الشيخ عبدالله إبن الحاج حسن آل درويش
فعلى الأطائب من أهل بيت محمد وعلي صلى الله عليهما وآلهما ، فليبك الباكون ، وإياهم فليندب النادبون ، ولمثلهم فلتذرف الدموع ، وليصرخ الصارخون ، ويضجَّ الضاجون ، ويعجَّ العاجون أين الحسن وأين الحسين ، أين أبناء الحسين ، صالح بعد صالح ، وصادق بعد صادق ، أين السبيل بعد السبيل ، أين الخيرة بعد الخيرة ، أين الشموس الطالعة ، أين الأقمار المنيرة ، أين الأنجم الزاهرة ، أين أعلام الدين وقواعد العلم.
يا غيرة الله اغضبي لنبيِّه وتزحزحي بالبيض عن أغمادها
من عصبة ضاعت دماء محمد وبنيه بين يزيدها وزيادها
صفدات مال الله ملءُ أكفِّها وأكفُّ آل الله في أصفادها(2)
روي أنه قيل للإمام الصادق ( عليه السلام ) : سيدي جعلت فداك ، إن الميت يجلسون له بالنياحة بعد موته أو قتله ، وأراكم تجلسون أنتم وشيعتكم من أول الشهر بالمأتم والعزاء على الحسين( عليه السلام ) فقال( عليه السلام ): يا هذا إذا هل هلال محرم نشرت الملائكة ثوب الحسين( عليه السلام )وهو مخرق من ضرب السيوف، وملطخ بالدماء فنراه نحن وشيعتنا بالبصيرة لا بالبصر، فتنفجر دموعنا
عظَّم الله لكم الأجر أيها المؤمنون ، وأحسن الله لكم العزاء بمصاب سيِّد شباب أهل الجنة، فهذا شهر المحرَّم قد أقبل عليكم بأحزانه فحقَّ لكم أن تندبوا الحسين(عليه السلام ) وتبكوه بالدموع الجارية ، وتظهروا الأحزان ، وتتركوا الأفراح ، وتجتمعوا لإقامة المآتم كما أوصى بذلك سيِّدُ شباب أهل الجنة ( عليه السلام ) فقد روي أنه ( عليه السلام ) أوصى ابنه الإمام زين العابدين ( عليه السلام ) قائلا له : يا ولدي ، بلِّغ شيعتي عني السلام ، وقل لهم : إن أبي مات غريباً فاندبوه، ومضى شهيداً فابكوه (351، معالي السبطين ، الحائري : 2/22.)
ويروى أن سكينة ( عليها السلام ) اعتنقت أباها الحسين ( عليه السلام ) بعد مقتله الشريف وجعلت تمرِّغ وجهها على جسده ، وهي تبكي حتى غشي عليها ، ثمَّ جاء أعداء الله فجذبوها منه وأبعدوها عنه وأركبوها ، قالت سكينة : سمعت أبي ( عليه السلام ) يقول وأنا مغشى عليَّ :
شيعتي ما إن شربتم عذب ماء فاذكروني أو سمعتم بقتيل أو شهيد فاندبوني
فأنا السبط الذي من غير جرم قتلوني وبجرد الخيل بعد القتل عمداً سحقوني
ليتكم في يوم عاشورا جميعاً تنظروني كيف أستسقي لطفلي فأبوا أن يرحموني(مثير الأحزان ، الجواهري : 93).
