تأريخ المباهلة...عاماً وشهراً ويوماً

الأربعاء 5 سبتمبر 2018 - 09:24 بتوقيت مكة
تأريخ المباهلة...عاماً وشهراً ويوماً

وإذا ارتضينا القول المشهور حول اليوم والعام الذي كتبت فيهما وثيقة الصلح، امكن في هذه الصورة أن يكون عقدُ الصلح قد تمَّ في السنة العاشرة، ولكن...

إن حادثة المباهلة من قضايا التاريخ الاسلامي المعروفة المتواترة التي جاء ذكرها في كتب التفسير، والتاريخ والحديث بصورة مبسوطة ومفصَّلة لمناسبة واُخرى، وتتلخصُ هذه القصة فيما يلي:

لقد كتبَ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله - يوم راسلَ ملوك العالم وامراءه يدعوهم الى الاسلام - كتب كتاباً الى اسقف نجران «ابو حارثة» دعا فيه أهل نجران إلى الاسلام ولما تسلّم أبو حارثة كتاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله شاور جماعة من اصحابه، فأشاروا عليه بأن يَبعثوا وفداً يمثلون أهل نجران إلى المدينة، ليتفاوضوا مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله عن كثب.

وفعلاً قدم الوفد المذكور المدينة، والتقى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وبعد مداولات ومفاوضات كثيرة اقترح النبي الاكرم صلّى اللّه عليه وآله على ذلك الوفد المباهلة بأمر اللّه سبحانه، بأن يخرج الجميع (الطرفان) إلى الصحراء، ويدعُو كلُ واحد من الجانبين على الآخر فرضوا باقتراح رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله، ولكنّهم أحجموا عن المباهلة لما شاهدوا ما عليه رسولُ اللّه صلّى اللّه عليه وآله من حالة معنوية، وروحانية عظيمة، حيث أن رسول اللّه صلّى اللّه وآله اصطحب معه إلى المباهلة أربعة انفار من أفضل أحبته وأعزته، وتقرّر أن ينضوي نصارى نجران تحت مظلة الحكومة الاسلامية وهم على دينهم شريطة أن يدفعوا جزية (وهي مبلغ ضئيل).
هذه هي خلاصة قضية المباهلة التي لا يستطيع انكارها وإخفاءها أي مفسِّر أو مؤرخ على النحو الذي ذكر، والآن يجب أن نرى متى وفي أي يوم وشهر وعام وقعت هذه الحادثةُ الاسلامية الكبرى.
عام المباهلة حسب المشهور:
يقول مؤلف كتاب مكاتيب الرسول في هذا الصدد: لا خلاف عند المؤرخين ان كتاب الصُّلح كتب سنة عشرة من الهجرة، فيكون سنة المباهلة نفس هذه السنة أيضاً، لان كتاب الصلح هذا انما كتب عندما أحجم الوفد النجراني النصراني من مباهلة النبي صلّى اللّه عليه وآله.
وقد ادرج نصُّ كتاب الصلح هذا في مصادر عديدة نذكر بعضها في الهامش(1).
الشهر واليوم الذي وقعت فيه المباهلة:
إن المشهور بين العلماء هو أن المباهلة وقعت في اليوم الخامس والعشرين من شهر ذي الحجة، وذهب المرحوم الشيخ الطوسي إلى أنها وقعت في اليوم الرابع والعشرين من ذلك الشهر، وروى في كتابه دعاء خاصاً في هذه المناسبة(2).
واما المرحوم السيّد ابن طاووس فقد نقل حول يوم المباهلة أقوالاً ثلاثة، وذكر بأن أصح تلك الأقوال والروايات هو القائل بان يوم المباهلة هو الرابع والعشرون من شهر ذي الحجة، وقد ذهب البعض إلى أنه اليومُ الواحد والعشرون بينما ذهب آخرون إلى أنه اليوم السابع والعشرون.(3)

إلى هنا اتضح ان يوم المباهلة على المشهور هو اليوم الرابع والعشرون أو الواحد العشرون أو الخامس والعشرون أو السابع والعشرون من شهر ذي الحجة.

وأمّا رأينا حول التاريخ الدقيق لهذه الواقعة من حيث العام والسنة.

