من حيث دلالات العملية يؤكد اليمنيون ان ضرباتهم التي تستهدف عاصمتي السعودية والامارات ليست احداث معزولة اومجرد اسقاط واجب بغرض ايصال رسائل دعائية واعلامية، ولكنها ردود مدروسة زمانا ومكانا وتتصاعد بوتيرة ثابتة، ومن يعود الى طبيعة الرد الصاروخي على السعودية كانت البداية اطلاق بالستيات قصيرة ومتوسطة المدى، وتواصلت عمليات التطوير في التصاعد وصولا الى قصف العاصمة السعودية الرياض بواسطة صاروخ بالستي يصل مداه 1300كم من طراز بركان2H، الامر ذاته ينسحب على مجال الطيران المسير الذي كانت ضرباته الأولى في جبهات الداخل ومن ثم بعض المدن السعودية المتاخمة للحدود مع اليمن وصولا الى قصف المدن الاماراتية الرئيسية.
المفارقة ان استهداف مطار دبي بما له من اهمية اقليمية ودولية يأتي في ظل حالة طوارئ غير معلنة تعيشها الامارات عقب الضربة السابقة في ابو ظبي، كانت الامارات قد ابرمت عقود لشراء سلاح مضاد للطيران المسيرة، ومع ذلك لم تحل الاحتياطات الاماراتية دون وقوع الضربة التالية. ما يكشف بوضوح ان اليمن الجريح والمحاصر مستمر في تطوير وسائل الرد والردع، وان اليمنيين ليسوا في وارد الضعف او الاستسلام كما يعتقد صناع القرار في الرياض وابوظبي، وكما يقاتل اليمني بالحجارة او السلم والولاعة (القداحة) في حال افتقد الى السلاح، فانه يعمل ويسهر الليل مع النهار لتطوير قدرات المواجهة وتحويل المحنة والمأساة الى فرصة.
ويؤكد اليمانيون باستهداف مطار دبي انهم اصحاب قرار مستقل (يضربوا في المكان والزمان الذي يريدونه)، ومن المؤكد ان هذه الضربات تخلف تداعيات في اتجاهات عديدة داخل السعودية والامارات، فعلى الصعيد المعنوي استهداف دبي وقبلها الرياض وابو ظبي ينعكس سلبا على ما يسمى بدول التحالف ومن يسير في فلكها، اما على الصعيد الاقتصادي فمن المعروف ان دبي هي المدينة المالية الاولى في المنطقة ومهما كانت المكابرة الاماراتية لكن الحرب على اليمن باتت تفرض نفسها وتحضر بقوة على طاولة المستقبل المنظور للمنطقة ودول الترف والانتاج النفطي في الخليج.
النفي الاماراتي
قرار ضرب مطار دبي بمعزل عن الاقرار او النفي السعودي ـ الاماراتي هو قرار كبير واستراتيجي
ليس مهم باعتقادي ان تعترف او تنفي الامارات تعرض مدنها الرئيسية للقصف بواسطة الطيران اليمني، المهم في هذه الحالة ما يقوله الجيش واللجان الشعبية في اليمن، المهم ما تعلنه قناة "المسيرة" اما الامارات فمن غير المتوقع إقرارها بوصول الطائرات اليمنية الى عقر دارها لأن هذا يعني تسليم بانقلاب المعادلة في مواجهة اليمنيين المحاصرين منذ اكثر من ثلاث سنوات.
ان قرار ضرب مطار دبي بمعزل عن الاقرار او النفي السعودي ـ الاماراتي هو قرار كبير واستراتيجي، ويحمل أبعاد عسكرية وسياسية غير عادية، فأن تمتلك القيادة اليمنية الجرأة على اتخاذ هذا القرار واعلانه يعني انها تتموضع في موقع قوة وتمتلك ارادة فولاذية لا تضعف او تتراجع بعكس رهانات كثيرين ممن ينتظرون مؤشرات ضعف او استسلام يمنية امام دول ما يسمى بالتحالف.
واذا كانت الامارات في ضربة الشهر الماضي على مطار ابو ظبي اعترفت بشكل موارب بالحديث عن حادث عرضي تسببت به مركبة نقل عادية، فانها فيما يخص مطار دبي لجأت للهروب السريع الى الامام، لكن هذا لن يغير من الحقيقة شيئا فلو لم تحدث الضربة السابقة (في ابو ظبي) لما احتاجت السلطات الاماراتية للبحث عن سلاح متخصص في التصدي للطائرات المسيرة في عواصم عديدة، ولما صارت تعيش حالة طوارئ غير معلنة (بحسب معلومات اكدت حدوث اعتقالات وحظر السفر ليمنيين وعرب على خلفية عمليات الطيران المسير) ومع ذلك لن تطول المدة حتى تخرج صحف ووسائل اعلام غربية بتفاصيل تكسر سياسة التعتيم الحاصلة.
بات اليمنيون على ثقة ان المجتمع الدولي لن يلتفت الى معاناتهم الا في حال كثفوا اعمال القصف على عواصم دول الحرب والتحالف
هل ثمة تأثير سياسي للقصف اليمني على مدن الامارات خاصة الضربة الاخيرة في مطار دبي التي جاءت قبيل جولة مشاورات مزمعة في جنيف ترعاها الامم المتحدة ؟؟ من الواضح ان قصف دبي يحمل رسالة الى المجتمع الدولي مفادها ان الرهان على اي دور أممي ضعيف ويكاد يكون معدوم، وبما ان الحرب السعودية الاماراتية مستمرة بدعم امريكي فان الجانب اليمني يرى ان حقه في الرد مشروع ولن يتأثر بالحديث عن مشاورات ومفاوضات مرتقبة ما دام العدوان متواصل ولم يتوقف.
الضربة والجبهة الداخلية
استمرار الضربات الصاروخية والجوية اليمنية نحو اهداف استراتيجية في السعودية والامارات هي انعكاس لإنجازات تصنيعية في المجال العسكري وعمليات التصنيع والتطوير تعبر عن متانة في جبهة الداخل فلولا حالة الطمأنينة والانسجام الذي تعيشه الجبهة الداخلية لما تمكن اليمنيون من الصمود فضلا عن الانجاز والابتكار وتطوير الاسلحة ومن ثم إرسالها صوب الاهداف المحددة في عواصم دول ما يسمى بالتحالف.
وتكمن الاهمية الاضافية للضربات التي ينفذها سلاح الجو المسير وسلاح الصواريخ اليمني انها بمثابة الرافد لثبات الجبهات العسكرية في مختلف الجبهات المشتعلة، والاهم من ذلك كله ارادة جماهيرية عارمة يستند اليها الجيش اليمني وقطاعاته العديدة، وامام هذا الانسجام والمتانة في الجبهة الداخلية نستطيع ان نستشرف مستقبل الحرب والعدوان على اليمن الذي لن ينتهي بغير الفشل الذريع والهزيمة الواضحة للسعودية وحلفائها.
بقلم : حميد رزق
31