عمر بن سعد يكتب ليزيد بأمر مسلم بن عقيل ينبهه ويحرضه
كان أول ظهور لاسم عمر بن سعد لعنه الله في أحداث الثورة الحسينية حين قدوم مسلم بن عقيل رضوان الله تعالى عليه إلى أرض الكوفة ومبايعة الناس له وكتابتهم للكتب التي تحث الإمام الحسين عليه السلام وتطلب منه تعجيل القدوم إليهم وغير ذلك من الأحداث المعروفة المشهورة، فلما رأى أنصار يزيد بن معاوية ان البساط سينسحب من تحت أقدامهم، وان مسلم بن عقيل رضوان الله تعالى عليه يقود الجماهير، وان المبايعين للإمام الحسين صلوات الله وسلامه عليه قد بلغوا ثمانية عشر ألف رجل أو يزيدون، وان بيعة يزيد قد نقضت، وان الكوفة ستخرج من أيدي السلطة الأموية وأنصارها، وان الإمام الحسين صلوات الله وسلامه عليه يعد العدة للخروج من مكة قاصدا أرض الكوفة، كتبوا إليه يحذرونه من مغبة ما يجري ويحرضونه على التحرك والوقوف بوجه الثورة الحسينية التي صارت تكبر ويكثر أنصارها يوماً بعد يوم، وكان عمر بن سعد لعنه الله من ضمن الذين كتبوا إلى يزيد بن معاوية بشأن مسلم بن عقيل وأخذه البيعة للحسين صلوات الله وسلامه عليه من الناس، قال البلاذري: (كتب وجوه أهل الكوفة: عمر بن سعد بن أبي وقاص الزهري ومحمد بن الأشعث الكندي وغيرهما إلى يزيد بن معاوية بخبر مسلم بن عقيل، وتقديم الحسين إياه إلى الكوفة أمامه، وبما ظهر لهم من ضعف النعمان بن بشير، وعجزه ووهن أمره)[1].
وقال الطبري: (وخرج عبد الله بن مسلم وكتب إلى يزيد بن معاوية: أما بعد فإن مسلم بن عقيل قد قدم الكوفة فبايعته الشيعة للحسين بن علي فإن كان لك بالكوفة حاجة فابعث إليها رجلا قويا ينفذ أمرك ويعمل مثل عملك في عدوك فإن النعمان بن بشير رجل ضعيف أو هو يتضعف فكان أول من كتب إليه، ثم كتب إليه عمارة بن عقبة بنحو من كتابه، ثم كتب إليه عمر بن سعد بن أبي وقاص بمثل ذلك، قال هشام: قال عوانة فلما اجتمعت الكتب عند يزيد ليس بين كتبهم إلا يومان دعا يزيد بن معاوية سرجون مولى معاوية فقال ما رأيك ؟ فإن حسينا قد توجه نحو الكوفة ومسلم بن عقيل بالكوفة يبايع للحسين، وقد بلغني عن النعمان ضعف وقول سيئ وأقرأه كتبهم فما ترى من أستعمل على الكوفة؟ وكان يزيد عاتبا على عبيد الله بن زياد، فقال سرجون أرأيت معاوية لو نشر لك أكنت آخذا برأيه قال نعم فأخرج عهد عبيد الله على الكوفة فقال هذا رأي معاوية ومات، وقد أمر بهذا الكتاب فأخذ برأيه وضم المصرين إلى عبيد الله وبعث إليه بعهده على الكوفة ثم دعا مسلم بن عمرو الباهلي وكان عنده فبعثه إلى عبيد الله بعهده إلى البصرة وكتب إليه معه أما بعد فإنه كتب إلي شيعتي من أهل الكوفة يخبرونني أن ابن عقيل بالكوفة يجمع الجموع لشق عصا المسلمين فسر حين تقرأ كتابي هذا حتى تأتى أهل الكوفة فتطلب ابن عقيل كطلب الخرزة حتى تثقفه فتوثقه أو تقتله أو تنفيه والسلام)[2].
وقول يزيد بن معاوية لعنه الله: (أما بعد فإنه كتب إلي شيعتي من أهل الكوفة يخبرونني أن ابن عقيل بالكوفة...) فيه تصريح واضح وإقرار علني بأن عمر بن سعد لعنه الله كان يعد من أركان الدولة وقادتها، وان كتابته ليزيد نابعة من شعوره بأن أي خطر يهدد كيان الدولة الأموية فانه يهدد مصالحه الشخصية.
وهو نابع أيضا من علمه بأن يزيد بن معاوية لعنه الله هو في بداية عهد حكم جديد وهو بحاجة إلى من يثبت له حكمه، وبحاجة إلى رجال يديرون له البلدان فبكتابته إلى يزيد بأمر مسلم بن عقيل يكون قد برهن عمليا على إخلاصه وتفانيه في سبيل خدمة يزيد بن معاوية عليه اللعنة، وهو ما سيكافأ عليه من قبل يزيد لعنه الله وهو ما حصل فعلا فقد تم اختياره فيما بعد لشغل منصب حاكم بلاد الري والمناطق المحيطة بها، كما سيأتي ذكره لاحقا.
فيتضح مما سبق ان عمر بن سعد لعنه الله كان سببا مباشرا ورئيسا للقضاء على مسلم بن عقيل وقتله وكان أيضا سببا أساساً ومهما للقضاء على الثورة في الكوفة، وهو أيضا سبب أساس لمجيء ابن مرجانة وتعيينه واليا على الكوفة، وهو أيضا سبب فيما وقع بعد ذلك من أحداث وفجائع.
وليست هذه المرة الوحيدة التي يكتب فيها عمر بن سعد كتابا يؤدي الى سفك دم مسلم وولي من أولياء الله سبحانه، فقد كتب قبل ذلك كتابا إلى معاوية بن أبي سفيان يشهد فيه على حجر بن عدي الكندي صاحب أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه بالكفر ومفارقة الجماعة مما أدى إلى مقتله ومقتل ثلة من أصحابه رضوان الله تعالى عليهم في قضية مفصلة ذكرتها مصادر التاريخ[3].
الهوامش:
[1] انساب الأشراف للبلاذري ص 77ــ 78.
[2] تاريخ الطبري ج 4 ص 265.
[3] راجع على سبيل المثال تاريخ الطبري ج 4 ص 200 ــ 202.
المصدر:مكتبة العتبة الحسينية المقدسة
إقرأ أيضا:شخصيات على اللائحة السوداء..عمر بن سعد..نسب الشخصية الخبيثة