ستة معتقلين من أبناء “القطيف والأحساء”، قيّدتهم السلطات السعودية خلف القضبان لنحو 3 سنوات ضمن حملتها الأمنية لاستهداف نشطاء الحراك المطلبي، وتعرضوا لتحقيقات متواصلة تحت أقسى وأبشع صور التعذيب ثم فبركت أجهزة المباحث بحقهم اتهامات فضفاضة بسبب نشاطهم الحقوقي وتحركاتهم المطلبية وعملهم الإعلامي والسياسي، ليتم حشرهم في قاعة المحكمة الجزائية المتخصصة بالرياض دون حضور أي من محاميهم أو أفراد أسرهم!.
تتوالى فصول الإستهداف لأبناء “القطيف والأحساء”.ولا يبدو أن ثمة بادرة أمل للكفّ عن التضييق وشد الخناق على أبناء المنطقة المحرومة من أبسط حقوقها المدنية والسياسية والإقتصادية والاجتماعية؛ حقوق تشكل المطالبة بها عناوين عريضة للزج بالصوت المطلبي خلف قضبان السجون المعتمة، لتحاك بعدها الفبركات والاتهامات لإدانة المعتقلين بأشد أنواع العقوبات على مزاعم “جرائم” لا ترقى إلى مستوى الإدانة حتى؛ كأن يغرد ناشط للمطالبة بالعدالة الاجتماعية، أو تنشر ناشطة صور شهيد ارتقى برصاص حيّ صوّبته بنادق ورشاشات قوات النظام السعودي ناحية صدور عارية خرجت إلى شوارع القطيف بين عام 2011 وحتى العام 2016 للمطالبة بحقوقها المشروعة والمكفولة بشتى القوانين والمواثيق الدولية، إلا أنها في الرياض تبدو الصورة مختلفة، حيث تُفبرك الاتهامات وتجرّم الأنشطة المطلبية السلمية والحراك المدني والحقوقي بشكل أكبر من الواقع، وهو ما حدث مع قضايا ستة من النشطاء المعتقلين، الذين يطالب النائب العام السعودي انزال أشد العقوبات التي وصلت حدّ “القتل تعزيراً” لـ5 منهم بينهن امرأة في مقتبل عمرها فيما طالب بسجن المعتقل السادس فترة قد تصل إلى 20 عاماً!!
مصادر مطلعة كشفت عن الاتهامات التي وجهتها النيابة العامة للمعتقلين وطالبت على إثرها بمعاقبتهم بأشد أنواع العقوبات، مشيرة إلى أن المعتقل أحمد المطرود (39 عاماً)، الذي اعتقل في التاسع من سبتمبر 2015، من على متن طائرة قابعة على مدرج مطار البحرين الدولي قبل اقلاعها إلى إيران، بزعم قيامه بأدوار “مخلة بالأمن” وفق تعبير السلطة.
ووجهت النيابة العامة إدانة للمطرود بسبب سفره إلى إيران، التي تعتبرها السلطات السعودية دولة معادية، وتعاقب المسافرين إليها على الرغم من سفرهم عبر مطارات الدولة وبشكل قانوني، كما أدين الشاب المطرود بمشاركته في التظاهرات ومسيرات الحراك المطلبي بالقطيف، واعتُبر من المنسقين والمنظمين للتحركات الشعبية، والتظاهرات السلمية التي شهدتها المنطقة للمطالبة بالحقوق المدنية والسياسية المشروعة في العرف الدولي.
وبيّنت المصادر أن المعتقل المطرود يُعاقب لمشاركته في إنشاء صفحتين على مواقع التواصل الاجتماعي “فيس بوك”، تهتمان بنشر فعاليات حراك المنطقة وتوثيق التجمعات السلمية والشعارات التي أطلقها المشاركون، كما وجهت له اتهامات بتلقي دورات ثقافية للتدريب على كيفية نيل المطالب المرفوعة وهو ما سمّته النيابة العامة بدورات “الثورة الناعمة”، وهي دورات كان يتلقاها المطرود وعدد من النشطاء على أيدي معارضين للنظام السعودي مقيمين في إيران.
