أهم إنجازات الإمام المهدي...ماذا ستكون؟

الجمعة 31 أغسطس 2018 - 11:18 بتوقيت مكة
أهم إنجازات الإمام المهدي...ماذا ستكون؟

لم يأتِ الأنبياء من أجل إظهار حضور الله، بقدر ما كانوا يريدون تحقيق هذه النتيجة التربوية. فما لم يتأسّس المجتمع المتكامل الذي يجعل الوصول إلى الكمال المطلق غاية أنشطته وفعاليّاته...

السيد عباس نورالدين

لم تخلُ البشرية في مراحلها الأولى من تجربة الإنسان الكامل؛ الإنسان الذي يكون مظهرًا تامًّا لأسماء الله وصفاته. هذا في الوقت الذي يكون من سواه مظاهر محدودة لهذه الأسماء. عظمة الإنسان الكامل تكمن في قدرته على إظهار حضور الله أو حضور الربوبية أو الألوهية بما تعنيه من جامعية صفات الكمال المطلق.
صحيحٌ أنّ كل مخلوق هو بنحوٍ ما مظهرٍ لهذه الصّفات (وكيف لا يكون كذلك وكل مخلوق هو عمل الله وفعله، وكل أفعال الله مظاهر صفاته)، لكن قدرة المخلوقات على إظهار وعكس هذه المظهريّة ليست على نحوٍ واحد. فالإنسان الكامل يتمتّع بهذه الميزة التي تجعله قادرًا على تحقيق تجربة خاصّة في تفاعل البشر مع الله تعالى؛ وذلك يرجع إلى قوّة حضور الله في نفسه.
وبالرغم من معايشة البشريّة لمثل هذه التجربة منذ آدم صفيّ الله وإلى خاتم النبيّين حبيب الله، إلّا أنّ ردّة فعلها لم تكن متناسبة معها، حيث تنكّرت لثمارها ومفاعيلها، فجحدت واتّهمت أصحابها بالجنون تارة، والسحر أخرى، وفي العديد من الحالات نهضت لمواجهتهم.
إنّه لأمرٌ يدعو إلى التأمّل العميق. فنحن نتصوّر أنّنا لو حضرنا تلك المشاهد العظيمة، مثل مشهد شقّ البحر أو إحياء الموتى أو إخراج الناقة من صخور الجبل لصُعقنا من جمالها وروعتها. فلماذا كانت البشريّة تجحد وتتنكّر وتكفر، ما خلا عددٌ قليل في كلّ مجتمع؟
يمكن أن يعزو البعض هذا الفشل إلى نقصٍ فادحٍ في النضج البشريّ. فمجتمعات تلك الأزمنة لم تكن مهيّئة للتفاعل المناسب مع تلك المعجزات والقدرات، ربما لغلبة البعد المادّيّ والحسّي على تفكيرها. لكن يبدو أنّ القضية أعمق من ذلك قليلًا. فنحن هنا أمام حالة جمعيّة لا فرديّة. لأنّ الإنسان كان وما زال هو الإنسان. والمؤمنون في تلك العصور لم يكونوا حالة غريبة عن الإنسانيّة؛ أي أنّ الاستعداد الفطريّ لتقبّل هذه التجربة الإلهيّة كان موجودًا، ولولا ذلك لما جرت. ولكن ما كان ينقص هذه البشريّة هو ما يمكن أن نعبّر عنه بالتفاعل الجمعيّ أو الاجتماعيّ، والذي كان أحد أهم مقاصد بعث الأنبياء. فالأنبياء لم يُرسلوا إلى الناس من أجل تغيير الأفراد فحسب، بل أرادوا بناء مجتمعات توحيدية قائمة على تقدير موقعيّة الإنسان الكامل. وهذا ما كان ناقصًا في واقع البشريّة وتطوّراتها.
