سورة الناس
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1) مَلِكِ النَّاسِ (2) إِلَهِ النَّاسِ (3) مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ (4) الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ (5) مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ (6)
موضوع السورة
الكلام في سورة الناس هو في موضوع الضلال والهدى. وقد ذكر الله تعالى الاستعاذة فيها ثلاث مرات أعطى فيها لكل حالة مضموناً يختلف عن مضمون الحالة الأخرى فقال: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ * مَلِكِ النَّاسِ * إِلَهِ النَّاسِ * مِن شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ، ولا يشير هذا إلا إلى أهمية الأمر الذي يرتبط بحالة الضلال والهدى، والإيمان وعدم الإيمان، فإن ما ينشأ عنه الإخلال بحالة التوازن الإيماني والإنساني والعقلي والفكري والنفسي والروحي يبقى هو الأمر الأهم والأخطر في حياة هذا الإنسان، وفي كل وجوده، فكان لا بد من الاستنفار الشامل لمواجهة هذا الخطر؛ فكان أن تكررت الاستعاذة وتعددت، واختلفت أوصاف المستعاذ به : بالرب، بالملك، بالإله؛ لأن الأمر بالغ الأهمية والحساسية، مادام أنه قد يؤدي إلى خسران الدنيا والآخرة
المعنى
قل يا محمد، أعوذ برب الناس أي: خالقهم ومدبرهم و منشئهم.
وهذا أمر من الله تعالى لنبيه’ ويدخل فيه المكلفون، يأمرهم أن يستعيذوا بِرَبِّ النَّاسِ وخالقهم الذي هو {مَلِكِ النَّاسِ}ومدبرهم وإلههم {مِن شَرِّ الْوَسْوَاسِ، وأن يقولوا هذا القول الذي هو: أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ إلى آخرها، ورَبِّ النَّاسِ هو الذي خلقهم ودبّرهم على حسب ما اقتضته الحكمة وقوله: {مَلِكِ النَّاسِ إنما خص بأنه ملك الناس مع أنه ملك الخلق أجمعين لبيان أن مدبر جميع الناس قادر على أن يعيذهم من شر ما استعاذوا منه مع أنه أحق بالتعظيم من ملوك الناس.
الفرق بين {مَلِكِ} و{مَالِكِ
والفرق بين ذكر كلمة مَلِكِ} وكلمة {مَالِكِ} إن صفة {مَلِكِ} تدل على تدبير مَن يشعر بالتدبير- أي الذي له شعور بالتدبير-، وليس هذا المعنى له وجود في مَالِك؛ لأنه يجوز أن يقال: مالك الثوب، ولا يجوز ملك الثوب، ويجوز أن يقال: ملك الروم، ولا يجوز مالك الروم، فجرت - في فاتحة الكتاب - على معنى الملك في يوم الجزاء، ومالك الجزاء، وجرت في سورة الناس على {مَلِكِ} تدبير من يعقل التدبير، فكأن هذا أحسن وأولى
والمذكور في سورة الناس بعد ذكر الرب، هو الملك لا المالك، ولأن للملك زيادة عموم ليست للمالك؛ لأن ما تحت حياطة الملك، من حيث إنه ملك أكثر مما تحت حياطة المالك، فإن الشخص يوصف بالمالكية نظرا إلى أقل قليل، ولا يوصف بالملكية إلا بالنظر إلى أكثر كثير...)
معنى الوسوسة
الوسوسة: كالهمهمة ومنه قولهم: فلان موسوس إذا غلبت عليه الوسوسة؛ لما يعتريه من المرة. وسوس يوسوس وسواسا ووسوسة وتوسوس توسوسا
والوسواس: حديث النفس بما هو,كالصوت الخفي وأصله الصوت الخفي من قول الأعشى: تسمع للحلي وسواسا إذا انصرفت
في معنى قوله مِن شَرِّ الْوَسْوَاسِ
هناك ثلاثة أقوال في معناها:
احدها: من شر الوسوسة التي تكون من الجِنة والناس، فأمر بالتعوذ من شر الجِن والإنس.
الثاني : من شر ذي الوسواس وهو الشيطان، كما جاء في الأثر أنه يوسوس، فإذا ذكر العبد ربه خنس، فيكون قوله: {مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ} بيان أنه منهم، كما قال: {إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ}، فأما {وَالنَّاسِ} فعطف عليه كأنه قيل: من الشيطان الذي هذه صفته والناس الذين هذه صفتهم.