المصادر أوضحت أن النائب العام طالب بإنزال أشد العقوبات بحق المطرود وصلت إلى “القتل تعزيراً”، بسبب حراكه السلمي، وانتمائه مع عدد من النشطاء (خالد الغانم/ موسى الهاشم /علي عويشير)، إلى تكتل سياسي هو “ائتلاف الحرية والعدالة” الذي عُرف بنشاطه البارز في احتجاجات القطيف, كما اتهم المطرود بتواصله مع عدد من المعارضين للنظام السعودي المتواجدين خارج البلاد.
وأفادت المصادر المُطلعة، “مرآة الجزيرة”، بأن علي عويشير (42 عاماً)، قيدته جوازات الملك فهد الدولي يوم 13 سبتمبر 2015م، من وسط مطار “الملك فهد الدولي” بالدمام أثناء سفره باتجاه إيران، وذلك بزعم توفر معلومات تفيد بممارسته “التحريض إلكترونياً على إثارة الشغب بمحافظة القطيف وارتباطه بالمعتقل أحمد المطرود”، بحسب المصدر، واتهم بـ: مشاركته في تظاهرات وتجمعات الحراك المطلبي بمناطق القطيف، تلقي تدريب ثقافي على كيفية تنظيم التظاهرات، قيامه بإعداد تقارير عن حراك القطيف وتوثيقها بالصور ثم تناقلها ونشرها عبر مواقع التواصل الاجتماعي “فيس بوك”، كما اتُهم بتلقي أموال من معارضين للنظام السعودي خارج البلاد، بهدف دعم التحركات المطلبية.
النيابة السعودية تُجرم حرية الرأي والتعبير وتُعاقب عليها بالقتل تعزيراً!
وعلى الرغم من ادعاءات السلطات لاسيما خلال السنتين الأولى من بداية الحراك بأنها لم تستخدم الرصاص ولم تقتل أيٍ من المتظاهرين، وإصدارها شهادات وفاة تشير إلى مقتل المتظاهرين برصاص مجهول المصدر، إلا أن الاتهامات الموجهة للمعتقل عويشير، فضحت زيف ادّعاءاتها، إذ أنه من بين الاتهامات الموجهة إدانته، بسبب مشاركته في “تشييع عدد من جنائز الهالكين في مواجهات أمنية مع رجال الأمن في أحداث الشغب”، وفق تعبير السلطة، وأشارت إلى أسماء الشهداء ناصر المحيشي وعلي قريريص والسادة علي الفلفل ومنيب العدنان, في إشارة إلى شهداء الحراك الذين ارتقوا مع انطلاقة التحركات المطلبية. فيما اعتبرت السلطات أن صور التظاهرات والتحركات السلمية وتخزينها في أجهزة الهواتف أو الحواسب اتهامات يجرمها القانون، حيث أدين عويشر بموجبها، وطالب الإدعاء بإنزال عقوبة الإعدام بحقه.
الناشط موسى الهاشم (29 عاماً) وزوجته الناشطة إسراء الغمغام (29 عاماً)، اللذين اعتقلا في 8 ديسمبر 2015م، لتلقيهما دورات ثقافية على أيدي معارضين للنظام مقيمين في إيران، برفقة عويشر والمطرود، وشكلت مشاركتهما في الحراك السلمي المطلبي للقطيف منذ العام 2011م، أساساً للإدعاء عليهما والمطالبة بإعدامهما، إذ أدانهما النظام لمشاركتهما بالتحركات السلمية المطلبية وتنظيمها والدعوة للمشاركة فيها، في استهداف فاضح للانتقام من جرأتهما على التعبيرعن رأيهما ودورهما الشجاع في رفض ومقاومة الإضطهاد والحرمان الواقعين على الشعب ودفاعهما عن الحقوق العامة لأهالي المنطقة..
