زكريا الرازي.. عالم إيراني من أعلام الفضيلة

الإثنين 27 أغسطس 2018 - 09:35 بتوقيت مكة
زكريا الرازي.. عالم إيراني من أعلام الفضيلة

الرحلات الطبية - الكوثر: أبدع فی مجالات الأخلاق والقیم… کما أبدع فی مجال الإنسانیة وأسهم بنصیب وافر فی بناء صرح العلم

لا بدَّ أن نعلم أن النجاح لا یأتی مصادفة، وأن التفوق لا یکون إلا بجهد وتعب وبذل وتضحیة، کما أن الإبداع لا یکون عشوائیّاً أبداً، إنما یحتاج إلى تخطیط وتدریب ومهارة، وهکذا کانت حیاة الرازي. لقد بحث الرازی عن العلم فی کل مصادره، واجتهد قدر استطاعته فی تحصیل کل ما یقع تحت یده من معلومات، ثم أتبع ذلک بتفکیر عمیق وتجارب متعددة ودراسة متأنیة.. حتى بدأ یعدِّل فی النظریات التی یقرؤها، وأخذ ینقد ویحلل، ثم وصل إلى الاختراع والإبداع. لم یکن الرازی طبیباً فحسب، ولا معلماً فقط … ولکنه أبدع کذلک فی مجالات الأخلاق والقیم… کما أبدع فی مجال الإنسانیة، حتى أصبح علماً من أعلام الفضیلة، کما کان علماً من أعلام الطب…
کان الرازی طبیبا وجراحا فاضلا، یقرأ کثیرا ویربط بین العلم والعمل. وکانت له الشجاعة الکافیة، فنقد أساطین الطب فیما لا یتفق مع الحقیقة کما یراها وأسهم بنصیب وافر فی بناء صرح العلم ، بما دوّنه من آراء خاصة ومشاهدات دقیقة.
ولد فی مدینة الري القریبة من طهران . سنة251 هـ . وتعلم بها. وسافر إلى بغداد بعد سن الثلاثین.
واسمه الکامل هو أبو بکر محمد بن زکریا الرازي … الأستاذ الفیلسوف، رأس الأطباء، یسمیه کتاب اللاتینیة (رازیس).
لقد سجل مؤرخوا الطب والعلوم فی العصور الوسطى آراء مختلفة ومتضاربة عن حیاة أبی بکر محمد بن یحیى بن زکریا الرازی . وکان منذ طفولته محبّاً للعلم والعلماء، فدرس فی بلدته «الري» العلوم الشرعیة والطبیة والفلسفیة، ولکن هذا لم یُشْبع نَهَمَه لطلب العلم؛ فلم تکن مدینة الری – على اتساعها وکثرة علمائها – بالمدینة التی تحوي علوم الأرض في ذلك الوقت؛ ولذلک قصد الرازي عاصمة العلم في العالم في ذلك الوقت وهي «بغداد» عاصمة الخلافة العباسیة، فذهب إلیها في شِبه بعثة علمیة مکثفة، تعلم فیها علوماً کثیرة.
وکان من رأي الرازي أن یتعلم الطلاب صناعة الطب في المدن الکبیرة المزدحمة بالسکان، حیث یکثر المرضى ویزاول المهرة من الأطباء مهنتهم. ولذلك أمضى ریعان شبابه في مدینة السلام، فدرس الطب في بیمارستان بغداد .
وتولى تدبیر مارستان الري، ثم ریاسة أطباء البیمارستان المقتدري في بغداد.
لا بدَّ أن نعلم أن النجاح لا یأتی مصادفة، وأن التفوق لا یکون إلا بجهد وتعب وبذل وتضحیة، کما أن الإبداع لا یکون عشوائیّاً أبداً، إنما یحتاج إلى تخطیط وتدریب ومهارة، وهکذا کانت حیاة الرازی.
قال ظهیر الدین البیهقی صاحب تتمة صوان الحکمة:
درس الرازی الریاضیات والطب والفلسفة والفلک والکیمیاء والمنطق والأدب.
وبعد إتمام دراساته الطبیة فی بغداد، عاد الرازی إلى مدینة الری بدعوة من حاکمها، منصور بن إسحاق، لیتولى إدارة بیمارستان الری. واشتهر الرازی فی مدینة الری، ثم انتقل منها ثانیة إلى بغداد لیتولّى رئاسة البیمارستان المعتضدی الجدید، الذی أنشأه الخلیفة المعتضد بالله .
وتنقل الرازی عدة مرات بین الری وبغداد- تارة لأسباب سیاسیة- وأخرى لیشغل مناصب مرموقة لکلّ من هذین البلدین. ولکنّه أمضى الشطر الأخیر من حیاته بمدینة الری، وکان قد أصابه الماء الأزرق فی عینیه، ثم فقد بصره وتوفى فی مسقط رأسه.
مؤلفات الرازی
ولم یکن الرازی یکتفی فقط بالتدریس والتعلیم والامتحانات لنقل العلم، بل اهتم بجانب آخر لا یقل أهمیة عن هذه الجوانب وهو جانب التألیف، فکان  مُکثراً من التألیف وتدوین المعلومات وکتابة الکتب الطبیة، ألف قرابة 224 کتاباً فی الطب والفلسفة.. وقد ترجم بعضها إلى اللاتینیة لتستمر المراجع الرئیسیة فی الطب حتى القرن السابع عشر.
وقد کان من أعظم مؤلفات الرازی کتاب «الحاوی فی علم التداوی»، وهو موسوعة طبیة شاملة لکافة المعلومات الطبیة المعروفة حتى عصر الرازی، وقد جمع فیه  کل الخبرات الإکلینیکیة التی عرفها، وکل الحالات المستعصیة التی عالجها، وتتجلى فی هذا الکتاب مهارة الرازی ، ودقة ملاحظاته، وغزارة علمه، وقوة استنتاجه..
وقد تُرجِم هذا الکتاب إلى أکثر من لغة أوروبیة، وطُبع لأول مرة فی بریشیا بشمال إیطالیا سنة 891هـ/ 1486م، وهو أضخم کتاب طُبع بعد اختراع المطبعة مباشرة، وکان مطبوعاً فی 25 مجلداً، وقد أُعیدت طباعته مراراً فی البندقیة بإیطالیا فی القرن العاشر الهجری (السادس عشر المیلادی) ویذکر المؤرخ «ماکس مایرهوف» أنه فی عام 1500 میلادیة کان هناک خمس طبعات لکتاب الحاوی مع عشرات الطبعات لأجزاء منه..
ولکن ما سلم هذا الکتاب من الاضطراب، لأنه رُتِّبَ وجُمِع بعد وفاته.

31

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

الإثنين 27 أغسطس 2018 - 09:35 بتوقيت مكة
المزيد