ورد في عدد من المصادرالرئيسة أن الرابع من ذي الحجة هو اليوم الذي دخل فيه رسول الله صلى الله عليه وآله إلى مكة في حجة الوداع، وحيث إن كل مايرتبط بالمصطفى الحبيب بالغ الأهمية، لأن كل ماصدر عنه صلى الله عليه وآله من قول أو فعل حجة على الناس وهو وحي يوحى، بصريح القرآن الكريم، فمن الطبيعي أن تحظى تفاصيل الوقائع التي حصلت في هذا اليوم الرابع من ذي الحجة بعناية خاصة، وإليك بعض النصوص في ذلك:
1-أورد الشيخ ابن إدريس في السرائر:عن الإمام الصادق عليه السلام:
".. إن رسول الله صلى الله عليه وآله وأهل بيته، أقام بالمدينة عشر سنين لم يحج، ثم أنزل الله عليه أن : " أذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق " فأمر المؤذنين أن يؤذنوا بأعلى أصواتهم بأن رسول الله صلى الله عليه وأهل بيته يحج من عامه هذا، فعلم به حاضرو المدينة وأهل العوالي (1) والأعراب، فاجتمعوا لحج رسول الله صلى الله عليه وأهل بيته وإنما كانوا تابعين ينتظرون ما يؤمرون به، فيتبعونه أو يصنع شيئا فيصنعونه، فخرج رسول الله صلى الله عليه وأهل بيته في أربع بقين من ذي القعدة، فلما انتهى إلى ذي الحُليفة (2) وزالت الشمس، اغتسل وخرج حتى أتى مسجد الشجرة، فصلى عنده الظهر، وعزم على الحج مفرداً، وخرج حتى انتهى إلى البيداء عند الميل الأول، فصف له الناس سماطين، فلبى بالحج مفرداً، ومضى ".." حتى انتهى إلى مكة في السلاح، لأربع من ذي الحجة، فطاف بالبيت سبعة أشواط، ثم صلى ركعتين عند مقام إبراهيم عليه السلام، ثم عاد إلى الحجر الأسود، فاستلمه وقد كان استلمه في أول طوافه، ثم قال:
" إن الصفا والمروة من شعائر الله " فابدأ بما بدأ الله به، وإن المسلمين كانوا يظنون أن السعي بين الصفا والمروة شيئ وضعه المشركون، فأنزل الله تعالى { إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما}ثم أتى الصفا فصنع عليه مثل ما ذكرت لك، حتى فرغ من سبعة أشواط، ثم أتاه جبرئيل وهو على المروة، فأمره أن يأمر الناس أن يحلوا إلا سائق الهدي فقال رجل: أنُحل ولم نفرغ من مناسكنا (3) ." في تفصيل يأتي بيانه.
2- وقال المحقق الحلي في المعتبر:
عن أبي عبد الله عليه السلام قال:" أحرم رسول الله صلى الله عليه واله من ذي الحُليفة مفرداً". وأورد- المحقق- الرواية المتقدمة عن السرائر إلى قوله:فقال رجل نخرج حجاجاً ورؤوسنا تقطر. " وقد روي أيضاً أنه قال مايقبح ذكره"!
فقال عليه السلام لو استقبلت من أمري ما استدبرت، لصنعت كما أمرتكم، ولكني سقت الهدي، ولا ينبغي لسائق الهدي أن يحل حتى يبلغ الهدي محله، فقال له سراقة: ألعامنا هذا، أم الأبد؟
فقال بل الأبد إلى يوم القيامة، وشبك بين أصابعه، وقال دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة ". (4)
3-وقد أضاف العلامة الحلي بعض التفاصيل حول قدوم المصطفى صلى الله عليه وآله إلى مكة، فقال:
"روي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه دخل مكة صبيحة يوم الأحد، الرابع من ذي الحجة وقد كان صلى الصبح قبل دخوله فأقام بها تمام الرابع والخامس و السادس والسابع، وصلى الصبح بها في اليوم الثامن، ثم دخل إلى منى وكان النبي صلى الله عليه وآله يقصر في هذه الأيام صلاته في هذه المدة عشرين صلاة..". (5)
4-كما يضيف السيد ابن طاوس في الإقبال تفاصيل وافية فيقول:
"إن النبي صلى الله عليه وآله فتح مكة سنة ثمان من الهجرة، واستعمل على أهلها عتاب بن اسيد ".." ثم اجتمعت هوازن وقدموا لحربه عليه السلام، فخرج من مكة الى هوازن "ودارت الدائرة عليهم" ثم مضى الى الطائف، ثم رجع من الطائف الى الجعرانة، فقسم بها غنائمهم، ثم دخل مكة ليلاً معتمراً، فطاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة وقضى عمرته ".." ومنها توجه الى المدينة ولم يحج عليه السلام تلك السنة. فلما حج الناس سنة ثمان ولم يحج النبي صلوات الله عليه وآله فيها، حج المسلمون وعليهم عتاب بن أسيد، لأنه أمير مكة، وحج المشركون من أهل مكة وغيرها ممن أراد الحج من الذين كان لهم "عهد" مع النبي صلى الله عليه وآله ومن انضم إليهم من الكفار ".