طالب النائب العام السعودي بإعدام موسى وإسراء بعد أن كشفا عبر حسابات مواقع التواصل الإجتماعي عن الإنتهاكات التي ترتكبها قوات النظام السعودي بمختلف فرقها (الطوارئ والمباحث والشرطة) وفضحا اعتداءاتها على الأهالي والمتظاهرين، من مداهمات واعتقالات خارج نطاق القانون، إضافة إلى مساهمتهما الفعالة في الإعلان عن أماكن وتواريخ المسيرات المطلبية السلمية التي لطالما رفضتها السلطات، وأدانت الحراك المطلبي وقمعته بالرصاص الحي وطاردت المشاركين فيه بالعربات المصفحة المزودة بالرشاشات المحمولة وبالمدرعات والمجنزرات وسط الأحياء السكنية. المصادر أشارت إلى إدانة الغمغام بسبب إنشائها حسابا على موقع “يوتيوب” تنشر من خلاله صور ومقاطع مصورة للشهداء ولأنشطة الحراك المطلبي والتظاهرات السلمية وتفضح من خلاله اعتدءات عناصر الأمن السعودي على المتظاهرين، وهو ما رأته السلطة أمراً فاضحاً لممارساتها ما دفعها لإدانة المدافعة عن حقوق الانسان والناشطة في حراك القطيف، فضلا عن توجيه الإدانة لها بذريعة السفر إلى إيران وتلقي دورات ثقافية ولقاء معارضين برفقة زوجها، والإنضمام إلى “حزب ائتلاف الحرية والعدالة” المشكل من قبل معارضين بارزين في الخارج.
وبيّنت المصادر أن الإدعاء طالب خلال الجلسة الأولى لمحاكمة الغمغام في 6 أغسطس الحالي (2018)، بإعدامها تعزيراً، على جرائم لا تستوجب ولا تستحق حتى الإحتجاز لأنها تأتي في سياق التعبيرعن الرأي.
وممارسة الحقوق السياسية كالانضمام إلى تشكيل سياسي أو الاتصال بمعارضين سياسيين ونشطاء حقوقيين وإعلاميين. وعلى المنوال عينه، وجهت النيابة العامة السعودية الإدانة للناشط خالد الغانم (40 عاماً)، الذي اعتقل في 12 يناير 2016م، لتواصله مع “المطرود والهاشم وعويشير” وانضمامه إلى حزب سياسي “ائتلاف الحرية والعدالة”، وسفره إلى إيران، كما اتهُم الغانم بأنه تلقى دورات تدريبية ثقافية على كيفية تنظيم التظاهرات وقيادتها وفق ما أفادت المصادر.
الإدعاء السعودي وجه للغانم اتهامات لنشره صور المعتقلين والتظاهرات المطلبية والشهداء الذين قضوا برصاص قوات الطوارئ والمهمات الخاصة السعودسة، الذين واجهوا الحراك السلمي بالرصاص الحي والمدرعات، وخلص الإدعاء إلى تجريم الغانم والمطالبة بقتله تعزيراً وإنزال أشد العقوبات بحقه.
في السياق، تحدثت المصادر عن الاتهامات الموجهة للمعتقل مجتبى علي المزين (36 عاماً) الذي اعتقل في 22 أبريل 2016م، وقيل أنه ألقي القبض عليه بناء على معلومات تُفيد بتواصله مع المعتقلين الخمسة السابق ذكرهم، وشارك معهم بالتظاهرات والتحركات التي شهدتها المنطقة، وعمل على ضبط وحماية الحسابات الإلكترونية لبعضهم، إذ تمكن من مسح بيانات حسابات أحمد المطرود وعلي عويشير قبل حصول السلطات عليها.