إن خلاصة القول هي أنَّ هذه الأقوال والآراء حول عام ويوم المباهلة لا توافق النقول التاريخية الاُخرى التي يتسم بعضُها بطابع القطعية إلى حدّ بعيد، واليك ادلتنا على ذلك فيما يلي:

رأينا حول عام المباهلة:

لقد جاء في ختام الكتاب الذي بعثه النبيّ صلّى اللّه عليه وآله الى اُسقف نجران عبارة: «وإن أبيتم فالجزية»، وقد جاءت لفظةُ الجزية في القرآن الكريم في سورة التوبة والظاهر أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله استخدم هذه الجملة واللفظة في الكتاب المذكور اتباعاً للآية المذكورة، وقد نزلت سورة التوبة قبيل غزوة تبوك بقليل، وقد وقعت هذه الغزوة بعد شهر رجب من السنة التاسعة.

وبناء على هذا يبعد أن يكون رسول اللّه قد كتب لأهل نجران كتاباً، بعثوا بجوابه إليه صلّى اللّه عليه وآله بعد عام ونصف العام على يد وفدهِم.

إن هذه الواقعة التاريخية تحكي عن أن هذه الحادثة قد وقعَت في السنة العاشرة من الهجرة.

اتفق كتّاب السيرة على أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله بعث عليّاً عليه السَّلام إلى اليمن للقضاء وتعليم الاحكام الدينية، وقد مكث علي عليه السَّلام هناك ردحاً من الزمان لأداء مهامّه المخوّلة اليه، وعندما علم بتوجه النبي صلّى اللّه عليه وآله الى مكة للحج، خرج هو أيضاً إلى مكة على رأس جماعة من أهل اليمن، فلقي النبيّ بمكة، وقدَّم اليه الف حلة من البز كان قد أخذها من أهل نجران من باب الجزية التي فرضت وكتبت عليهم في معاهدة الصلح(4)

إن هذه القضية التاريخية تفيد ان واقعة المباهلة وكتابة العهد لا ترتبط بالسنة العاشرة من الهجرة، وذلك لأن أهل نجران تعهدوا في وثيقة الصلح أن يدفعوا الى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله في كل سنة ألفي حلة (مخيَّطة وغير مخيّطة)، الف حلة منها في شهر رجب، والف حلة اُخرى في شهر صفر.(5)

فاذا سلّمنا بأن وثيقة الصلح كتبت في شهر ذي الحجة وجب أن نقول ان المقصود منه هو شهر ذي الحجة من الاعوام السابقة على السنة العاشرة.

لأنه كيف يمكن أن نقول بأن كتابة وثيقة الصلح، وتنفيذها بواسطة الامام علي عليه السَّلام قد تمّا معاً في السنة العاشرة.

وإذا ارتضينا القول المشهور حول اليوم والعام الذي كتبت فيهما وثيقة الصلح، امكن في هذه الصورة أن يكون عقدُ الصلح قد تمَّ في السنة العاشرة، ولكن يجب أن نُرجع تاريخ كتابته إلى ما قبل شهر رجب لأن الفرض هو أن الامام علياً عليه السَّلام قد استلم أول قسط من الجزية المقررة في شهر رجب في السنة العاشرة.
والخلاصة أنه مع ملاحظة هذه القضية التاريخية (وهي أن الامام علياً استلم القسط الاول من الجزية من أهل نجران في شهر رجب وسلمه إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله في مكة في شهر ذي الحجّة) وجب أن نختار احد القولين التاليين:

ألف: إذا سلّمنا بان يوم وشهر تنظيم وثيقة الصلح هو شهر ذي الحجة وجب ان نقول إن المقصود منه هو أشهر ما قبل السنة العاشرة.

باء: إذا ترددنا في يوم وشهر كتابة الصلح على نحو التردد في تحديد عامِه، أمكن في هذه الصورة ان نقول بان يوم المباهلة وكذا يوم تنظيم وثيقة الصلح يرتبطان باشهر ما قبل شهر رجب من السنة العاشرة للهجرة.

الهوامش:
(1) تاريخ اليعقوبي: ج 2 ص 65، الدر المنثور: ج 2 ص 38.
(2)
مصباح المتهجد: ص 704.

(3) الإقبال: ص 743.

(4) السيرة النبوية: ج 2 ص 602 و603، الارشاد: ص 89.
(5)الطبقات الكبرى: ج 1 ص 348، والارشاد: ص 92

المصدر:شبكة المعارف الإسلامية

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

الأربعاء 5 سبتمبر 2018 - 09:24 بتوقيت مكة