ولله درّ الشيخ عبدالكريم الفرج رحمه الله تعالى إذ يقول في هلال شهر المحرم الحرام :
هلَّ المحرَّمُ فاستهلَّت أدمعي وورى زنادُ الحزنِ بين الأضلعي
مذ أبصرت عيني بزوغَ هلالِهِ ملأ الشجا جسمي ففارق مضجعي
وتنغَّصت فيه عليَّ مطاعمي ومشاربي وازداد فيه توجّعي
اللهُ يا شهرَ المحرَّمِ ما جرى فيه على آلِ النبيِّ الأنزع
اللهُ من شهر أطلَّ على الورى بمصائب شيَّبن روسَ الرضَّعِ
شهرٌ لقد فُجع النبيُّ محمَّد فيه وأيُّ موحِّد لم يُفْجَعِ
شهرٌ به نزل الحسينُ بكربلا في خيرِ صحب كالبدورِ اللُّمَّعِ
فتلألأت منها الربوعُ بنورِهِ وعلت على هامِ السماكِ الأرفعِ
روى الشيخ الصدوق عليه الرحمة عن ابن عباس ، قال : إن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) كان جالساً ذات يوم إذ أقبل الحسن ( عليه السلام ) فلمَّا رآه بكى ، ثمّ قال : إليَّ يا بني، فما زال يُدنيه حتى أجلسه على فخذه اليمنى، ثم أقبل الحسين ( عليه السلام ) ، فلمَّا رآه بكى، ثمَّ قال : إليَّ يا بني ، فما زال يُدنيه حتى أجلسه على فخذه اليسرى ، ثم أقبلت فاطمة ( عليها السلام )، فلمَّا رآها بكى ، ثمَّ قال : إليَّ بابنية فأجلسها بين يديه، ثمَّ أقبل أمير المؤمنين ( عليه السلام ) فلمّا رآه بكى ، ثمَّ قال : إليَّ يا أخي ، فما زال يدنيه حتى أجلسه إلى جنبه الأيمن ، فقال له أصحابه : يا رسول الله ، ما ترى واحداً من هؤلاء إلاَّ بكيت ، أو ما فيهم من تسرُّ برؤيته! ؟ فقال ( صلى الله عليه وآله ) : والذي بعثني بالنبوة ، واصطفاني على جميع البرية ، إني وإياهم لأكرم الخلق على الله عزَّ وجلَّ ، وما على وجه الأرض نسمة أحبّ إليَّ منهم.
أما علي بن أبي طالب فإنه أخي وشقيقي ، وصاحب الأمر بعدي ، وصاحب
لوائي في الدنيا والآخرة ، وصاحب حوضي وشفاعتي ، وهو مولى كل مسلم ، وإمام كل مؤمن ، وقائد كل تقي ، وهو وصيي وخليفتي على أهلي وأمتي في حياتي وبعد مماتي ، محبُّه محبي ، ومبغضُه مبغضي ، وبولايته صارت أمتي مرحومة ، وبعداوته صارت المخالفة له منها ملعونة ، وإني بكيت حين أقبل لأني ذكرت غدر الأمة به بعدي حتى إنه ليزال عن مقعدي ، وقد جعله الله له بعدي ، ثم لا يزال الأمر به حتى يُضرب على قرنه ضربة تخضب منها لحيته في أفضل الشهور«شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَات مِنْ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ»
وأما ابنتي فاطمة ، فإنها سيِّدة نساء العالمين من الأولين والآخرين، وهي بضعة مني ، وهي نور عيني ، وهي ثمرة فؤادي ، وهي روحي التي بين جنبي ، وهي الحوراء الإنسية ، متى قامت في محرابها بين يدي ربِّها جلَّ جلاله زهر نورها لملائكة السماء كما يزهر نور الكواكب لأهل الأرض ، ويقول الله عزَّ وجلَّ لملائكته : يا ملائكتي ، انظروا إلى أمتي فاطمة سيِّدة إمائي ، قائمةً بين يدي ، ترتعد فرائصُها من خيفتي ، وقد أقبلت بقلبها على عبادتي ، أُشهدكم أني قد أمنت شيعتها من النار ، وإني لما رأيتها ذكرت ما يصنع بها بعدي ، كأني بها وقد دخل الذلّ بيتها ، وانتُهكت حرمتها ، وغصبت حقَها ، ومُنعت إرثها ، وكُسر جنبُها ، وأُسقطت جنينها ، وهي تنادي : يا محمداه ، فلا تجاب ، وتستغيث فلا تغاث ، فلا تزال بعدي محزونة مكروبة باكية ، تتذكِّر انقطاع الوحي عن بيتها مرَّة ، وتتذكَّر فراقي أخرى ، وتستوحش إذا جنَّها الليل لفقد صوتي الذي كانت تستمع إليه إذا تهجَّدتُ بالقرآن ، ثم ترى نفسها ذليلة بعد أن كانت في أيام أبيها عزيزة ، فعند ذلك يؤنسها الله تعالى ذكره بالملائكة ، فنادتها بما نادت به مريم بنت عمران ، فتقول : يا فاطمة« إِنَّ اللهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ » ، يا فاطمة « اقْنُتِي لِرَبِّكِ
وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ ".