وأشارت المصادر إلى أن المزين أدين بتواصله مع معارضين بارزين خارج البلاد، ومشاركته بالتظاهرات المطلبية والمشاركة في تشييع شهداء الحراك، وردد والمعتقلين الخمسة شعارات اعتبرت مناوئة للنظام، وطالب الإدعاء بتجريمه ومعاقبته بأقصى أنواع العقوبات، التي تتعلق بجرائم المعلوماتية والإخلال بالنظام العام والمساس بالأمن وهي عقوبات قد تصل إلى السجن 20 عاماً.
إتهامات لا ترقى لمستوى الإدانة “هيهات منا الذلة، الإفراج عن المعتقلين، إسقاط أحكام الإعدام، لن ننسى الشهداء، الموت لآل سعود، القصاص القصاص لمن أطلق الرصاص”، شعارات رُفعت خلال تظاهرات الحراك المطلبي، رددها المعتقلون مع حشود المتظاهرين واتخذتها السلطات ذريعة للإدانة، على الرغم من أنها لا تتعدى المطالب المشروعة وممارسة عملية لحق التعبير عن الرأي والمعارضة السياسية، وهي حقوق مكفولة بنص كافة القوانين والمواثيق الدولية.
وفي السياق، كشفتت المصادر عن أن لائحة الاتهام التي قدمتها النيابة العامة ضد المعتقلين الـ6 احتوت على إقرارات واعترافات من السلطة بأنها قتلت بالرصاص الحي المتظاهرين الذين شاركوا بالحراك السلمي المطلبي عام 2011م، إذ تمت إدانة المعتقلين الستة لمشاركتهم بتشييع الشهداء “الذين وصفهم الإدعاء بالهالكين” على حد تعبيره، وهو إقرار ضمني بوفاتهم برصاص العناصر الأمنية، فيما كانت تدعي سابقا أن النشطاء والمتظاهرين استشهدوا على أيدي عناصر وصفتهم بالـ”المندسّين” وفي حالات أخرى أوعزت السبب لرصاص مجهول المصدر.
مراقبون حقوقيون أكدوا أن ما جرّمته السلطات والإدعاء العام للمعتقلين الستة، من السفر إلى إيران والعراق وتركيا، ونشر وتوثيق المعلومات والصور المتعلقة بالحراك المطلبي والتظاهر سلمياً والمشاركة بتنظيم التظاهرات، وإدارة حسابات عبر مواقع التواصل الإجتماعي، حقوق تكفلها النصوص المكتوبة في القوانين المحلية والدولية، ولا يجب أن يجرّم عليها القانون ويدان بموجبها المعتقلين.
وشددوا على أن الأفعال التي أقدم عليها المعتقلين الستة لا يجرم عليها القانون المحلي فضلاً عن الدولي، إذ يكفل “بصورة مكتوبة” الحرية في التعبير عن الرأي والمشاركة السياسية، كما أن التجريم بالإنتماء إلى حزب سياسي يتناقض والقوانين المنصوصة والتي تكفل تشكيل الأحزاب، غير أن الرياض اعتادت تكميم الأفواه والقضاء على كل تحرك إصلاحي مطلبي أيا كان شكله، واصفين القوانين المحلية الموضوعة بأنها “فخ للاستهداف”، إذ تفتح باباً قانونيا لإنشاء الأحزاب والجمعيات ويسمح بالإنتماء إليها، وفور إنشائها تعمل السلطات على إستهداف مؤسسيها وملاحقتهم وتجريمهم وتقييدهم والزج بهم خلف القضبان، ولا تقف الإدانة عند حد حتى تصل إلى المطالبة بالإعدام سواء للمؤسسين أوالمشاركين، في أكبر عملية اغتيال لحرية التعبير عن الرأي والحقوق السياسية والمدنية الأساسية والمشروعة.
واعتبر المراقبون أن تجريم المعتقلين يكشف عن أن السلطات السعودية لا تزال “تنتهج منهج التوسع الوحشي غير المبرر بالمطالبة بعقوبة القتل تعزيراً، رغم المطالب المتكررة بإلغاء عقوبة القتل التعزيري من الأساس”.
المصدر:مرآة الجزيرة