إنّ أعظم إنجاز للمهديّ المنتظر سيكون في إقامة مجتمعٍ بشريّ حول محور الإنسان الكامل. ولا شك بأنّ تحقيق هذا الهدف سيتطلّب تفاعلًا مميّزًا مع حضور هذا الإنسان. فإذا كان التفاعل سيؤدّي إلى الجحود والإنكار، فهو فشل. وإذا كان التفاعل سيؤدّي إلى تأليه هذا الإنسان فهو فشلٌ أيضًا. فيجب أن تتعرّف البشريّة عندئذٍ، على هذا المقام الأسنى وتراه مظهرًا تامًّا لحضور الله من دون أن تعرض عنه أو تنفي به هذا الحضور.
لقد تفاعل بنو إسرائيل مع معاجز موسى بنحوٍ أوصلهم إلى أن يطلبوا منه أن يجعل لهم إلهًا مثل آلهة الناس؛ وتمادوا في ذلك فطلبوا منه أن يريهم الله جهرةً، ثمّ تعالوا واستكبروا فقالوا له: {فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ}(المائدة/24)ولعلّ موسى كان من أكثر الأنبياء الذين ظهرت على أيديهم المعاجز والقدرات.
لكي يكون التفاعل سليمًا ينبغي أن ينسجم مع روح الدعوة النبويّة والرسالة السماوية، وهو توجيه المجتمع البشريّ نحو الله في خضوعٍ وخشوعٍ وطاعة وعبادة. وفي ظلّ هذا التوجّه تتحرّك قافلة البشريّة نحو الله في رحلة تبلغ بها أعلى مراتب الكمال، ويكون الإنسان الكامل غاية سيرها.
لم يأتِ الأنبياء من أجل إظهار حضور الله، بقدر ما كانوا يريدون تحقيق هذه النتيجة التربوية. فما لم يتأسّس المجتمع المتكامل الذي يجعل الوصول إلى الكمال المطلق غاية أنشطته وفعاليّاته، لن تكون دعوة الأنبياء قد حقّقت هدفها الأسمى. ولهذا، فإنّ المشكلة لم تكن في التنكّر فحسب، بل في عدم وجود الاستعداد الاجتماعيّ العام لهذا السلوك التكامليّ.
لقد سادت نزعات حبّ الدنيا الممتزجة بسوء الظنّ بالله على هذه المجتمعات، إلى الدرجة التي اختفت معها تلك القيم المطلوبة للحركة التكاملية والسير في ميادين الفضيلة والكمال. وما سيتحقّق في عصر المهدي المنتظر هو أن هذا الإمام سيتمكّن لأوّل مرّة من بناء هذا المجتمع بعد أن يثبّت فيه تلك القيم اللازمة للتفاعل المطلوب؛ وحينها فإنّ إظهاره لجميع مقامات الإنسان الكامل سيكون عاملًا أساسيًّا في النجاح المطلوب. وهذا ما سيشكل منعطفًا جوهريًّا في مسيرة البشريّة إلى يوم القيامة.
من هنا، يدرك الممهدون أصحاب البصيرة أنّ أحد مقوّمات التمهيد الواقعيّ تعتمد على تبشير المجتمعات الإنسانية بحقيقة الإنسان الكامل والدعوة إليه باعتبار أنّه إنسان قام بتفعيل استعداداته والحفاظ عليها في أشدّ الظروف قسوةً ووخامة؛ وأنّ هذه الحقيقة تشملهم جميعًا. ففي الوقت الذي سيرون فيه ما لا يخطر على بالهم من كرامات ومعجزات، فإنّهم لن يشعروا بأنّهم مستبعدون عن هذه القضية، بل ستتوفّر تلك البيئة اللازمة لحركات بشريّة عامّة نحو الكمال لم يعرف لها التاريخ مثيلًا.

المصدر: مركز باء للدراسات

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

الجمعة 31 أغسطس 2018 - 11:08 بتوقيت مكة