ثم يبتدىء بها الوجع فتمرض ، فيبعث الله عزَّ وجلَّ إليها مريم بنت عمران ، تمرِّضها وتؤنسها في علّتها ، فتقول عند ذلك : يا رب ، إني قد سئمت الحياة ، وتبرَّمت بأهل الدنيا ، فألحقني بأبي. فيلحقها الله عزَّ وجلَّ بي ، فتكون أول من يلحقني من أهل بيتي ، فتقدم عليَّ محزونة مكروبة مغمومة مغصوبة مقتولة ، فأقول عند ذلك : اللهم العن من ظلمها ، وعاقب من غصبها ، وأذِلَّ من أذلَّها ، وخلِّد في نارك من ضرب جنبها حتى ألقت ولدها ، فتقول الملائكة عند ذلك : آمين. وللهِ درّ السيِّد صالح الحلي عليه الرحمة إذ يقول:
قد أسقطوا جنينَها واعترى من لطمةِ الخدِّ العيونَ احمرارْ
فما سقوطُ الحملِ ما صدرُها مالطمُها ما عصرُها بالجدار
ما وكزُها بالسيفِ في ضلعِها وما انتثارُ قُرْطِها والسوار
ما دفنُها بالليل سِرّاً وما نَبْشُ الثرى منهم عناداً جِهَارْ
وقال آخر :
ولأي الأمور تدفن ليلا ابنة المصطفى ويعفى ثراها
تتمة الحديث قال : قال ( صلى الله عليه وآله ) : وأمَّا الحسن فإنه ابني وولدي ، ومني ، وقرّة عيني ، وضياء قلبي ، وثمرة فؤادي ، وهو سيِّد شباب أهل الجنة ، وحجة الله على الأمة ، أمره أمري ، وقوله قولي : من تبعه فإنه مني ، ومن عصاه فليس مني ، وإني لما نظرت إليه تذكَّرت ما يجري عليه من الذلّ بعدي ، فلا يزال الأمر به حتى يُقتل بالسم ظلماً وعدواناً ، فعند ذلك تبكي الملائكة والسبع الشداد لموته ، ويبكيه كل شيء حتى الطير في جوّ السماء ، والحيتان في جوف الماء ، فمن بكاه لم تعم عينه يوم تعمى العيون ، ومن حزن عليه لم يحزن قلبه يوم تحزن القلوب ، ومن زاره في بقيعه ثبتت قدمه على الصراط يوم تزلّ فيه الأقدام.
ولله درّ الشيخ عبدالحسين شكر عليه الرحمة إذ يقول في رثاء الإمام الحسن( عليه السلام ) :
من مبلغُ المصطفى والطهرِ فاطمة أن الحسينَ دماً يبكي على الحَسَنِ
يدعوه يا عضدي في كلِّ نائبة ومُسْعِدي إن رماني الدهرُ بالوَهَنِ
قد كنتَ لي من بني العليا بقيَّتَهم وللعدوِّ قناتي فيك لم تَلِنِ
فاليومَ بعدَك أضحت وهي ليِّنةٌ لغامز وهنيُّ العيشِ غيرُ هني
لهفي لزينبَ تدعوه ومقلتُها عبرى وأدمعُها كالعارضِ الهَتِنِ(1)
تتمة الحديث قال ( صلى الله عليه وآله ) : وأمَّا الحسين فإنه مني ، وهو ابني وولدي ، وخير الخلق بعد أخيه ، وهو إمام المسلمين ، ومولى المؤمنين ، وخليفة ربّ العالمين ، وغياث المستغيثين ، وكهف المستجيرين ، وحجة الله على خلقه أجمعين ، وهو سيد شباب أهل الجنة ، وباب نجاة الأمة ، أمره أمري ، وطاعته طاعتي ، من تبعه فإنه مني ، ومن عصاه فليس مني ، وإني لما رأيته تذكَّرت ما يصنع به بعدي ، كأني به وقد استجار بحرمي وقبري فلا يجار ، فأضمُّه في منامه إلى صدري ، وآمره بالرحلة عن دار هجرتي ، وأبشِّره بالشهادة ، فيرتحل عنها إلى أرض مقتله وموضع مصرعه ، أرض كرب وبلاء وقتل وفناء ، تنصره عصابة من المسلمين ، أولئك من سادة شهداء أمتي يوم القيامة ، كأني أنظر إليه وقد رمي بسهم فخرَّ عن فرسه صريعاً ، ثم يذبح كما يذبح الكبش مظلوماً.
ثم بكى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وبكى من حوله ، وارتفعت أصواتهم بالضجيج ، ثمَّ قام ( صلى الله عليه وآله ) ، وهو يقول : اللهم إني أشكو إليك ما يلقى أهل بيتي بعدي ، ثم دخل منزله (الأمالي ، الشيخ الصدوق : 174 ـ 177).