الثالث : من شر ذي الوسواس الخناس على العموم، ثم يفسر بقوله (عز وجل) من {مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ} كما يقال: نعوذ بالله من كل مارد: من الجن والإنس
ذكر الأسماء الثلاثة في السورة (رب, وملك, وإله).
أجاب السيد الشهيد محمد الصدر في كتابه منة المنان في الدفاع عن القرآن على هذا السؤال وبما يلي:
أنه تعالى ذكر ذلك من عدة جهات ومنها:
أولاً: ما أشرنا إليّه من زيادة الرحمة في البشر المستعيذين من الشر، من حيث إن دفع الشر وإن كان يحدث في واحد من الأسماء, إلا أن دفعه ثلاث مرات أو بثلاث أسماء أوكد وأشد وأسرع.
ثانياً: زيادة التركيز لذات الله سبحانه. فهو اله ورب وملك, وقد يجمع هذه الصفات كلَّها لنفسه, وكان من الحكمة التنبيه على ذلك, قال تعالى: {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ}.
ثالثاً: وهو ما ندفعه كأُطروحة لدفع الاستدلال المقابل:
إنَّ هذه الأسماء قد تكون مفردة, كما هو مشهور المفسرين, وقد تكون مركبة. فإله أسمٌ مفرد. ولكن {إِلَهِ النَّاسِ} أسم آخر وكذلك {مَلِكِ النَّاسِ} و{رَبِّ النَّاسِ
إذن, يوجد في السورة ثلاث أسماء مركبة.
وهنا, لابدَّ من ضم فكرة أُخرى كأُطروحةٍ أيضاً, وهي:
إنَّ الأثر لا يؤثر ولا يحصل إلاَّ بضم هذه الأسماء الثلاثة كلِّها. فلا بد من الاستعاذة بهذا المجموع كمجموع؛ لكي يندفع الشيطان الرجيم. في مقابل ما رجحه صاحب الميزان, وأشرنا إليه قبلاً من استقلاليَّة هذه الأسماء, وتأثير كل واحد منها بإنفراده.
فضلها
ورد في فضل سورة الناس (ستة عشر) حديثا كما ذكر الحويزي
فعن الفضل بن يسار قال: سمعت أبا جعفر يقول: إن رسول الله’ اشتكى شكوى شديدة ووجع وجعا شديدا فأتاه جبرائيل وميكائيل‘ فقعد جبرائيل عند رأسه و ميكائيل عند رجليه فعوذه جبرائيل بقل أعوذ برب الفلق و عوذه ميكائيل بـ{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ
وعن أبي خديجة عن أبي عبد الله قال: جاء جبرائيل إلى النبي’ وهو شاك فرقاه بالمعوذتين وقل هو الله أحد وقال: باسم الله أرقيك و الله يشفيك من كل داء يؤذيك خذها فلتهنيك
وروي عن الإِمام الباقر قال: من أوتر بالمعوذتين وقل هو الله أحد قيل له: يا عبد الله، أبشر فقد قبل الله وترك.
منافع سُورَةُ النَّاس
1 _مَنْ قرأها في كلّ ليلةٍ في منزله، أمِنَ من الوَسْوَاس والجِنّ.
_2 ومَنْ كتبها وعلّقها على الأطفال والصغار، حُفِظوا من كلّ جانٍّ وهوامٍّ بإذن الله تعالى.
_3 مَنْ قرأها في كلّ ساعةٍ، تُغْفَرُ [له] جميع الذنوب.
_4 وهي لكلّ مرضٍ تُقرأُ عليه، يَبْرَأُ بإذن الله تعالى
5- (... ومن قرأ سورة الناس، فله شفاء من كيد الشيطان، ورحمة بالثبات على الإلهام
5 _وفي حديث عن النبي المصطفى ’ لجماعة دخلوا عليه حيث قال:... وسورة الناس {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ* مَلِكِ النَّاسِ}إلى آخرها, وأنا إلى اليوم أتعوذ بها كل غداة، فما أصبت بولد و لا أصيب لي مال، ولامرضت ولا افتقرت، وقد انتهى بي السن إلى ما ترون، فحافظوا عليها واستكثروا من التعوذ بها، فسمعنا ذلك منه وانصرفنا من عنده
_6 من قرأها فإن الله تعالى ينجيه من آفة كل عين ناظرة ومن شر الأشرار وكيد الفجار.
_7 وروي عن الإمام جعفر الصادق:إن الله ينجيه من شر إبليس اللعين
_8 قال الكرماني: أنه يأمن من شر الخلق والخلق من شره وقيل: يأمن من شر وسوسة الشيطان