبّ عن قدس الدين، حتّى قضوا كراماً متلفّعين بدم الشهادة».
مبارزة الشجعان
واجه العباس بن علي ثلاثة من فرسان القوم وشجعانهم، هم: مارد بن صُدَيف، الذي حمل على العباس برمحه، فأمسك به، وألقاه من ظهر فرسه، ثم قتله برمحه.
والثاني صفوان بن الأبطح المعروف بمهارته برمي النبال إلاّ أنّ العباس تمكّن منه، ولكنه تركه جريحاً، ولم يجهز عليه.
والثالث عبد الله بن عقبة الغنوي، الذي فرّ مذعوراً عن مبارزته بعد أن كان مصراً عليها.
استشهاده
اختلفت كلمة الباحثين والمؤرخين في كيفية شهادته ، فذهب الخوارزمي إلى القول: «فبرز العباس إلى الميدان، فحمل على الأعداء مرتجزاً، وبعد أن قتل وأصاب عدداً منهم سقط شهيداً، فجاءه الحسين ، ووقف عليه، وهو يقول: الآن انكسر ظهري، وقلّت حيلتي».
فيما قرر كل من ابن نما وابن طاووس شهادته بالصورة التالية: «لما اشتد العطش بالحسين ركب المسناة يريد الفرات والعباس أخوه بين يديه فاعترضه خيل ابن سعد... ثم اقتطعوا العباس عنه، وأحاطوا به من كل جانب حتى قتلوه قدس الله روحه، فبكى الحسين لقتله بكاء شديداً».
فيما قررها ابن شهر آشوب بقوله: «وكان العباس السقاء قمر بني هاشم صاحب لواء الحسين وهو أكبر الأخوان، مضى يطلب الماء، فحملوا عليه وحمل عليهم حتى ضعف بدنه، فكمن له حكيم بن طفيل الطائي السنبسي، فضربه على يمينه، فأخذ السيف بشماله».
حمل وهو يرتجز:
يا نفس لا تخشي من الكفاروأبشري برحمة الجبار
مع النبي السيد المختارقد قطعوا ببغيهم يساري
فأصلهم يا ربّ حر النار
فضربه لعين بعمود من حديد فقتله.
وكان العباس آخر من استشهد مع الحسين ، ولم يستشهد بعده إلاّ صبية من آل أبي طالب لم يبلغوا الحلم، ولم يقدروا على حمل السلاح.
استشهد العباس ، وله من العمر 34 سنة.