ولله درّ الحجة الشيخ حسن علي البدر عليه الرحمة إذ يقول :
ألم تر آلَ اللهِ كيف تراكمت عليهم صروفُ الدهرِ أيَّ تراكمِ
أما شرقت بنتُ النبىِّ بريقِها وجرَّعها الأعداءُ طَعْمَ العلاقمِ
أما قُتِلَ الكرَّارُ بغياً بسيفِ مَنْ بغى وطغى فيما أتى من مآثم
عدوِّ إلهِ العالمين ابنِ مُلجم وأشقى جميعِ الناسِ من دورِ آدم
ألم يَعُدِ الزاكي ابنُه وهو مُلْجأٌ إلى سِلْمِ حرب وهو غيرُ مُسَالِم
أما هجموا فسطاطَه وتناهبوا به رَحْلَه نَهْبَ الغُزاةِ الغنائمِ
أما دسَّت الأعدا له السمَّ غيلةً فألقى به في الطشتِ قَلْبَ المكارم
أما رشقوه النبلَ وهو جنازةٌ على النعشِ لا بل فوقَ هامِ النعائمِ
وإنْ أنس لا أنسى الحسينَ وقد غدا على رَغْمِ أنفِ الدينِ نَهْبَ الصوارم
قضى بعدما ضاقت به سِعَةُ الفضا فضاق له شجواً فضاءُ العوالم
قضى وهو حرَّانُ الفؤادِ من الظما على غُصَص فيها قضى كلُّ هاشمي
فما لنزار لا تقومُ بثارِها فترضع حرباً من ضروعِ اللهاذم
وتملأُها خيلا تسابقُ طرفَها على آلِ حرب تحت أُسْد ضراغمِ
فتوطىءُ هاتيك السنابك هامَهم كما أوطأوها صَدْرَ سيِّدِ هاشمِ
روى الراوندي عليه الرحمة أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) كان يوماً جالساً وحوله علي وفاطمة والحسن والحسين ( عليهم السلام ) فقال لهم : كيف بكم إذا كنتم صرعى ، وقبوركم شتى ؟ فقال الحسن ( عليه السلام ) : أنموت موتاً أو نُقتل قتلا ؟ فقال : يا بني ، بل تقتل بالسم ظلماً ويقتل أخوك ظمأ ، ويُقتل أبوك ظلماً ، وتُشرَّد ذراريكم في الأرض.
فقال الحسين ( عليه السلام ) : ومن يقتلنا ؟ قال : شرار الناس. قال : فهل يزورنا أحد ؟ قال : نعم ، طائفة من أمتي يريدون بزيارتكم برّي وصلتي ، فإذا كان يوم القيامة جئتهم وأخلصهم من أهواله .
وجاء في تفسير الإمام العسكري ( عليه السلام ) أنه قال في قوله تعالى : «وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ» ـ الى قوله تعالى : ـ «فَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمْ الْعَذَابُ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ»قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ـ لما نزلت هذه الآية في اليهود ، هؤلاء اليهود الذين نقضوا عهد الله ، وكذَّبوا رسل الله ، وقتلوا أولياء الله ـ : أفلا أنبِّئكم بمن يضاهيهم من يهود هذه الأمة ؟ قالوا : بلى يا رسول الله. قال : قوم من أمتي ينتحلون أنهم من أهل ملتي ، يقتلون أفاضل ذرّيّتي وأطائب أرومتي ، ويبدّلون شريعتي وسنتي ، ويقتلون ولديَّ الحسن والحسين كما قتل أسلاف هؤلاء اليهود زكريا ويحيى ، ألا وإن الله يلعنهم كما لعنهم ، ويبعث على بقايا ذراريهم قبل يوم القيامة هادياً مهدياً من ولد الحسين المظلوم ، يحرفهم بسيوف أوليائه إلى نار جهنم .
ولله درّ السيد الرضيّ عليه الرحمة إذ يقول :
يا رسولَ اللهِ لو عاينتهم وَهُمُ ما بين قتل وسبا
لرأت عيناك منهم منظرا للحشا شجواً وللعينِ قذى
منك اليوم ما لم نره قبل ذلك ؟
فقال ( صلى الله عليه وآله ) : إني لما أكلت معكم فرحت وسررت بسلامتكم واجتماعكم ، فسجدت لله تعالى شكراً ، فهبط جبرئيل ( عليه السلام ) يقول : سجدت شكراً لفرحك بأهلك ؟ فقلت : نعم ، فقال : ألا أخبرك بما يجري عليهم بعدك ؟ فقلت : بلى يا أخي يا جبرئيل ، فقال : أما ابنتك فهي أول أهلك لحاقاً بك بعد أن تظلم ، ويؤخذ حقها وتمنع إرثها ويظلم بعلها ويكسر ضلعها.
