فلنعلم أن هناك نوعين من الاختلاط بين المرأة والرجل الأجنبيّ:
أحدهما: الاختلاط المباح، وهو الذي قد يتّفق للمرأة لدى خروجها من المنزل، عند ممارسة حياتها بشكل طبيعيّ، كما في المدرسة أو الجامعة أو الكليّة، أو العمل، أو لدى تردّدها إلى الأماكن العامّة كالشارع والسوق، أو ركوبها في وسائل النقل، ونحو ذلك ممّا يكون مع مراعاة الحدود والوظائف الشرعيّة.
والنوع الآخر: الاختلاط السلبيّ، وهو الذي يكون فيه مَفسدة ويستلزم الوقوع في الحرام، من النظر واللّمس المحرَّمين، واحتكاك الرجال بالنساء، ويؤدّي إلى تسهيل وقوع العلاقات المحرّمة بين الرجل والمرأة.
ونجد مثل هذا الاختلاط السلبيّ في بعض الأعراس المختلطة، أو حفلات الغناء والرقص، وبعض المقاهي والملاهي، والمسابح المختلطة، والنوادي الرياضيّة... وغيرها من أماكن ومواضع الاختلاط الظاهرة والمعروفة.
وقد أشير في القرآن الكريم إلى كَوْن هذا الفصل الإيجابيّ بين الرجل والمرأة من أسباب الطهارة المعنويّة للقلب، وسلامته من مرض الشهوة وخواطر الشيطان التي تعرض للإنسان في التفكير تجاه الصنف الآخر. قال تعالى: ﴿ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ﴾(الأحزاب: 53).
وتُعدّ مسألة الاختلاط من أهمّ المسائل المسبِّبة للوقوع في الحرام، وباباً من أبوابه المشرَّعة، وهي الجزء المكمّل لستر المرأة وحجابها. يقول العلّامة الطباطبائيّ قدس سره: "إنّ الإسلام سدَّ باب الزنا... بإيجاب الحجاب والمنع من اختلاط الرجال بالنساء والنساء بالرجال، ولولا ذلك لم ينجح النهي عن الزنا في الحجز بين الإنسان وبين هذا الفعال الشنيع"(1).
وقد ورد في الروايات النهيُ عن مثل هذا الاختلاط، فعن الإمام أبي عبد الله عليه السلام أنّه قال: "قال أمير المؤمنين عليه السلام: يا أهل العراق، نُبِّئت أنّ نساءكم يدافعن الرجال في الطريق، أما تستحون؟!"(2).
وعنه عليه السلام أيضاً أنّه قال: "استأذن أعمى على فاطمة عليها السلام فحجبتْه، فقال لها النبي صلى الله عليه وآله وسلم: لِمَ تحجبينه وهو لا يراكِ؟ قالت: يا رسول الله، إنْ لم يكن يراني فإنّي أراه، وهو يشمّ الريح. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أشهد أنك بضعة منّي"(3).
وعن الإمام عليّ عليه السلام أنّه قال: "قال لنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أيّ شيء خير للمرأة؟ فلم يُجبه أحد منّا، فذكرتُ ذلك لفاطمة عليها السلام فقالت: ما من شيء خير للمرأة من أن لا ترى رجلاً ولا يراها، فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: صدقت، إنّها بضعة منّي"(4).
وعن الإمام أبي جعفر عليه السلام أنّه قال: "قال أمير المؤمنين عليه السلام في رسالته إلى ابنه الحسن عليه السلام: ... واكفف عليهنّ من أبصارهنّ بحجابك إيّاهنّ، فإنّ شدَّة الحجاب خيرٌ لك ولهنّ من الارتياب، وليس خروجهنّ بأشدّ من دخول من لا يوثَق به عليهنّ، فإنْ استطعت أن لا يعرفن غيرك من الرجال فافعل"(5).
ولا بدّ من التنبّه اليوم إلى أنّ الاختلاط قد يأخذ أشكالاً مختلفة، كمسألة الاختلاط الإلكترونيّ في العالم المجازيّ أو الافتراضيّ، الذي بات ظاهرة سيّئة في مجتمعنا، لكونه يتلبَّس بالشخصيّة الافتراضيّة التي تُسهّل على الإنسان الدخول إلى ساحات لا يمكنه الدخول إليها في العالم الحقيقيّ. فالعالم الافتراضيّ لا يجعل الحرام حلالاً، وما هو حرام في العالم الحقيقيّ حرام في العالم الافتراضيّ، بل إنّ بعض المفاسد والسلبيّات التي يقع فيها الإنسان في هذا الجوّ أشدّ منها في العالم الحقيقيّ.
الهوامش:
1-الميزان في تفسير القرآن، الطباطبائي، ج 4، ص315.
2-الكافي، الكليني، ج5، ص537.
3-دعائم الإسلام، القاضي النعمان، ج2، ص 214.
4- (م.ن)، ج2، ص215.
5-مستدرك الوسائل، المحدث النوري، ج14، ص183.
المصدر:بقية الله