كان الإمام الباقر (عليه السلام) قد نعى نفسه المقدّسة لولده الصادق(عليه السلام)، وأوصاه عدّة وصايا تتعلّق بالإمامة وبجهازه ودفنه، في أكثر من مناسبة، ففي الليلة التي قبض فيها، أدنى ولده الصّادق (عليه السلام) فناجاه، فلما فرغ من المناجاة، قال: يا بنيّ، هذه الليلة التي وُعدت أن أُقبض فيها.
ولما حان حينه، وتيقن وفاته، وعزم إلى أن يصير إلى روح الله وريحانه، ويعرج إلى معارج فوزه وجنانه، أوصى إلى ابنه أبي عبد الله جعفر الصادق (عليه السلام) بجميع ما يحتاج إليه الناس، واستودعه ما كان محفوظاً عنده من الكتب والسّلاح وآثار الأنبياء وودائعهم، وأوصاه بأشياء في غسله وكفنه ودخوله قبره...
وفي خبر آخر، أنّه أمر حين حضرته الوفاة بإدخال أربعة من قريش من أهل المدينة فأشهدهم، وكان منهم نافع مولى عبد الله بن عمر، ثم قال: "اكتب: هذا ما وصّى به يعقوب بنيه: {يَا بَنِيَّ إِنَّ اللهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ}، وأوصى محمد بن علي إلى جعفر بن محمد، وأمره أن يكفّنه في ثلاثة أثواب، أحدها رداء له حبرة كان يصلّي فيه الجمع، وثوب آخر، وقميص، وأن يعمّمه بعمامته، وأن يربّع قبره، ويرفعه أربع أصابع، ثم يخلى عنه، ويرشّه بالماء، وأن يحلّ عنه أطماره عند دفنه. وأوصاه أيضاً أن يحفر له ويشقّ له شقّ، وقال: إن قيل لكم: إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لُحّد له، فقد صدقوا"، وعلّل الإمام الصادق (عليه السلام) بقوله: "وشققنا له الأرض من أجل أنّه كان بادناً...".
وفي يوم شهادته،قام الإمام الصّادق (عليه السلام) بتهيئته، فغسّله كما أمره وحنّطه بحنوطه، وأدرجه في أكفانه، وصلّى عليه مع شيعته، وروي أنّه كان على نعشه برد حبرة، وخرج الناس لجنازته بالبكاء والعويل، وكان يوماً عظيماً مشهوداً، وأخرجه إلى بقيع الغرقد بالمدينة، في القبر الذي فيه أبوه علي بن الحسين (عليهما السلام)، وعمّ أبيه الحسن (عليه السلام)، في القبّة التي فيها قبر العباس (عليهما السلام)،وهكذا رحل باقر العلم إلى كرامة ربه الأعلى سبحانه صابراً محتسباً، شاهداً وشهيداً.
المصدر: كتاب الإمام أبو جعفر الباقر(ع) سيرة وتاريخ