وأما ابن عمك فيظلم ويمنع حقه ويقتل ، وأما الحسن فإنه يظلم ويمنع حقه ويقتل بالسم ، وأما الحسين فإنه يظلم ويمنع حقه وتقتل عترته ، وتطؤه الخيول ، وينهب رحله ، وتسبى نساؤه وذراريه ، ويدفن مرمّلا بدمه ، ويدفنه الغرباء ، فبكيت وقلت : وهل يزوره أحد ؟ قال : يزوره الغرباء ، قلت : فما لمن زاره من الثواب ؟ قال : يكتب له ثواب ألف حجة ، وألف عمرة كلها معك فضحكت ( بحار الأنوار المجلسي : 98/44 ح 84)
ولله درّ من قال من شعراء الحسين ( عليه السلام ) :
جاشت على آلِهِ ما ارتاح واحدُهم من قهر أعداه حتى مات مقهورا
قضى أخوه خضيبَ الرأس وابنتُه غضبى وسبطاه مسموماً ومنحورا
ولله درُّ شاعر أهل البيت ( عليهم السلام ) ابن حماد ( رحمه الله ) تعالى إذ يقول :
لا زلتُ أبكي دماً ينهلُّ منسجما للسيدينِ القتيلينِ الشهيدينِ
السيدين الشريفين اللذين هما خيرُ الورى أبوي مجد وجدّينِ
الضارعين إلى الله المنيبين المسرعين إلى الحقِّ الشفيعين
نورين كانا قديماً في الظلالِ كما قال النبيُّ لعرشِ اللهِ قُرْطَينِ
تُفاحتي أحمدَ الهادي وقد جُعلا لفاطم وعليَّ الطهرِ نسلين
صلَّى الإلهُ على روحيهما وسقى قبريهما أبداً نوءُ السماكين(1)
روي أن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) لما ضربه ابن ملجم لعنه الله بالسيف على رأسه الشريف وخرَّ ( عليه السلام ) في محرابه هبَّت ريح سوداء مظلمة ، والملائكة تنعاه في السماء وأقبل الحسن والحسين ومحمد بن الحنفية وبقية أولاده فوجدوه مشقوق الرأس ، وقد علته الصفرة من انبعاث الدم وشدة السم ، والناس من حوله في النياحة والعويل والبكاء المحرق للأكباد ، فأخذ الحسن رأسه ووضعه في حجره ، فأفاق وقال : هذا ما وعد الله ورسوله ، ولا حول ولا قوة إلاّ بالله العليّ العظيم ، ثمَّ نظر إلى أولاده فرآهم تكاد أنفسهم تزهق من النوح والبكاء، فجرت دموعه على خدّيه ممزوجة بدمه ، قال ( عليه السلام ) : أتبكيا عليَّ ؟ ابكيا كثيراً واضحكا قليلا ، أمَّا أنت يا أبا محمد ستقتل مسموماً مظلوماً مضطهداً ، وأمَّا أنت يا أبا عبدالله فشهيد هذه الأمة ، وسوف تذبح ذبح الشاة من قفاك ، وترضُّ أعضاؤك بحوافر الخيل ، ويُطاف برأسك في مماليك بني أمية ، وحريم رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) تسبى ، وإن لي ولهم موقفاً يوم القيامة .( وفيات الأئمة عليهم السلام ، مجموعة من علماء البحرين والقطيف)
وروي أيضاً أن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) قال للحسن والحسين ( عليهما السلام ) ليلة وفاته بعدما أوصاهما بوصاياه الشريفة : يا أبا محمد ويا أبا عبدالله ، كأني بكما وقد خرجت عليكما الفتن من ها هنا وها هنا ، فاصبرا حتى يحكم الله وهو خير الحاكمين.
ثمَّ قال : أمَّا أنت يا أبا محمد ستقتل مسموماً مضطهداً ، وأمّا أنت يا أبا عبدالله فشهيد هذه الأمة ، فعليك بتقوى الله والصبر الجميل .
ويقول العلاّمة الشيخ علي المرهون في استنهاض الإمام الحجّة عجَّل الله فرجه الشريف :
فمتى تنهضنْ فداؤُك نفسي كلُّ قلب لما جرى مألومُ
جدُّك المصطفى قضى بسموم أمُّك الطهرُ خدُّها ملطوم
وأبوك الوصيُّ أضحى قتيلا وفؤادُ ابنِهِ عَرَتْه سموم
وبأرضِ الطفوفِ أمسى حسينٌ عافراً والفؤادُ منه كلوم
حوله صحُبُه وأبناؤه الغرُّ ضحايا وصبيةٌ وفطيم
وعلى النيبِ نسوةٌ حاسراتٌ وعليلٌ مما عراه سقيم
المصدر:المجالس العاشورية في المآتم الحسينية