فلما دخلت سنة تسع من الهجرة وقرب وقت الحج فيها أمر الله جل جلاله رسوله صلوات الله وسلامه عليه وآله أان ينابذ المشركين، ويظهر إعزاز الإسلام والمسلمين، فبعث عليا عليه السلام لرد أبى بكر كما "هو معروف" والمسلمون من أهل مكة بين حاسد لمولانا على عليه السلام وبين مطالب له بقتل من قتلهم من أهلهم، والمشركون في موسم الحج أعداء له عليه السلام، فتوجه وحده لكلهم، فأعز الله جل جلاله ورسوله أمر الإسلام على يد مولانا على عليه السلام، وأذل رقاب الكفار والطغاة. فلما دخلت ستة عشر وقرب وقت الحج خرج النبي صلى الله عليه وآله لحجة الوداع وإبلاغ ما أمره الله جل جلاله بإبلاغه، فأقام الناس بسنن الحج والاسلام ، و"نص فيها على مولانا علي صلوات الله عليه في عوده من الحج بغدير خم وخلافته بعده على سائر الأنام." (6)وتوجه الى المدينة، ثم دعاه الله جل جلاله الى دار السلام في ذلك العام .(7)
* وهكذا يتضح أن الرابع من ذي الحجة هو يوم قدوم رسول الله صلى الله عليه وآله في حجة الوداع.
وترقى الوقائع التي شهدها موسم الحج في ذلك العام إلى مستوى الأحداث التاريخية الطليعية، فإذا وصلنا إلى النص على إمامة أمير المؤمنين عليه السلام، لدى عودة رسول الله صلى الله عليه وآله، ووصوله والمسلمين، إلى منظقة غدير خم التي هي قرب الجحفة، الميقات المعروف، اتضح أيضاً أن يوم الرابع من ذي الحجة من أيام الله العظيمة، التي تعتبر المفاصل الرئيسة لحركة التوحيد على وجه الأرض.
وفي ماعدا هذه المناسبة لم أجد في المصادر المتعددة،ذكراً لمناسبات أخرى مرتبطة بهذا اليوم، وهو مايضعنا أمام حقيقة أن عظمة العشر الأول من ذي الحجة خصوصية ثابتة لهذه الأيام بقطع النظر عن مناسبات وقعت فيها،إلا أن حصول أحداث معينة في بعضها يجعل لهذا البعض ميزة تبرز من خلال أعمال معينة ورد الحث عليها .
الهوامش:
(1) اسم لعدة ضياع كانت تبعد أميالاً عن المدينة المنورة وأصبحت الآن متصلة بها بل بعض أطرافها، وفيها بقايا مسجد رد الشمس، ومسجد الفضيخ، ومشربة أم إيراهيم، و"العوالي" هي التي كان رسول الله صلى الله عليه وآله أعطاها مع فدك للصديقة الكبرى الشهيدة عليها صلوات الرحمن.
(2) جاء في “كلمة التقوى”ذو الحليفة، ويسميه عامة الناس في هذه الأعصار “ آبار علي “، وقد أطلق عليه في بعض النصوص اسم الشجرة، ولا يختص موضع الإحرام بمسجد الشجرة نفسه على الاقوى، فيصح الاحرام من خارجه مما يسمى بالشجرة وبذي الحليفة..” المرجع المقدس الشيخ محمد أمين زين الدين، كلمة التقوى 3/230
(3) السرائر - ابن إدريس الحلي ج 3 ص 552 :
(4) المعتبر - المحقق الحلي ج 2 ص 788 :
(5) منتهى المطلب “ط.ق” - العلامة الحلي ج 1 ص 397 :
(6) مابين المزدوجتين، زيادة من نسخة الإقبال،أفست دار الكتب الإسلامية، طهران- سوق السلطان، ط: الثانية، 1390 هـ ق- 1349 هـ ش، ص321
(7) السيد ابن طاووس الحسني، إقبال الأعمال2/42 بتصرف يسير.
المصدر:موقع سرائر